الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني بالصورة التي تم بها في 17 الجاري أثار الكثير من الملاحظات والتحفظات لدى عدد كبير من الجنوبيين وغيرهم . ومع ذلك فضل معظمهم التريث وتجنب ردود الفعل الفورية والتعامل مع الموضوع بهدوء وموضوعية حتى لا تنجر قوى الثورة إلى سجالات ليس هذا وقتها . وعندما صدر بيان ال (23) (الى جانب بيانات فردية أخرى) وجدنا فيه ترجمة موضوعية هادئة لموقف الأغلبية الساحقة من الجنوبيين وكنا نتوقع أن يقابل بالمثل . ولكننا فوجئنا ،في الأيام التي تلت، بعدد من الكتابات والتصريحات التي تستهدف القيادات الجنوبية الموقعة على البيان وتستكثر على الجنوبيين أن يكون لهم رأي في مايجري وكأن الأمر لايعنيهم . ولذلك نجد أنفسنا مجبرين على مناقشة وتفنيد عدد من الآراء والأطروحات التي تضمنتها بعض هذه المقالات ومرة أخرى ، بكل هدوء وموضوعية: - في البدء ، يجب ان نلفت إلى أن البيان لم يسجل انسحاباً ولم يتضمن رفضاً مطلقاً للمجلس من حيث المبدأ. ولكنه بكل تأكيد أشار إلى عدد من التحفظات التنظيمية والسياسية وأكد على مبدأ الشراكة بين الشمال والجنوب. - هذه التحفظات لم تنبث من فراغ ، ولكنها وليدة تجربة ملموسة ومعاناة مازالت قائمة . ويقول المثل الحضرمي (دخل عيف وخرج زين) وهي حكمة لم يتم الأخذ بها عند توقيع الوحدة الاندماجية الفورية ، الأمر الذي أوصلنا إلى مانحن فيه اليوم . - ورغم أن الوحدة الاندماجية الفورية كانت مجحفة بحق الجنوبيين (لأسباب عديدة لاتتسع لها هذه العجالة) ، لم يقنع بها الطرف الآخر وكان يريد المزيد فانقلب عن هذه الوحدة غير المتكافئة عام 94م وحول الجنوب إلى ساحة مستباحة وحول الجنوبيين إلى مشردين ، فقراء (رغم غناهم) غرباء عن وطنهم. - بعد أن استنفذ الجنوبيون كل الخيارات المتاحة للحل تحت سقف الوحدة ، خرجوا إلى الشارع ينشدون الخلاص وفك الارتباط . - ولكن عندما انطلقت الثورة الشبابية الشعبية انخرطوا فيها تحت شعار إسقاط النظام من أجل حل القضية الجنوبية وأبدو الكثير من المرونة من أجل إتاحة الفرصة الأخيرة لإعادة صياغة الوحدة (في ظل الثورة) على أساس الفيدرالية الثنائية (شمال وجنوب) . والفيدرالية ،كما نعلم ، ليست بدعة وليست ضلالة وهناك أكثر من 80 دولة فيدرالية عضو في الأممالمتحدة. - حالة الثورة اليمنية حالة مركّبه تتداخل فيها الثورة والوحدة والدولة . بمعنى أن المطلوب انجاز مهام الثورة ،وإعادة صياغة الوحدة ،وبناء الدولة . وبالتالي فنحن بحاجة إلى صياغة عقد اجتماعي جديد . ومن هنا جاءت المطالبة بالشراكة وال 50%. وبعد ذلك لكل حادث حديث . أما البناء على الباطل فلن ينتج إلا المزيد من الباطل. - الإلحاح على معيار السكان وتجاهل المعايير الأخرى فنستغرب أن يصدر عن بعض الأقلام التي تكتب من بعض دول الغرب بما فيها الولاياتالمتحدة (الدولة الفيدرالية) وغيرها . - في مقال للعبد لله تكرمت بنشره صحيفة الأيام (الله يذكرها بالخير) قبل سنوات ، ورد مامعناه: أن حجم المساهمة في أي شركة أو شراكه لايحتسب بعدد أفراد الأسرة وإنما يحتسب بمقدار المساهمة الفعلية في رأسمال