حين كان الأفق أمامي مفتوحاً على عالم الأدب والثقافة والصحافة، كنت مشبعاً بهواجس لا حدود لها، أتتبع أخبار العديد من الشخصيات، كان هذا الفتى الإصلاحي "نبيل" واحداً منهم، وكانوا يسردون عنه القصص المشوقة، كتعلقه بالكتاب والكتابة، قدراته الثقافية، وأفكاره الطموحة. كنت حينها أتساءل أمثال هؤلاء الشباب، من يرفد الآخر بالنضوج الحقيقي، وأيديولوجيا التعلق والحب؟الحزب يرفد الشخصية أم العكس ؟مع العلم أن الاستقطاب الإخواني حينها كان في قمة مجده، وتحديداً مطلع تسعينيات العقد قبل الماضي، وكان واقع الحال يذكرنا "بفتح مكة"، و"دار الأرقم بن أبي الأرقم"، ما أتاح للبعض غسل أردية الماضي بدخول هذه الدائرة الضيقة، والتخلي عن كلما هو جوهري، بالاعتماد على إيمان إما زائف، أو إيمان شكلي مبطّن يحمل أهدافا عظيمة، نتج عن تلك الفتوحات نقاطاً سوداء عريضة، كان ولا زال أهمها تكديس المرأة عموماً، والريفية خصوصاً على قارعة الطريق، لتصبح وكأنها "زنبيل" يتخطفه الهواء، أو جماد يتحرك بفعل الرياح لا أكثر، تنقّبت الطفلة في سن الخامسة، والسادسة والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والعاشرة، وتنقبت المرأة الأربعينية والخمسينية، والستينية، والسبعينية، ولكم أن تقفوا عند اقرب طريق ريفي، أو تذهبوا إلى اقرب مدرسة في الريف أو المدينة، وتدخلوا إلى إحدى فصولها الابتدائية المؤلمة، لدرجة أنهم أصبحوا يستكثرون عليها "باليطو" ملوّن، بحجة أن لبس غير الأسود حالة شاذة، ولسان حالها يقول:" إن يحسدوني على موتي فو آسفا". فتحٌ من الله ونصر قريب. كل ذلك حدث ولا زال مستمر الفعل، قبل وبعد أن ينبري المخترعون للوهم، والمستكشفون لعضال زائف، وقبل أن تُلغى "المعاهد العلمية" الفقّاسة الكبرى للمواهب، وترتكب "الجمعيات" الوهمية مذابحها بحق الفلاحين، بعد استدراجهم بأسلوب خبيث. قبل أن تتكشف حقائق كثيرة، وتختلط أوراق ما كان لها الاستمرار بدون خلط، يومها كان الاستقطاب السياسي يتم بتعبئة الشباب بصورة سريعة وغير مكلفة في اقصر مدة، حتى لا يترك فراغاً في الوعاء لسائل آخر، إلا ما يتناسب مع انجيل المرشد، ولعلّ محافظتي اب، وتعز عاصمة ثقافة المجاز، اكبر مساحتي جغرافيا تمت فيهما عمليات الاستقطاب والتمدد، ونصب أوتاد الجمعيات الوهمية. اليوم يتسع المشهد المؤلم أيضاً في أنحاء الوطن، نتيجة للزيف في تقرير الحالة الاجتماعية، والدينية بصورها المظلمة، وتبعات أخرى. إنها مرحلة حافلة بالجنون، تساقط فيها كل العرّافون، وكسرت فيها الفناجين على رؤوس الحقيقة، مرحلة انتهت بثلاثة وثلاثين عاماً من الحسبة الخاطئة، مرحلة "عفاشية"بامتياز، وما دون ذلك مجرد سراب باعترافات الجميع ممن تدفقوا إلى ساحات الثورة، مرحلة لم يستطيعوا التحرر منها حتى اللحظة، فما زالت تشغل ذهنيتهم الخائبة، ورحم الله أرواحا تساقطت نتيجة للعبث. لنقترب قليلاً من قُبة "الصوفي"، في إطار الواقع، ولست مدفاعاً عنه هنا، علماً بأني لا اعرفه بتاتاً، إلا من خلال الوسائل التي يقدم نفسه من خلالها، ولن أتجنى على أحد بقدر ما هي رؤية تم استخلاصها من المشهد. نبيل الصوفي مثله مثل أي شاب طموح، ترك الحزب لينتقل إلى جو آخر، بالبلدي