مائة عام على وعد الصليبي البريطاني الحاقد بلفور للمنظمة الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود . هذه النزعة الصليبية متجذرة في ذهنية النخب السياسية في الغرب . هذه النخب السياسية تمارس الخداع و التضليل و الحديث المسهب حول حقوق الإنسان و عن الحرية إلى حد ذرف الدموع في أحاديثها عن حقوق الإنسان ، بينما كل هذه الأحاديث في حقيقة الأمر ماهي إلا أكاذيب و خداع وتضليل ! حينما أعلن الشريف حسين الثورة العربية ضد الأتراك بالتحالف مع بريطانيا التي أقنعته بإعلانها مقابل أن تعمل معه جنبا إلى جنب لإعلان الدولة العربية المستقلة عن الأتراك و تحت قيادته ؛ كانت في الوقت نفسه تبرم مؤامرة القرن العشرين مع فرنسا كأكبر دولتين استعماريتين يومها ، وهو ما عرف باتفاقية سايكس بيكو ، التي كانت تنسف كل الوعود التي التزمت بها بريطانيا عبر ضابط استخباراتها الشهير ( لورنس العرب) الموفد من قبل الحكومة البريطانية لإنجاح المفاوضات مع الشريف حسين للوقوف معا ضد العثمانيين . أدى الشريف حسين ما عليه و أعلن الثورة و دخل الحرب مع بريطانيا ضد العثمانيين و كان لدخوله الحرب العامل الأكبر في دخول القوات البريطانية بلاد الشام كاملة . و في المقابل أدت بريطانيا - أيضا - ما التزمت به ؛ و لكن ليس ما التزمت به للشريف حسين ، و إنما ما التزمت به لفرنسا وفق اتفاقية سايكس بيكو - التي بدأت تتكشف واقعا، و تسرب إعلاميا من بعض الصحف المصرية حينها - و كذلك وفت بريطانيا بما التزمت به للصهاينة بإعلان وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين ! و كان ذلك الإعلان المشؤوم متزامنا مع دخول الجيش البريطاني بلاد الشام و مدينة القدس تحديدا حين أعلن يومها الجنرال اللنبي بحقد : ( الآن انتهت الحروب الصليبية) ! عمليا كانت قد مضت بحدود 800 عام على انتهاء الحروب الصليبية ، و لم يكن العرب والمسلمون يعلمون أن الذهنية الغربية ماتزال مسكونة بالحروب الصليبية . لم تكن عبارة : ( إنها حرب صليبية إذن ؟) التي أطلقها جورج بوش الإبن في أحداث 11 سبتمبر وقبل أن تظهر أي معلومة تشير إلى من يقف وراء الأحداث ؛ لم تكن العبارة عشوائية ، و لكنها مستدعاة من مخزون تلك الذهنية ، التي أكدها بوش نفسه في حربه الصليبية على العراق أن الله خاطبه بذلك و أمره بشن الحرب على العراق . و تأتي اليوم تيريزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية لتحتفل مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بالذكر المئوية لإعلان وعد بلفور و هي فخورة - كما زعمت - بتبني بريطانيا لذلك الإعلان !! لا يزال القوم مسكونين بالثقافة الصليبية ، التي يعمل جاهدا على تغطيتها بتهم الإرهاب و التخويف به، و اتخاذه كسلاح لحرب نفسية ؛ ليواري و يدفن جرائم ممتدة منذ أكثر من ألف عام ، هي تاريخ بدء الحروب الصليبية ، ناهيك عن ضحايا الحربين العالميتين فضلا عن جريمتي هيروشيما و نجازاكي كوصمتي إرهاب غير قابلتين للنسيان . و في مقابل ما تحتفظ به الذهنية الغربية من مخزون للسلوك الصليبي، ما يزال النظام العربي يتعامل بسذاجة ، و بثقة مهزوزة ومذعورا من تهم الكيد الكاذب، ومخدرا بالتضليل الغربي حتى اللحظة، و يواري كل أوراق قوته و حيويته ، هذا إذا لم يكن البعض يعمل بكل قوة ضدها في الأساس !