من بوابة التعليم بدأت أولى خطوات التمدد الإيراني في المنطقة، بعد أن قامت المنظومة الأيدلوجية لصناع القرار الإيراني بتوظيف عقيدة المذهب وتراث الطائفة لاختراق عدة دول عربية منذ ثمانينيات القرن الفائت. من محاضن التعليم قدم المشروع الإيراني التوسعي نفسه كواجهة مذهبية، وجرى الترويج لاعتناق عقيدة "ولاية الفقيه" وتطويع النصوص الإسلامية لخدمة المشروع الإيراني التوسعي القائم في حقيقته على فكرة الاستحقاق التاريخي وأوهام استعادة الامبراطورية الفارسية. استقطبت سفارات إيران في العواصم العربية آلاف الطلاب العرب، بهدف تقوية الطائفية وتكوين أقليات وبناء مليشيات في الدول العربية تكون وقودا لحروب إيران ومشروعها التوسعي. تبدأ العملية بتلقين الطلبة العرب المبتعثين لحوزات وجامعات إيران والعراق ولبنان عقيدة "ولاية الفقيه" وهي نظرية مغموسة بالدم ومثقلة بكل أحقاد وثارات التاريخ، تروج للإرهاب الملتبس بالطائفية، حيث تعجيل ظهور "المهدي المخلص" يتطلب إشعال الحروب والاعتداء على المخالف وقسره على اعتناق عقيدة ولاية الفقيه والإذعان لها، وتلوين المنطقة العربية بالدم، وإحالتها إلى ساحة للموت والأشلاء والخراب. ولأجل ذلك يقع على الأتباع أن إنشاء المليشيات وإعلان التمرد والانقلاب على الدول بقوة السلاح، وتحت قيادة نائب إمام الزمان والولي الفقيه في طهران " علي خامنئي". في كتابه "فقه الولاية" يروج الخميني للإرهاب المقدس في تراث طائفته كوسيلة لفرض ولاية الفقيه وتصديرها للمنطقة العربية قائلا: الخنجر أسبق وجودًا من أغصان الزيتون، فليس ثمة إلا السيف، السيف، السيف، والدم هو نشيد الأرض الدائم، وهو الذي يحرك التاريخ ويصمم أحداثه. قبل سنوات أسس الطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في إيران اتحادا لهم تحت مسمى "طلاب اليمن في الحوزات الدينية" وفقا لتحقيق استقصائي نشره موقع مسند الإخباري. أقام الاتحاد فعاليات عديدة كشفت عن كيف حولت إيران الطلبة العرب إلى خزان لحروبها الدائرة اليوم في أكثر من بلد، إذ أن من تحدثوا في الفعاليات كانوا يؤمنوا بعقيدة ولاية الفقيه وأن دعمهم للحوثي يسهم في التمهيد للإمام المنتظر، وكل ذلك مبني على اعتقادهم بأن تصدير ثورة الخميني إلى اليمن يعجل بخروج المهدي المنتظر، وأن إسقاط نظام المملكة العربية السعودية أبرز تجليات خروج ما يسمونه ب "إمام الزمان".
البعثات الدبلوماسية كأداة استقطاب قبل أن تنشيء إيران مليشيات الحوثي كذراع مسلح لها في اليمن، كانت قد استبقت ذلك باستقطاب آلاف الطلاب اليمنيين للدراسة في حوزاتها داخل إيران وخارجها في لبنان والعراق. في عام 2008م أعلنت الحكومة اليمنية آنذاك عن وجود أكثر من 7 آلاف طالب يمني يتلقون تعليمهم في مدينة قم وعدة مدن إيرانية. وقد كان للسفارة الإيرانية في صنعاء دورا مهما في تدفق الطلاب اليمنيين إلى إيران، خارج أطر الابتعاث الرسمي، حيث كانت السفارة ونظام خامنئي يتكفل بجميع متطلبات الإقامة والدراسة. السفارة دعمت أيضا دورات ثقافية داخل اليمن تتراوح مدتها ما بين ستة أشهر وسنتين لعشرات الطلاب في المرحلة المتوسطة والثانوية في صنعاء وصعدة. وقدمت السفارة الرعاية الكاملة لتأهيل هؤلاء الطلبة كدعاة لنشر معتقدات وفكر ملالي طهران في المناطق اليمنية المختلفة. وما زال الكثير من شباب اليمن يتلقون التعليم في الحوزات العلمية الشيعية في إيران والعراق ولبنان إلى يومنا هذا. التحقيق الاستقصائي ل" مسند" تناول في جزء منه نشاط الطلاب اليمنيين في حوزات إيران بعد عملية عاصفة الحزم، ولفت إلى أن الأكثر نشاطا هم طلاب ما يسمى ب "الحجتية المباركة" وهي المدرسة المتمثلة في التمهيد لظهور الإمام المهدي، وتنشط في إيران والشرق الأوسط، ويعتقد في هذه المدرسة الموجودة في "قُم" أن اليماني هو أول بشارات ظهور "المهدي" كما تعتقد بوجود أشخاص وتيارات وحتى أنظمة حكم يجب تصفيتها وإسقاطها تمهيداً لخروج المهدي المنتظر. هؤلاء الطلاب تنقلوا بين وسائل الإعلام الفارسية والحوزات العلمية والمراقد الشيعية من أجل جمع الأموال اللازمة لدعم الحوثيين، وفتح الحسابات المصرفية، إلى جانب التنسيق مع لجنة خاصة أسستها طهران من أجل دعم الحوثيين في اليمن، ويرأسها "احمدي مقدم" رئيس شرطة طهران السابق. الدعم لم يقتصر على جمع المال ولكن تضمن الدعم الإعلامي والحقوقي الدولي المساند إلى جانب الدبلوماسية الخارجية الإيرانية. وإلى جانب الدعم الذي قدمه سليماني والحرس الثوري، يقوم كادر من "الحوزات الشيعية" وطلابها اليمنيين الذين يصنفون بالأكثر نشاطا بدعم إضافي، ويجري التصديق على تمويل اللجنة اللازم من البرلمان الإيراني. لم يقتصر الأمر على اليمن، فقد أنشأت إيران من خلال التعليم وتوظيف الطائفية خلايا نائمة في البحرين والكويت والسعودية، باتت اليوم مصدر قلق وتهديد حقيقي للخليج. وكما فعلت مليشيا الحوثي التي ظلت كامنة ومهادنة للدولة لسنوات ومن ثم انقلبت على الدولة اليمنية، فإن هذه الخلايا في الخليج تترصد الفرصة المناسبة للانقضاض على هذه البلدان، وضرب الأمن الإقليمي العربي.