يريد أن "يفتهن"ويبصر وجه الله على حقيقته، وُصف بأنه مصلحي ويمتدح الرئيس السابق، ويسميه بالزعيم، بصورة مباشرة وغير مباشرة، وقيل بأنه من كتيبة رحمة حجيرة وطابور سلطان البركاني، وووو القائمة تطول. كل ذلك في نظري لن يؤخذ بالحسبان لأكثر من سبب، منها أن تلك تُهماً جاهزة تم استخدامها طوال ثلاث سنوات مضت، وبصورة فيها تجاوز لبصيرة ثاقبة، وفي كل الأحوال إذا تم اعتماد تلك التهم، فإنه سيتم إلصاقها بالشعب اليمني كله، من صحفيين وإعلاميين وحتى أكاديميين، ووزراء وغَفَرْ، ومن مرتادي السبعين والستين، لذا دعوا تلك الدعاوى جانباً، وكونوا اقرب للصواب، فالجميع على باب الله. هو عضو شورى الاصلاح رئيس تحرير الصحوة سابقاً، وكاتب افتتاحياتها، بالأمس القريب قلب صحن الأيديولوجيا، وظهر بتفكير مختلف وقناعات جديدة، يتحمل تبعاتها عقله الذي فكر، ودائرته التي خرج منها بما لايخل بالجوهر. أعتبره البعض بأنه جاء متأخراً جداً، يعني في الوقت الضائع، يعني بعد ما كملوا الناس، وحتى أكون صريحا معاكم، فإنني أضع بين يديه ونصب عينيه، فكرة العودة إلى حزب الإصلاح من جديد، ما عليه سوى أن يغني أغنية "الحب الثاني تجربة" قبل ان يحل عليه غضب الزنداني، وثورة اليدومي، ولعنات أقلام الزملاء، وتوترات المفسبكين المراهقين. الغريب في الأمر والمحزن جداً، كيف استطاع نبيل أن يفارق، أو بالأصح كيف استطاع الخروج من دائرة الشاعر الطبيب، الذي ما برح يذكرنا بكل مقالة بأنه طبيب. "مروان الغفوري". مروان الذي مازال حتى اللحظة طبيباً، ولم يسرق "عفاش" من طبطبته التي اكتسبها منذ ما قبل الربيع العربي شيئاً، مروان الذي اقتحم مؤخراً بمقالاته عالم الملابس الداخلية النسائية وبقوة. أيضاً "خالد الانسي" الرجل المعقد من حاله، الناشط والمحامي الذي لا ندري عن براعته شيئاً، إذا تم استضافته في أي قناة "يفك" وكأنه كان محبوساً في ساحةٍ ما، ناهيك عن بعض التصرفات التي لا يقوم بها حتى الصغار. الحق يقال: ما كان لك أيها النبيل أن تفارق دائرة فؤاد الحميري، شاعر الثورة وعرابها الأول، خطيب شارع الستين / مذبح /المطار/ الحصبة؟كيف طاوعك قلبك ان تترك كل هؤلاء العتاولة يا رجل، وترتمي في أحضان أطراف أخرى أكل الزمان عليها وشرب، كان على الأقل تبحث عن بقعة خصبة ومتقدمة، في شارع الستين - دار الرئاسة مدرع؟ كله كوم وتركك ل "محمد قحطان" يناطح الميكرفونات، ويأكل تفاح موفمبيك لوحده كوم. كيف طاوعك قلبك أن تفارق "نصر طه مصطفى"؟ أمانة عليكم حد يقدر يفارق الابن المدلل لعفاش سابقاً، صاحب الحراسة المشددة حالياً. عموماً كل ما أوردته ليس سخرية من احد، بقدر ما هو رصد لبعض ما يتطاير هنا أو هناك، وكلنا واقعون في الزلل. "محمد العمراني" صديق عزيز، لِطرحك عموماً طابع خاص، مهما اختلفنا في التطرق للواقع البشع بكل تفاصيله، على الأقل فأنت تفكر بعقلك في أحايين كثيرة بعيداً عن العواطف، وهي ليست مجاملة إنما الأصوات تتفاوت، والأقلام تختلف، هناك الأخضر والأحمر والبني والزهري، وهناك اللوزي والأسود القاتم والأبيض، الأهم إلا نكون انتهازيين في كتاباتنا وأفكارنا دون ان نشعر بذلك، كما يفعل البعض، وشتامين إلى درجة التقزز. * "المنتصف"