من عجائب وغرائب الحياة السياسية في اليمن أن لا تكتفي الأحزاب والمكونات السياسية فيه بالإصابة بالأمراض ، بل أن تتحول هي نفسها إلى أمراض تنخر في جسد الوطن بدون رحمة وبلا هوادة ، تفتك به وتؤدي به إلى الهلاك الحتمي إذا لم يستشعر الجميع خطورة هذه الأمراض ويسارعوا إلى شفاء الوطن منها أو على الأقل الحد من إنتشارها قبل أن تقضي على الجسد اليمني بأكمله . فلو نظرنا إلى الوضع السياسي وإلى الأحزاب والمكونات السياسية بعين طبية وأخضعناها للفحص التشخيصي لوجدنا معظمها إن لم تكن كلها قد اكتسبت خصائص الأمراض الحقيقية وفعلها وتأثيرها وتستحق أن نطلق عليها أسماء تلك الأمراض عوضاً عن أسمائها الحقيقة وسنجد حزب " تليف الكبد " وحزب "الفشل الكلوي " وحزب " عمى الألوان " وحزب " قرحة المعدة " وحزب " رمد العيون " وحزب " نقص المناعة " وحزب " تآكل العظام " وهلم جر ، ولكن أخطرها وأشدها فتكاً هو حزب " السرطان - الورم الخبيث " فهو كالمرض الحقيقي ينتشر في الجسم يقتل ويفتك وينهي كل ما سواه ، تحركه غريزة الإستيلاء والإستحواذ والإستفراد والإلغاء غير آبه وغير واع بأنه إذا ما نجح في قتل كل مكونات الجسد فذلك يعني الموت وعندها لن يجد ما يعيش عليه فيطاله الموت هو أيضاً ، وها نحن نجد حزب "السرطان " هذا يعمل بكد وجهد ليلاً ونهاراً على الفتك بالجميع واهماً أنه سيستحوذ على الوطن ويتملكه بقتل الآخرين ، وذلك بإحتلال أماكنهم بغية تغييبهم عن كامل الوجود المؤسساتي وعن الوجود المذهبي بل حتى عن كافة مظاهر الحياة وأوجهها فهو ينهش في كيان الدولة وينقض على كل مكوناته السياسية والعسكرية والقضائية والإدارية والتعليمية والمالية والإعلامية إضافة إلى مكونات المجتمع الفكرية والمذهبية والعقائدية والإجتماعية ، طامحا إلى مجاراة إخوانه الذين وصلوا إلى السلطة في بعض الدول ، مستغلاً ضعف المكونات السياسية الأخرى ومستقوياً ببعض المكونات العسكرية والأمنية والقبلية وبالمال السياسي وبعلاقاته مع بعض مفاصل القرار السياسي خاصة مع حاجة بعضها إليه في مواجهة عنتريات رموز وبعض قيادات حزب " تليف الكبد " . أن هذان الحزبان إذا لم يخضعا للعلاج بكافة الوسائل فإنهما سيقودان البلد حتماً الى الموت المحقق . ولأننا نعلم وندرك أن أغلبية أعضاء هذين الحزبين لم يصبحوا ولم يكونوا أصلاً لا خلايا كبدية متليفة ولا بؤراً سرطانية ، فإنه على الجميع بمن فيهم العقلاء والحكماء من أعضاء هذين الحزبين أن يدركوا أنه إذا لم تتم معالجة هذين " المرضين " فإن الكارثة واقعة لا محالة ، والمعالجة الطبية المعروفة لدى الجميع ، أطباءاً ومرضى ، لهذين المرضين هو الإستئصال فبالنسبة لمرض التليف الكبدي فالعلاج هو بإستئصال الخلية المتليفة من الكبد وزرع خلية كبدية سليمة محلها ، وبالنسبة لمرض السرطان فيكون بإستئصال البؤر السرطانية ، والحقيقة الصعبة والمرة أن علاج هذين "المرضين " لن يتحقق ولن يكون ناجعاً وبأقل الخسائر الممكنة إلا إذا أشترك فيه الجميع بما فيهم العقلاء من الحزبين والذي يفترض أن يكون دافعهم لذلك هو الوطنية الصادقة والوعي السياسي والإحساس بالمسئولية وإدراك الأخطار والأهوال التي حتما يدركها ويستشفها الجميع ، فباشتراك هؤلاء مع الآخرين يمكن تجنب محاولات إجراء عمليات إستئصال قسرية قد يعتبرها البعض في لحظة إنفلات سياسي وأمني العلاج الوحيد ، ولكنها ستؤدي حسب منطق العقل ومنطق التأريخ إلى إنهيار تام وسقوط في حقول الموت ، وللإيضاح فإني بما كتبت هنا لا أدعو مطلقاً إلى إلغاء أو إجتثاث هذين الحزبين فهذا مناف لما أطالب به وما يطالب به كل التواقين للحرية والعدالة والكرامة والمساواة من إتاحة المجال للجميع لممارسة كافة حقوقهم الدستورية في كل المجالات وعدم أحقية أحد في إلغاء أي أحد أو تحييده أو شطبه ، ولكني أدعو وأكرر وأكرر أن دعوتي هنا هي لمعالجة الأضرار والأمراض التي تعصف بحياتنا وبمستقبل الوطن كما تعصف بهذين الحزين وأني أتمنى صادقاً من أجلنا جميعا - هم ونحن - أن يتعافيا وتتعافى باقي الأحزاب والمكونات السياسية من أمراضها ليعمل الجميع في خدمة الوطن والمواطنين بالشكل السليم عملاً بمبادئ الديمقراطية والحرية والكرامة بما يحفظ للجميع حقوقهم ويحقق آمالهم وطموحهم .