فيما وصف بأنه تدخل سافر في الشئون الداخلية لبلد مستقل وعضو في الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، شنت الولاياتالمتحدة هجوما عنيفا ضد نظام الرئيس السوداني عمر حسن البشير وذلك على خلفية الاستفتاء المقرر إجراؤه في جنوب السودان بعد حوالي 4 شهور والذي من المتوقع ان يسفر عن انفصال الجنوب عن الشمال. وقالت مصادر أمريكية أمس إن الولاياتالمتحدة ربما تتدخل في السودان، إذا عادت الحرب إلى جنوبه، في إطار السياسة الأمريكية العالمية والحرب ضد الإرهاب. واضافت إن الوضع في جنوب السودان قد يؤثر على الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، كما قد يؤثر على أسواق النفط. وحذرت المصادر، الرئيس السوداني عمر البشير، من عرقلة إجراء الاستفتاء المقرر له يناير/كانون الثاني المقبل في جنوب السودان. ونقلت صحيفة "كريستيان سيانس مونيتور" الأمريكية، عن خبراء في الشأن السوداني، قولهم إن تأخير الاستفتاء أو عرقلته، من قبل الحكومة السودانية سيؤدي إلى عودة الحرب الأهلية، مشيرة إلى أن "البشير والصفوة المروجة للحرب التي تحيط به مستعدون للحرب". ودعت الصحيفة الرئيس باراك أوباما لإجراء اتصالات مع حكومة الصين للضغط على الرئيس البشير ليضمن إجراء استفتاء حر ونزيه. وقالت إن الاستفتاء سيكون "اختبارا حقيقيا" لسياسة أوباما نحو السودان. وقالت الصحيفة إن "قادة السودان عمليون، وإذا ساهم أوباما مساهمة مباشرة في وضع سياسة السودان، وإذا قدم إغراءات مناسبة، يقدر على كسب قادة السودان". وأشارت إلى أن فوز أوباما بجائزة نوبل للسلام السنة الماضية "كان مفاجأة له قبل غيره". لهذا، يقدر على أن يبرهن على أنه يستحق الجائزة إذا منع عودة الحرب إلى السودان. وشجعت الصحيفة أوباما ليسلك "طريق الإغراءات، لا طريق العقوبات في هذا الوقت الحرج". وقالت إن هذا "يتماشى مع طبيعة أوباما في تفضيل الجزرة على العصا، وفي استعمال الوسائل الدبلوماسية والإغراءات أكثر من الضغوط والتهديدات". يأتي هذا في الوقت الذي قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، إن ،سكوت جريشن، الموفد الخاص للرئيس باراك أوباما كان ذكر بأهداف الولاياتالمتحدة خلال محادثاته الجارية في الخرطوم وجوبا، كبرى مدن جنوب السودان. ونقلت صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية الصادرة في لندن عن البيان، أن جريشن "حذر بوضوح شديد من أنه ستكون هناك سلسلة من التداعيات إذا تدهور الوضع في السودان أو لم يتم إحراز تقدم، بينها فرض عقوبات إضافية". وتابع بيان الدبلوماسية الأمريكية: "قبل أقل من 115 يوما على الاستفتاء حول انفصال الجنوب.. دخل السودان في مرحلة دقيقة. على القادة السياسيين في السودان أن يختاروا بين التسوية والمواجهة، بين الحرب والسلام". إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو سيشارك الجمعة في جلسة استماع لكتلة النواب السود بالكونجرس الأمريكي، التي يخاطبها النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت. وأكدت المصادر وقوف النواب السود إلى جانب قيام استفتاء سكان جنوب السودان في موعده ودعم خيار الجنوبيين بما في ذلك خيار الانفصال عن الشمال، بالإضافة إلى الضغط على المجتمع الدولي لتصعيد قضية جرائم حرب إقليم دارفور المضطرب والضغط على الرئيس السوداني عمر البشير الذي توجه له المحكمة تهما بارتكاب إبادة جماعية. إلى ذلك، شرعت حكومة جنوب السودان في ترتيبات عملية لإعادة مليون ونصف من السودانيين الجنوبيين في الشمال وفي مصر، إلى الجنوب للمشاركة في الاستفتاء. وأكد منسق العودة الطوعية للجنوبيين السودانيين كور ماج شول أن السلطات في الجنوب شرعت في الترتيبات