يتضح دائماً من خلال كتاباتنا ونقدنا المستمر أننا لا نبني قضايا متماسكة ولا نطرح الأدلة الكافية للتعقيب على حدث ما ، طرح التساؤلات بغرض إثارة الجدل لا يمكن ان يبني موقف وترك الإتهامات للاستهلاك العاطفي عبر الإيحاءات وحسب ليس امراً صحفياً ، الناس تحتاج إلى الأدلة ويجب أن يعتاد الشعب سيما قراء الصُحف على تلقي معلومات صحفية جيدة ومدعومة بالأدلة كما لو أن الأمر أشبه بتحقيق شامل. الصحافة في بلدنا تفتقر بشكل كبير الى المصداقية والموضوعية ، وإن كانت مستقله فإنها بالكاد تكتفي بعنونةً الحدث دون ان تُغذيه بالتفاصيل اللازمة ، مشكلة الصحفي هنا انه لا يريد ان يتعب وان يبذل كل ما بوسعه لتقصي الحقائق وللوصول إلى اكبر قدر من المعلومات ، تلك المعلومات المترابطة بشكل جيد يستطيع من خلاله القارئ ان يصل إلى نتيجة واحدة. الصحفي في بلادنا كسول وغير مثابر ولا يملك الشجاعة الكاملة لقول الحقيقة ، هذا مخالف لقواعد المهنه وأخلاقياتها ففي النهاية الصحافة هي مهنة المتاعب ، هي البحث عن الحقيقية ونشرها ليعرف الناس مالذي يدور من حولهم. وإذا كان بوسعك أن تستمع إلى مواطن يتجنب الخوض في الحديث عن فساد السلطات وتجارة الحشيش وصفقات النفط المشينة وتهرب رجال الأعمال من الضرائب فإنه لا يمكنك أن تستمع لصحفي يقول لك علينا أن لا نخوض في هذه الشؤون لأن أول سمة من سمات الصحفي هي الشجاعة والمسؤولية الأخلاقية ، الصحافة ليست مهنة سهلة، والاجدر ان لا تكون وسيلة لكسب مصدر دخل واثراء شخصي وحسب، بل مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية رجال الأمن الذين يبحثون دائماً عن اللصوص والجُناة والمجرمين. ثم ان الصحافة ليست ربيبة السلطة ولا صديقاً حميماً لها ، ولكن للأسف هذا ما يحدث في بلدنا. إذا رأيت الصحفي يحتسي قهوته مع عضو في البرلمان فعليك أن تدرك ان الامور لا تسير بالشكل المطلوب وعليك ان تعرف ايضاً أن هناك أغطية كثيرة لروائح نتنة لم تفح بسبب أن قلم الصحفي داخل جيب السياسي. لا أعرف كيف تحولت الصحافة في بلداننا إلى حفلات نفاق يغذيها السلطان ليصبح الواقع العام أشد سذاجة واكثر تهريجا ، فبدون وجود صحفي مثالي استقصائي وشجاع لن يكون هناك واقع مثالي في البلد إذ أن كل شيئ سيئ سيظل سراً عميقاً يصعب الوصول إليه.