رحمك الله يا فندم معين مجلي.. وداعاً يا صديقي العزيز.. فقد جاء الخبر صاعقاً برحيلك وأنت في مقتبل العمر.. إذ شاءت الأقدار أن يوافيك الأجل في عمران بعدما عاركت الموت في صعدة ونجوت.. لتفارق الحياة وأهلك ومحبيك، وأنت تضحك وتبتسم كما هي سمتك. مضت سنوات طويلة لم نلتقِ خلالها حتى تقابلنا بالصدفة قبل عامين في أحد أسواق العاصمة صنعاء، وقد أصبحت ضابطاً يُشار إليك بالبنان.. وكان آخر عهدي بك منذ دراستك في كلية الشرطة وبعد تخرجك منها. يعتقد البعض أن أبناء صعدة المنقسمين فيما بينهم إلى فريقين مع وضد.. غير قادرين على التواصل في الجوانب الإنسانية والاجتماعية.. حد خوف كثيرين أو ترددهم في تقديم واجب العزاء لأسر وأهالي الراحلين من الطرف الآخر، سواءً بالوفاة الطبيعية أو بمواجهات القتال.. غير مدركين أن العلاقات الإنسانية وأخلاقيات المجتمع اليمني دينياً وقبلياً، لا تحول دون ذلك حتى بين الأعداء والخصوم؛ لأن من شيم الفرسان والأبطال عدم التشفي في العدو.. فما بالك إن كان الأمر مع أصدقاء وإخوة فرقت بينهم نوائب الدهر ومدلهمات الزمن.. كما هو عليه اليوم مع الراحل معين مجلي.. الذي هناك، بلا شك، عشرات من أصدقائه ومعارفه وزملائه من أبناء صعدة وغيرها ممن في الطرف الآخر.. حزينون عليه وتنتابهم مشاعر متباينة قد تحول بينهم وبين التعبير عما يجيش بخواطرهم ويخالج أنفسهم حد تنكر كثيرين لمعرفته وتهرب آخرين حتى عن الترحم عليه لأسباب وحسابات ومحاذير يفترض أن تتلاشى هناك أو هناك ومع أنصار وأتباع أي طرف.. خاصة في مصاب بحجم الموت باعتباره أكبر واعظاً وعنده ومعه تنتهي الحزازات والضغائن، مهما كانت، تجاه الراحلين من الأصدقاء المنقسمين في جبهتين. عرفت معين وهو في الثانوية.. شاباً يافعاً مندفعاً للحياة بطموح كبير.. في صعدة وصنعاء جمعتني به لقاءات كثيرة، لمست فيها توثبه للنجاح وترك بصمات خاصة به في محيط حياته.. كنت ألاحظ اعتداده بنفسه حين يكون وسط الناس كأي قائد يتطلع لتحقيق مكانة رفيعة في المجتمع. دارت الأيام والسنون بأحداثها العاصفة ومتغيراتها المتقلبة ولم أعد أسمع عن معين إلا بعض ما ينقل من لمام الأخبار في زحمة الأحداث المتفاقمة على الساحة المحلية.. حروب واقتتال وصراع لا يكف عن الدوران.. لكني لم أتوقع لحظة أن يأتي الوقت الذي أكتب فيه رثاء الوداع للفندم معين في مثل هذه الظروف الاستثنائية وتداعيات هكذا مرحلة متداخلة التعقيدات للدرجة التي أصبح فيها تقديم واجب العزاء محط تفكير وجدل مسبق.. وهو ما لم يكن في الحسبان من قبل.. حينما كان اللوم وهو في عدم القيام بالواجب. وداعاً معين.. صديقي الرائع والبشوش..
رحمة الله عليك، ولآل مجلي خالص العزاء وأصدق المواساة.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ......... الأسيف/ عابد المهذري