ووضع اللمسات الأخيرة لاستقبال الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال وفي مصر. وأشار إلى أن حكومة الجنوب بالتعاون مع الشركاء الدوليين وحكومة الوحدة الوطنية ستقوم بتخصيص مناطق استقبال "معسكرات" للعائدين لمدة 3 أشهر في مدينتي واو وجوبا، وأضاف أن منظمة الغذاء العالمي تعهدت بتوفير الغذاء للعائدين طيلة هذه الفترة على أن يتم العمل على إعادة توطينهم بعد ذلك في مناطقهم الأصلية. الجيش يحذر في غضون ذلك، حذرت القوات المسلحة السودانية من تنافر سياسي واجتماعي بين الشمال والجنوب سيشكل وقودا للحرب في حال الانفصال، واعتبرت الحركة الشعبية اجتماع نيويورك فرصة للوصول لخارطة طريق للاستفتاء، وهددت بتشكيل تحالف وطني جديد ضد "المؤتمر الوطني" في حال عدم إجراء الاستفتاء، التي بدأت بعثة الأممالمتحدة في الجنوب تدريب الشرطة على مهارات تأمينه . ونقلت صحيفة "الخليج" الاماراتية عن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، المقدم الصوارمي خالد سعد: "إن المشاكل القبلية وانشقاق الحركات تدعو للوحدة وتؤكد أن الجنوب لن يستقر منفصلاً". وتابع "أن الشمال منذ الاستقلال ظل يعمل على إخماد الحروب القبلية ولن تستطيع دولة وليدة القيام بذلك"، مؤكداً أن إجراء الاستفتاء في ظل تلك الظروف يتطلب إبعاد الحركة الشعبية عن كافة صناديق الاقتراع وتسليمها لجهات محايدة مع رقابة مشتركة قوية ونزيهة. وأضاف أن الجنوب بوضعه الحالي مهيأ لقيام استفتاء حر ونزيه يفضي إلى نتائج حقيقية، إلا أن الحركة الشعبية غير مهيأة وتحتاج لمراجعة الكثير من سياساتها . وقال رئيس مفوضية الاستفتاء، إبراهيم خليل، إنّ السفير عثمان النجومي المرشح لمنصب الأمين العام للمفوضية بدأ مزاولة مهامه، وأضاف أنّ اعتماده أصبح مسألة إجرائية، وتَوَقّع صدور قرار من رئاسة الجمهورية باعتماد النجومي رسمياً في اليومين المقبلين، وأشار إلى أن المفوضية انخرطت في اجتماعات مُكَثّفة تَوطئةً للبداية الفعلية لعملية الاستفتاء . الانفصال قادم لا محالة باقان اموم كان الأمين العام للحركة الشعبية، وزير السلام في حكومة الجنوب، باقان أموم، شن في تصريحات سابقة له، هجوما عنيفا ضد حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة الرئيس عمر البشير، ووصفه بأنه "حزب اعتاد نقض المواثيق والعهود"، متهماً إياه ب "دعم ميليشيات مسلحة، والدفع بها لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة أبيي وكل ولايات جنوب السودان". وكشف أن "الحركة تلقت وعوداً من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، للاعتراف بدولة الجنوب الجديدة في حال اختار شعب الجنوب الانفصال، بالإضافة إلى تأكيد إجراء استفتاء لحق تقرير مصير جنوب السودان في الموعد المحدد له في التاسع من يناير من العام المقبل". وأشار أموم إلى أن الحركة الشعبية طالبت الولاياتالمتحدة الأميركية بدعم الدولتين الوليدتين في الشمال والجنوب في حال الانفصال، لافتاً إلى أن "الوحدة مستحيلة في ظل بقاء نظام البشير على سدة الحكم، بسبب مشروع الحركة الإسلامية السودانية القائم على الإقصاء والعنصرية وعدم الاعتراف بالآخر". وقال أموم إن شريكي الحكم في السودان وصلا إلى طريق مسدود بشأن الاتفاق على مفوضية استفتاء منطقة أبيي الحدودية بين الشمال والجنوب، "نظراً إلى تراجع" حزب "المؤتمر الوطني" عن الاتفاق المبدئي بينهما، الذي نص على أن يختار "المؤتمر الوطني" لجنة مفوضية استفتاء الجنوب، وأن تختار "الحركة الشعبية" لجنة مفوضية استفتاء أبيي. وأكد ، أن قطار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه قد ولى.. ولم تبق قطرة أمل واحدة لوحدة السودان، "إلا