هل بدأت موريتانيا حربا ضد القاعدة بالوكالة عن فرنسا ؟ .. بات هذا التساؤل يتردد بقوة مع الإعلان يوم الخميس الموافق 22 يوليو / تموز عن العملية العسكرية الموريتانية المفاجئة داخل أراضي دولة مالي المجاورة وما أعقبها من جدل واسع داخل باريس ونواكشوط خاصة بعد مقتل الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو. وكانت السلطات الموريتانية كشفت عن مقتل وإصابة عدد من المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي خلال هجوم شنته القوات الموريتانية على موقع تابع لتنظيم القاعدة في منطقة صحراوية في 22 يوليو . ورغم أن السلطات الموريتانية بررت الهجوم بأنه جاء في إطار إحباط عملية متوقعة للقاعدة ضد قاعدة عسكرية موريتانية ، إلا أنه سرعان ما كشفت تقارير صحفية غربية أن العملية تمت داخل أراضي مالي المجاورة وشاركت فيها قوات فرنسية لتحرير الرهينة ميشيل جرمانو الذي كانت تحتجزه عناصر من القاعدة منذ شهور . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، بل إن أبو مصعب عبد الودود أمير تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي خرج على الملأ في 25 يوليو ليعلن مقتل الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو "78 عاما " انتقاما لمقتل ستة من القاعدة في العملية العسكرية التي شنها الجيش الموريتاني بمساعدة قوات فرنسية ضد موقع للقاعدة في مالي . ووصف عبد الودود في تسجيل صوتي بثته قناة "الجزيرة " العملية العسكرية بالدنيئة ، قائلا :" إن الرئيس الفرنسي عجز عن أن يحرر مواطنه بهذه العملية الفاشلة ، لكنه فتح على نفسه وشعبه أحد أبواب جهنم". وبعد ساعات من بث التسجيل الصوتي السابق ، عقد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مؤتمرا صحفيا أكد خلاله مقتل جيرمانو الذي تم اختطافه في النيجر في إبريل/ نيسان الماضي ، واصفا مقتله بأنه "همجي ومهول" . وأضاف ساركوزي " إن قوات الكوماندوز الفرنسية التي تدعم القوات الموريتانية حاولت إنقاذ ميشيل جرمانو المهندس الفرنسي المتقاعد والبالغ من العمر 78 عاما إلا أنها لم تعثر عليه في معسكر صحراوي في مالي عندما اشتبكت مع أفراد القاعدة ". وتابع " أدين هذا العمل الوحشي ، هذا العمل البغيض الذي أودى بحياة ضحية بريئة ، مقتله يجب ألا يضعف اصرارنا بل يقويه ، حادثة مقتل الرهينة الفرنسي لن تمر دون عقاب". واختتم الرئيس الفرنسي قائلا : "طلبت من وزير الخارجية برنار كوشنير التوجه إلى ماليوالنيجروموريتانيا للبحث مع السلطات المحلية وسفرائنا في التدابير الأمنية التي ينبغي اتخاذها من أجل رعايانا ، يجب على المواطنين الفرنسيين تفادي السفر إلى تلك الدول ". مأزق ساركوزي الرهينة الفرنسي ميشيل جرمانو ورغم أن ساركوزي تعهد بالانتقام لمقتل جيرمانو ، إلا أن هذا لم يمنع تصاعد حدة الانتقادات الداخلية الموجهة له ليس فقط بسبب فشل العملية العسكرية وإنما لأنها بدت أيضا وكأنها عملية متهورة وغير مدروسة العواقب . هذا بالإضافة إلى أن العملية أظهرت بوضوح ضعف المعلومات الاستخبارية الفرنسية حول تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، فمعروف أن جيرمانو وهو مهندس فرنسي متقاعد كان يعمل مع منظمة مساعدات عندما اختطف في النيجر في إبريل/نيسان الماضي وكان يعتقد بأنه محتجز في صحراء مالي من قبل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ، ولذا سارعت القوات الموريتانية بمساعدة قوات فرنسية لتحريره قبل يومين من انتهاء المهلة التي حددتها القاعدة لإعدامه في 26 يوليو ، حيث كان التنظيم هدد في 11 يوليو بقتله خلال أسبوعين ما لم