عجبت من عاشق السلطة وطالبها كيف لا يعتبر من قصص من سبقوه ولا يتأمل في نصح من صدقوه ، فيمضي في حياته كالمسافر في سود الليالي ، لا قمراً ينير له موطأه ولا نجماً يهديه إلى مقصده ، فلا يرى الحفر والجحور ، والمهالك والشرور ، يمضي مسرع الخطى قد أصابه الطمع بالعمى ، لا ديناً يردعه فقد نسيه ، ولا خلقاً يُلزمُه فقد خلعه ، يبرر لنفسه أهواء نفسه ، شدته الدنيا بنسيج زخرفها ، وأعمته ببريق ذهبها ، يزرع في طريق مبتغاه الفتن بالحيل ، ويدفع اصحابه إلى الزلل ، هو فريد زمانه وعنوان بلاده ، مغرور لا يسمع إلا صوته ولا يرى إلا وجهه ، يسفك الدماء ويشتري العبيد والإماء ، ينفق كما يشاء ومتى يشاء ولمن يشاء ولكنه لا يتصدق ، يتلو الخطب ويلقي النصح ويؤلف الدواوين ولكنه كاذب يتشدق ، كاذب في القول ، ناقض للوعد ، خائن للأمانة ، يصرخ انا من خلق أسمى ، أنا الأذكى ، أنا الأدهى ، أنا ربكم الأعلى ،يسفك الدماء ويشتري العبيد والإماء ، البسملة في صلاتهم من ألقابه ، والتسبيح لا يكون إلا بأوصافه ، والصلاة لا تصح إلا في ديوانه ،هو في بداية حكمه إنسانا عريقاً ، لينتهي كما فرعون - في اليم - إلهاً غريقاً ، بلا رفيق ولا أنيس ولا صاحب ولا جليس ، منبوذ في دنياه وإن استمهلت ومبغوض في ذكراه وإن استبطأت ، ويله ما أشقاه .