إذا قام المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير باحتلال الجنوب عسكريا.. وبالتالي فلن تكون وحدة.. وإنما احتلال". وهدد اموم بالعودة إلى الحرب مجددا في حالة تأجيل الاستفتاء، والذي يعتبر بمثابة دعوة لنقض اتفاقية السلام. كما أشار إلى أن عرقلة الاستفتاء أو محاولة إلغائه ستؤدي أيضا إلى أن يقوم برلمان الجنوب باتخاذ قرارات وخيارات أخرى بديلة. وقال ان المسؤولين الأمريكيين وسفراء الدول الكبرى في مجلس الأمن وعدوه بالاعتراف الفوري بدولة الجنوب، إذا اختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء على تقرير المصير المقرر مطلع العام المقبل. واضاف إن الجنوبيين، يرون أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، فشل في أن يجعل الوحدة جذابة بالنسبة لهم، وإن ذلك يعني أن الجنوبيين سيختارون الاستقلال "شبح التقسيم" تقول تقارير إعلامية أنه من المتوقع على نطاق واسع أن يختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء لكن محللين حذروا من خطورة العودة إلى الصراع إذا عرقل الشمال الاقتراع أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة. وكانت دراسة للمعهد الوطني الديموقراطي ومقره الولاياتالمتحدة، كشفت في وقت سابق أن الغالبية الساحقة من السودانيين الجنوبيين ستصوت لصالح قيام دولة مستقلة في الجنوب في الاستفتاء المقرر إجراؤه عام 2011. ومن المقرر أن يقترع جنوب السودان المنتج للنفط في يناير عام 2011 على الانفصال، في استفتاء تحدد موعده في اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاماً، مع الشمال. وأقام اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. والى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين. في غضون ذلك، حذر سياسيون سودانيون من مخاطر محتملة إزاء انفصال الجنوب وحددوا عدداً من المكاسب التي يمكن أن تتحقق حال استمرار السودان موحداً عقب الاستفتاء المرتقب في 2011. ونبّه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. عوض الكرسني لإمكانية ظهور دولة في منطقة البحيرات في حالة انفصال الجنوب، إضافة إلى إرتفاع معدل الجريمة بظهور عصابات تتحول إلى قوى رديفة، مضيفاً أنّ القوى الدولية تلعب دوراً كبيراً في خيار الوحدة والانفصال. علاقات مع إسرائيل كان إيزكيل لول جاتكوث رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن، أكد في وقت سابق أن الدولة الجديدة المرتقب الإعلان عنها في جنوب السودان، ستقيم علاقات مع إسرائيل ما دام هناك علاقات دبلوماسية لعددٍ من الدول العربية معها، واضاف: "لن نكون ملكيين أكثر من الملك". وعبّر جاتكوث في حوار له مع موقع "تقرير واشنطن" الالكتروني، عن ثقته بأن سكان الجنوب سيصوّتون بنسبة "98%" لصالح الانفصال. وأضاف أن فكرة "السودان الموحد إنتهت بالنسبة للحركة الشعبية". وقال: "إنه في حال الانفصال، سيحتاج مواطن شمال السودان لتأشيرة دخول للجنوب والعكس. وأضاف: "هكذا أصلاً كان الوضع السائد إبان حكم البريطانيين". وأوضح أن الجنوب سيكون دولة ديمقراطية حرة علمانية، لن تسيطر فيها أية ديانة على الدولة الجديدة ولغتها الرسمية المعتمدة هي الانجليزية وربما تكون العربية اللغة الثانية أو الثالثة. وعبّر جاتكوث عن مخاوفه من تحول شمال السودان إلى دولة فاشلة، وقال: سنحاول مساعدته كي لا يصبح دولة كذلك، وزاد: "فالدول الفاشلة وتوتراتها تؤثر وتنتقل إلى جيرانها". واعتبر أن السنة المقبلة ستكون حَاسمة بشأن مستقبل البلاد، وأضاف أنه "في العام 2010م إما أن نعمرها أو نخربها"، مُشيراً إلى أنّ الاستفتاء قد يقود إلى الحرب إذا شعر المرء بما سماه الغش والخيانة.