تقم فرنسا بإطلاق سراح معتقلين من القاعدة في سجونها. ولعل ما ضاعف من حدة الانتقادات الداخلية لساركوزي أنه تجاهل أيضا ما حدث مع رهينة بريطاني كانت أعدمته القاعدة العام الماضي ولجأ للعمل العسكري بدلا من التركيز على المفاوضات لآخر لحظة . فساركوزي كان يعلم أن جرمانو الذي كان يبني مدرسة متطوعا لقبائل الطوارق البدوية وقع في يد عبد الحميد أبو زيد زعيم المجموعة الأكثر تشددا بين مجموعتين لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي تعملان في منطقة الصحراء الكبرى وقتلت الرهينة البريطاني أدوين داير العام الماضي بعد أن رفضت بريطانيا الإذعان لمطالبها . وبصفة عامة ، فإن فضيحة "عملية مالي" ستضاف إلى سلسلة من الفضائح الأخلاقية التي تطارد ساركوزي وتهدد بقوة فرصه في الفوز بولاية جديدة . تصريحات متناقضة عناصر القاعدة في المغرب الإسلامي وبالنسبة لموريتانيا ، فإن "عملية مالي" وضعت أيضا الرئيس محمد ولد عبد في مأزق كبير ، خاصة في ظل الارتباك وتناقض التصريحات التي أدلى بها المسئولون الموريتانيون حول العملية . ففي البداية ، أعلن مصدر بوزارة الداخلية الموريتانية إن الجيش الموريتاني قام بعملية ناجحة ضد قاعدة عسكرية لتنظيم القاعدة في منطقة باسكنو بأقصى الشرق الموريتاني أسفرت عن مصرع ستة من التنظيم ، كما أعلن وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد ابيليل أن العملية التي نفذتها وحدات خاصة من الجيش الموريتاني وأسفرت عن قتل ستة من عناصر القاعدة وفرار أربعة أحدهم جريح. ونفى ولد ابيليل أن يكون هدف العملية هو تحرير الرهينة الفرنسي المعتقل لدى القاعدة ميشيل جرمانو أو تكون العملية جاءت كصفقة بين باريس ونواكشوط تعترف الأولى بحكومة موريتانيا وتقوم الثانية بتوجيه ضربات لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي . وأضاف أن التعاون مع الجانب الفرنسي اقتصر على الجوانب الاستخباراتية والمعلوماتية وأن التنفيذ كان من جانب الجيش الموريتاني بمفرده وهو ما يتناقض بوضوح مع تصريحات ساركوزي عقب مقتل جرمانو . هذا بجانب أن المعارضة الموريتانية انتقدت بشدة قيام الحكومة بتوريط الجيش في عملية عسكرية لتحرير الرهينة الفرنسي في مالي . ورغم حديث البعض عن وجود صفقة بين باريس ونواكشوط ، إلا أن هذا من وجهة نظر المعارضة لا يبرر التضحية بأرواح الجنود أو شن حرب بالوكالة عن فرنسا . صحيح أن القاعدة قامت في السنوات الأخيرة باختطاف سياح أجانب داخل موريتانيا وخاضت مواجهات مع جيشها إلا أن أغلب الموريتانيين يجمعون على أن المعركة مع القاعدة يجب أن تظل داخل حدودهم ولحماية أمنهم وعدم جر بلادهم لمواجهات خارج حدودها ، هذا بجانب أن هناك من يرى أن التصدي للقاعدة يقوم بالأساس على حل المشكلات الداخلية وخاصة الاقتصادية منها . ويبقى الأمر الأهم وهو أن اعتراف فرنسا بحكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا يكفي لحل الأزمة السياسية في موريتانيا ومع العالم الخارجي ، فمنذ الانقلاب الذي وقع في 6 من أغسطس/آب 2008 وقاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز وأطاح بحكم الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وموريتانيا تواجه ما يشبه العزلة الدولية بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي عقوبات عليها ، ولذا لا بديل عن الحوار بين حكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعارضيه للتوصل إلى أرضية مشتركة حول كيفية إدارة البلاد والتخلص من العقوبات بعيدا عن توريط الجيش الموريتاني في حروب بالوكالة أو مغامرات عسكرية خارج بلاده . محيط