في كل صباحات رمضان وأنت تجوب شوارع وأحياء صنعاء ترى بشر متفاوتو الاعمار، نساء وأطفالا ورجالا وعجائز يبحثون في القمامات ونفايات البيوت عن لقمة العيش.. تستمر تلك الجموع الى حلول المساء للبحث المتواصل للبقاء على قيد الحياة.. أم كريم المرأة الخمسينية تنطلق من الفجر للبحث في القمامة المتراكمة في الازقة وبين الاحياء وتدفع ولديها اللذين لم يتجاوزا سن العاشرة للبحث في شارعين آخرين. تحاول ام كريم "تبرير التصاق القاذورات على كف يدها وذراعيها وتلك الرائحة النتنة التي تفوح من ملابسها بالقول "للصحوة نت" "هذه هي حياتنا بحثنا عن عمل بديل نعيش عليه بكرامة وبعيداً عن هذه المذلة لكننا لم نجد شيئاً"، وتضيف "اتجهنا إلى القمامة لنبحث عن أشياء نستطيع بيعها وأخرى يمكن ان نستفيد منها في حياتنا، ومسايرة اليوم على الأقل بلقمه واحدة ". وتشرح كيف تتوزع هي وزوجها وأبناءها وبناتها على ثلاثة مجاميع من الساعات الأولى للفجر للحصول على ما تتركه الاسر من النفايات، فنحن نجد كميات من المواد الغذائية والمعلبات التي لا نحلم بشرائها من المولات وكذلك ملابس مستعملة نظيفة، اكلنا ولبسنا من القمامة بعد ان فقد زوجي كل موارد العيش بعد حرب الحوثي على الشعب المسكين. ولا يتوقف الأمر على عائلة "ناجي" الشاب العشريني وأحد الباحثين في القمامة الذي يقول "أبدأ مع أخوتي الأربعة يومنا في البحث بحاويات القمامة منذ الصباح الباكر خاصة في رمضان قبل وصول سيارات البلدية، واخذ كل ما تلقيه الاسر في هذه القمامة ونعثر على أي شيء يديم حياتنا.
البحث ﻷجل البقاء.. حسين عبده، وهو معوّق من مقاتلي مليشيا الحوثي فقد قدميه في احد الجبهات في 2016 وتركته وعائلته المليشيا للجوع والبحث في براميل القمامة، ويعتمد في حركته على عربة قديمة يجر بها قطعة بلاستكية فيها النفايات، يشير إلى ساقه ويقول هل ترى هذا الثوب الذي أرتديه؟ لقد وجدته في براميل القمامة وهذا الحذاء الذي انتعله من بركات براميل القمامة أيضاً، فهذه الأشياء تستعيد أعمارها لدينا. ثم يعلق ساخرا "على الأقل بعدما رموني عيال المسيرة لقيت شغل بالقمامة انا وعيالي وزوحتي". ثم انطلق مبتعدا ووجهه يتلون قهرا وكمدا. في حيّ مدينة اللّيل الواقع في منطقة مذبح، يتناوب ثلاثة أطفال على تسلّق برميل القمامة، وفيما يتولى الأول عملية فتح الأكياس الممتلئة بالمخلّفات، يتولّى الثّاني فرز ما تبقّى من طعام في أكياس خصّص بعضها للخبز، فيما بعضها الآخر لبقايا الأرزّ، إن وجدت، أمّا الثالث فمهمّته تقتصر على جمع الخردوات والقيام ببيعها لتجار الخردة. يحاول محمد، وهو أكبر الأطفال الثلاثة، أن يخفي الأمر ويبرّر لجوئه إلى برميل القمامة للبحث عن بقايا طعام بإشباع الأغنام الجائعة، إلّا أنّ شقيقه مازن، الذي حاول التهرّب من الكلام، قال: "القمقمة -أي البحث عن بقايا طعام- ليست عيباً مادام يبقينا انا واخوتي على قيد الحياة".
سعيد الزبيدي أحد العاملين في مشروع نظافة أمانة العاصمة يؤكّد في حديث للصحوة نت: "إنّ الكثير من الأطفال والنساء يذهبون بعيداً عن أحيائهم السكّنية، بحثاً عن بقايا طعام في تلك البراميل حتّى لا يشعر بهم الآخرون"، ويضيف: "براميل القمامة المخصّصة للأحياء التي يسكنها الأغنياء، والتي يرتفع فيها منسوب الطعام المرمي بالبراميل، مثل أحياء حدة وبيت بوس والأصبحي، باتت مقصداً يوميّاً لعشرات الأسر وخاصة في رمضان". يرى الزبيدي أنّ تصاعد الظّاهرة ناتج عن حرب الحوثيين التي ساهمت في ارتفاع نسبة الفقر والعوز، و تردّي الأوضاع المعيشيّة لآلاف من الأسر الفقيرة في العاصمة، والتي باتت تعيش في معزل عن أحياء الأغنياء،