الشركة . وعلى من يشعر بالاهانة عندما يذكر معيار السكان ، ان يتذكر أن للآخرين معاييرهم . - والمواطنة المتساوية تتحقق عندما تؤخذ كل المعايير في الاعتبار . والمواطنة المتساوية لاتعنى أن (حقّي .. حقّي ، وحقّك .. حقّك وحقّي) !! - لا احد يتحدث عن محافظات ، لا في البيان ولاخارجه. والجنوبيون يتحدثون عن الجنوب بحدود عام 90م بما في ذلك حضرموت وشبوة . كما يتحدثون عن الشمال بحدود عام 90 بما في ذلك مأرب . ونستغرب أن يستعير البعض أطروحات النظام ومحاولاته البائسة لتكريس سياسة فرق تسد ونجاحه في الأزمات . أما حضرموت فيكفيها أنها في كل منعطف تاريخي تفاجئ الجميع بأنها الأكثر وحدودية (وعلينا أن نتمعن قراءة التاريخ من 67م مروراً بعام 90م حتى اليوم). - أعظم خدمة يمكن أن تقدم للنظام هي التماهي مع سياساته سواء تجاه الجنوب أو اتجاه الوطن بشكل عام. ولعل من اللافت أن يرفع البعض ،وفي ظل الثورة، شعار (التضحية بالثورة من أجل الوحدة)!! ألا يذكر هذا بشعار (الوحدة أو الموت) الذي يحتفظ النظام بحق ملكيته الفكرية! . - علينا الاعتراف بأن هناك الكثير من المصالح غير المشروعة التي ترتبت على سياسات نظام علي عبدالله صالح وممارساته في الجنوب . ويبدو ،اليوم، أن من بين قوى الثورة من يريد ذهاب النظام وبقاء هذا المصالح وفي ذات الوقت ينكرون على الجنوبيين انحيازهم لمصالح أهلهم المشروعة فالمصالح هي مربط الفرس ، والمسألة لاتحتمل المزيد من الشعارات أو الرومانسية الوحدوية المزعومة .!! - نعم ،النفط ثروة، وكذلك الأرض والبحر ... الخ ولكن الإنسان هو أعظم ثروة ! أين المشكلة إذن؟؟ ولعلي أذكّر ،هنا، بكلام قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عندما زار اليمن حيث قال مامعناه : لاتراهنوا على النفط ، فعندكم مصادر ثروة عظيمة لاتنضب . وتكفيكم السياحة إذا أمنتم الشروط اللازمة لازدهارها . - إسقاط النظام لم يكن يوماً هدفاً لذاته ولكنه وسيلة لبناء دولة جديدة وحياة جديدة للشمال والجنوب . - أما شعار النضال من داخل المجلس فيذكرنا بكلام مماثل سمعناه كثيراً وفي أكثر من سياق ( على غرار: النضال من داخل المؤتمر ، أو النضال من داخل الحكومة أو مجلس النواب ....) فالنضال من الداخل لايتحقق إلا في ظل مؤسسات دستورية حقيقية لايديرها أفراد أو تديرها مؤسسات موازية (مشفّره) . - الجنوبيين لايريدون إلاّ حقهم الشرعي لا أكثر ولا أقل لايريدون 80% كما لا يريدون 40% . - هناك أشارة هامة وردت في البيان وأكدتها الوقائع فيما بعد ومع ذلك تجاهلها معظم الكتاب . وهي أن الطريقة التي تشكل بها المجلس الوطني لم تتجاوز الجنوبيين وحدهم . ولكنها كذلك تجاوزت الحوثيين وقطاعات واسعة من شباب الثورة . وهذه هي قوى الثورة الأساسية . الا يبعث هذا على الاستغراب والتساؤل؟ - كما نتساءل في الختام ، هل يتجاوز الجنوبيين حدودهم عندما يطالبون بالشراكة؟! ولهؤلاء الكتاب نقول ، وبكل احترام ، ماقاله جون كينيدي ذات يوم وإن بتصريف : علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا للوحدة ؟ قبل أن نزايد على الجنوبيين .. وباسم الوحدة ..