في العد التنازلي يذهب الجميع بدون وعي إلى حافة شهر شعبان متجاوزين ما تبقى من مسافة في اتجاه ولوج شهر رمضان المبارك.. وهو يأتي هذه السنة والناس قد انشغلوا بين ساحات التغيير وتداعياتها القلقة المرتبطة بمناكفات الساسة ومهرجيهم الذين يقذفون حمم تصريحاتهم صباح.. مساء دون اكتراث بمعاناة الناس وهمومهم الحياتية اليومية.. فظلوا في دوامة الكهرباء والماء والبترول و الديزل والغذاء والكساء وكثير منهم قد زادهم الإيواء. رمضان يأتي ولا حديث للناس إلا عن هذه الأشياء.. الذي لا يضاهيها شيء سوى انعدام الأمن.. وهو بيت القصيد لكل ما هو مبتغى ومفيد. نتذكر.. في هذه المعمعة التي أنست الكثير قدومه.. رمضان زمان - على بساطة أهله - كيف يكون القدوم والاستقبال له من التشريف والتعظيم والدعاء والذكر والعبادة.. شهر كامل والجميع في حالة استعداد ديني ودنيوي لقدوم هذا الضيف الكريم.. لم يكن فينا صبيا ولا فتى ولا شابا أو شيخا أو كهلاً.. ذكرا كان أم أنثى إلا وله من الطقوس التي يحتفل بها طوال شهر شعبان لاستقباله... وتزداد وتيرة هذا الاستعداد مع انتصاف شعبان وهو ما يعرف عادة ب"الناصفية". ما نلمسه اليوم أن كل شيء قد تغير مع موجة "التغيير" التي تجتاح قيمنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا.. وأصبحت شعار يرسم ملامح مرحلة جديدة في حياتنا.. لكن السؤال هنا الذي ينبغي أن يسأل.. أي تغيير ننشده وفي أي اتجاه نسلك..؟! كل الأمور تنذرنا بالتخبط.. لكن ماهو واقع وحقيقة من هذه القراءة لما نحن فيه هو أن الأمور تتجه نحو الهاوية.. وعلامات الكارثة يراها الكل في الأفق.. فهل أفقنا نحن من غيبوبتنا !. لم يتبق على هلال رمضان إلا بعض أيام.. ونحن في سكرة الديزل ودوامة البترول الخالي من الرصاص.. في الوقت الذي فيه الرصاص هو لغة المتصارعين على كراسي الحكم ويقتل به الأبرياء في مساكنهم غير عابهين بحرمات هذه البيوت وبدماء ساكنيها. في هذا الجو المكفهر, والملبد بغيوم الموت, وروائح البارود.. يدخل علينا هذا الشهر المبارك العظيم الذي نتمنى على الجميع مراعاة حرمته وقدسيته والاستفادة من روحانيته لجعله محطة تأمل لما نحن فيه..علنا نعود إلى جادة الصواب.. وبدلا من المطالبة برفض البترول الخالي من الرصاص خوفا على الجيوب من لهيب سعره - وهو أمر مشروع - نتداعى لجعل رمضان خالي من الرصاص فهو شهر الرحمة. ندعو الله أن يبلغنا جميعا هذا الشهر وان يجنبنا فيه كل مكروه ويفرج عنا جميع الكرب وشهركم مبارك.. وكل سنة وانتم بالخير تنعمون.