باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الحوثيين و صالح.. "ديسمبر" لم ينتهِ بعد
نشر في المنتصف يوم 04 - 12 - 2020

كان الصراع بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، على المجتمع، قد بلغ ذروته. وكان ذرْعُ الجماعة، لذلك وليس لسببٍ آخر، قد تخطى مرحلة الضيق بصالح إلى طور اعتباره "عدواً" أكثر فتكاً من "عدوان" التحالف حسب تعبيرهم.

تعرف قيادات الحوثيين جيداً أن الواقع الذي أدى الى اتخاذها قرار التخلص من صالح لم تكن له أية علاقة بما ساقته من مبررات واهية أبرزها تواطؤه مع "التحالف"..
كما تعرف أن قرار "الخلاص" اتُخذ في وقت مبكر جدا وقبل دعوة "صالح" ل"الانتفاض" ضدهم بأشهر.

بعد رحيل كافة القوى السياسية من صنعاء، وضرب كامل القوى الاجتماعية، مع نهايات 2014، أصبح المجتمع، خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين، خلوا من أي قوة تنافسهم باستثناء قوة وحيدة: صالح والمؤتمر الشعبي.
ومع أن هذين الأخيرين ينتميان الى تمثيلات وطنية حديثة تتجاوز التمثيلات المناطقية والجهوية، إلا أن مخاوف الجماعة تركزت حول التهديد الذي يمثله صالح، وتنظيمه، لمشروعها الرامي إلى إحكام القبضة على خارطة القوى القبلية خصوصا وتوظيفها ضداً على بقية اليمن.

****
ينظر الحوثيون إلى القبيلة باعتبارها: خارطة حكمهم الرئيسة، وجغرافيا عقيدتهم "المذهبية"، و خزان قوتهم العسكرية.

ومن حيث الجذر المفسر لعديد أشياء، فإن استراتيجية الحوثيين تقوم، أساساً، على إغلاق الخارطة القبلية/ الزيدية، كلياً كقاعدةٍ صلبة لمشروعهم.
إنهم، في إحدى التعريفات المهمة لهم كجماعة، جماعةٌ "زيدية إحيائية"، تسعى، بواسطة إحياء مجموع عقائد وأفكار المذهب، إلى إعادة أدلجة وتنظيم المجتمع المنتمي تاريخيا إلى هذا المذهب، أي إعادة "الزيود" إلى "الزيدية" (بعد ان كانت ظروف التغيير منذ سبتمبر 62 قد حولت هذه الهوية إلى مجرد هوية اجتماعية منزوعة المخالب "الأيديولوجية"، لتصبح مثلها مثل الشافعية وبقية المذاهب ذات الطابع الفقهي التعبدي والبعيد عن السياسة).

يصبح مجتمع "القبيلة" وفقاً لهذه "الإحيائية" تنظيماً دينياً/ مذهبياً مغلقاً، وجاهزا للقيام بدوره "الرسالي" في إخضاع، والسيطرة على، بقية المجتمع اليمني (وغير اليمني في مخيال وطموح الجماعة).

هكذا يجب أن يكون الطريق بين الجماعة وبين القبيلة سالكاً و بعيداً عن أية تشويش أومنافسة، ولقد كان صالح واحداً من أكثر السياسيين والزعامات اليمنية إدراكاً لخطورة إعادة التزاوج بين القبيلة والمذهب، أو القبيلة والأيديولوجيا، لذلك لم يكن يكتفي بتواصلاته اليومية، وفعالياته العامة، لفتح خيارات بديلة أمام المجتمع القبلي وممثليه، بل كان يحذر في كثير من خطاباته، بالتلميح والتصريح، إلى الدورات التثقيفية والتعبوية التي اعتاد الحوثيون إقامتها لنخب المجتمع وأفراده بطرق ممنهجة ومكثفة.

***
بخبرته السياسية والجماهيرية، كان صالح يعرف كيف يطوي السجاد القبلي تدريجيا من تحت القدم الحوثية المفتقرة للخبرة والمعتمدة على عكاز السلاح والقوة فقط.
فشلُ الجماعة في ادارة السلطة وعدم قدرتها على الإيفاء حتى بمرتبات موظفي الدولة، ظل لفترة سنتين على الأقل، هو الموضوع المفضل لخطابات صالح.
وهو ما جعل الرجل جاهزاً ليكون قِبلةً لكل المخنوقين من حكم الحوثيين، على مستوى اليمنيين الذين لم ينخرطوا في جبهة "الشرعية" و"التحالف" بشكل عام، وعلى مستوى القوى القبلية بشكل خاص وأكثر خطورة:

عند فعالية إحياء الذكرى الأولى ل"العدوان" حَشَد الحوثيون في ساحةٍ بالروضة، وحشد صالح والمؤتمر في ميدان السبعين، وسجل الحشدان رسالة واضحة لمن يهمهم الأمر: فجماهيرية صالح، التي ظهرت خلال الحشد، لم تبدُ متفوقة، او مماثلة على الأقل لجماهيرية الحوثي فحسب، بل بدت في طورٍ جديد من التصاعد لم يحظ به الرجل منذ خروجه من السلطة.
يضاف إلى ذلك فارق مفصلي: فحشود الحوثيين هي عبارة عن تجمعات قبلية، في الغالب الأعم، بينما حشود المؤتمر الشعبي وصالح مكونة من أطياف التعدد اليمني الممتد من صعدة إلى مهرة.

