اغمضت "جميلة علي عبده" عينيها بعد 12 يوما قضتها في غرفة علاج حالات سوء التغذية بمستشفى الحديدة، ثم لف أقارب جميلة ابنة السبعة أعوام جثمانها النحيل في كفن وواروها الثرى وهم ينتحبون. تختصر حالة "جميلة" مشهد الطفولة والحياة بمحافظة الحديدة التي تموت من الحرب والفقر والمرض..حرب قادتها مليشيا الحوثي وصالح على حساب اقوات الفقراء، الذين صارت كسرة الخبز بالنسبة لهم حلما بعيد المنال. حالة من الأسى والحرمان والجوع، والمرض تنفث سمومها على سكان تهامة، وتفتك بأكثر من مليوني ونصف إنسان بالمحافظة السمراء "لا أحصل على الوجبة الضرورية التي تسد جوعي وجوع أطفالي"..هكذا بدأت امرأة موجوعة حديثها عن وضعها اليومي المشابه لآلاف الأسر التي شردتها الحرب في محافظة الحديدة. فاضت دموعها وهي تقول "للصحوة نت" عن حالها "عن أي وضع تسأليني؟ عن الجوع والمرض؟ .. عن الوضع الذي دفعني الى الرصيف للبحث عما يسد رمق الجوع لي ولأطفالي؟ أم عن العديد من الإهانات ونظرات الانتقاص التي نتلقاها من عيون البعض مقابل سؤالهم فتات خبز يابس؟ أم تريدين أن تسألي عن إخراجي من منزلي بسبب عجزي عن تسديد الإيجار مثل آلاف الذين أوصلهم الوضع الى مأساة كهذه. تضيف أم عاطف: نموت من الجوع والمرض بعد أن صار الرصيف المأوى الوحيد لنا بسبب حرب الحوثيين وسيطرتهم على الحديدة المنهوبة المظلومة منذ زمن طويل. تقول أم عاطف: أشعر بالعجز والقهر وأنا أرى أطفالي بجانبي يفترسهم الجوع والمرض يوما بعد يوم، ولا أعرف ماذا أفعل، ولا أفق يبدو قريباً لإنهاء هذا الوضع وهذه الحرب. المعاناة التي تعيشها ام عاطف ويعيشها ملايين اليمنيين عموماً وسكان تهامة خصوصاً، بدت أكثر وضوحا في جسد طفلها الصغير الملتوي في حضنها وهو يبكي من الجوع وحرارة الجو التي ترهق جسده الصغير في وقت الظهيرة، التي تزداد فيها حرارة الشمس في محافظة تغتال أجساد سكانها حرارة الجو ونيران الحرب. الحالة الاقتصادية والمادية لسكان هذه الجغرافيا فرضت عليهم العيش تحت خط الفقر، وعرضتهم لمجاعة مميتة. لم تقف صور الموت في محافظة الحديدة على صور الجوع والحرب فبسبب انقطاع الكهرباء عن المحافظة ودرجة الحرارة المرتفعة انتشرت الامراض الجلدية خاصة بين الأطفال وزادت حالات الوفيات ومرضى الفشل الكلوي، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار، وعجز المرضى عن توفير تكلفة المواصلات، في ظل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانعدامها بشكل رسمي، عدا الأسواق السوداء التي تشرف عليها المليشيات الحوثية. تقول الراصدة الحقوقسة مني الخولاني للصحوة نت "عندما نزلنا ميدانيا لشوارع المدنية، رأينا معاناة أبناء هذه المحافظة عن قرب، شاهدنا العديد من الأطفال يعانون من تفشي الأمراض الجلدية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن حمى الضنك ,والمجاعة وسوء التغذية ,وغيرها من الامراض المتفشية بالمحافظة المنكوبة. تضيف "يفترش الناس الأرصفة المجاورة لمنازلهم والمساحات الخالية، فيما لم يسلم بعض الشبان الذي اتجهوا لكورنيش المدينة المطلة على البحر من مضايقات واعتقالات المليشيات بدعوى "تجمعات مشبوهة". وتتابع " الناس في الحديدة وصل حالهم لوضع لا يمكن وصفه فالجوع والقتل والامراض قتلت الانسان هنا ".
فيما يقول المعلم أبو بكر": " زاد الظلم وحرمونا من المواد الإغاثية متناسين اننا بدون رواتب لشهور وفي وضع سيء". ويعلق آخر" مسلسل التجويع والترهيب بالمحافظة مستمر منذ الانقلاب، انتهاكات مستمرة قتل اختطاف تجويع جوع وتشرد والكل يغض الطرف عنها فموت أكثر من مليون ونصف من ابناءها لا يهمهم". ينتظر أهالي محافظة الحديدة، أملا قريبا ينقذهم من براثن الموت جوع، والحرب , والامراض حتى يمكن إنقاذ ما تبقي من أرواح تموت جوعاً ومرضا على الطرقات والارصفة، وبين جدران المنازل بصمت .