تبعاً لذلك كان على الحوثيين منع اية فعالية جماهيرية أخرى له، حتى لو أدى الأمر إلى التلويح باتخاذ إجراء عسكري ضده كما حدث عند نيته هو والمؤتمر اقامة فعالية اغسطس 2018 لإحياء ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي.
وحين أقيمت الفعالية في صنعاء، على مضض، وبعد النزول عند شروط الحوثيين ب"عدم السماح للمحافظات بالمشاركة فيها"؛ قرر الحوثيون، عند هذه المرحلة بالتحديد، أنهم لم يعودوا على استعداد للبقاء في موقع المراقب لخطوة "صالح" التالية، أو مناورته الجماهيرية القادمة.

****

تصاعدت حدة النوايا الحوثية تجاه صالح، وهذا مالا يعرفه كثيرون، مع بدء حديثه علناً: عن فساد الجماعة، وسراً: عن مصير "22 مليار" ريال، تغادر الخزينة العامة، شهرياً، إلى خزانة "صعدة".
طُرح سؤال هذه المليارات من قبل صالح على قيادات الجماعة، كما طرح من قبل ممثلي المؤتمر في "المجلس السياسي" و"حكومة الإنقاذ"، وكان هذا أمراً مؤذياً، خصوصا بعد أن رد الحوثيون بأن المبلغ يذهب للمجهود الحربي، فطالبهم صالح، وبإلحاح، بإثبات ذلك بالتفاصيل، مستندا الى حقيقة أن وحدات الجيش التي تشارك الحوثيين في القتال؛ لاتستلم مرتباتها، كما أن المقاتلين القبليين لا يحصلون على مرتبات (حينها كان الحوثيون يدفعون للمقاتل 10 آلاف ريال كل شهرين أوثلاثة).

إجمالاً، وكأن كل نتائج أداء "صالح" المشار إليها لم تكن بالسوء الكافي بالنسبة للجماعة، حتى ظهر التأثير الأسوأ على الإطلاق: عزوف القبائل تدريجيا عن إرسال المزيد من مقاتليها إلى الجبهات، وهي الأزمة الحادة التي واجهتها الجماعة في تلك المرحلة ولم يلحظها الناس، وكانت قياداتها تحمل صالح المسؤولية المباشرة، ليس بسبب خطاباته الناقدة لعجز سلطتها فحسب؛ بل كانت تتهمه بتحريض مشائخ قبليين، بشكل مباشر، على عدم "التجنيد".

لهذا كله لم يكن الحوثيون في أية حاجة لأي مبرر آخر لإغلاق "باب الريح"، وإسكات "صداع" صالح إلى الأبد.

ولم تكن دعوة صالح إلى "انتفاضة شاملة" إلا دعوة رجلٍ عرف مصيره يقيناً، وقرأ نوايا خصمه جيداً.

هذه حقيقة أولى، والثانية: وعلى عكس ما يحيل إليه السؤال التهكمي الدائم بشأن "قبائل الطوق" وخذلانها لصالح، فإن الواقع يقول إنه دعا إلى "انتفاضة شعبية" لا إلى حرب قبلية/ قبلية مع الحوثي، وذلك لأنه لم يكن يراهن كثيراً على "سلاح" القبيلة ومحاربيها، بل على "سخط" غالبية المجتمع تجاه سلطة الحوثيين، السخط الذي، كان، ولايزال من الوارد جدا، ممكناً له أن يتحول إلى تمرد شعبي واسع، لا يقتصر على جغرافيا بعينها ولا على لون اجتماعي دون لون.

ولن يكون مفاجئاً أن تكون القبائل في طليعة هذا التمرد، فخبرة اليمنيين الطويلة تؤكد أن "التمردات القبلية" ظلت، لقرون من الزمن، أبرز عوامل إنهاك وإضعاف نظام "الإمامة" التاريخي (والذي يرتدي الآن مسمى "الولاية")، وهذه إحدى المفارقات الكبرى في تاريخ السياسة والمجتمع في اليمن: فالسلطة الدينية التي تعتمد على "أدلجة" و "تجنيد" القبيلة، عادةً ما كان صداعها الدائم يأتي من القبيلة نفسها، أو من "العصيان" القبلي كما كانت تسميه.

سيظل رهان صالح، إذاً، قائماً ومرشحاً بشكل دائم للتحقق، ما يعني ان "ديسمبر"، بشكل أو بآخر، لم ينتهِ بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.