"ابق في مترس أخيك يا ابني لا تغادره" بهذه الكلمات رد يحىيى الشوبجي على مكالمة هاتفية تلقاها من ولده مازن بعد استشهاد أخيه شلال أثناء قتاله مليشيات الحوثي في جبهة حجر بمحافظة الضالع. هكذا يعرفه أهل منطقته وعرف عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ب "يحيى أبو الشهداء" كنية لطالما كان يشعر بالفخر حين يسمع من يناديه بها حتى حصل على لقب أخير في حياته "الشهيد وأبو الشهداء أيضا يحيى الشوبجي. ينتمي العميد يحيى الشوبجي إلى قرية العبارى مديرية حجر محافظة الضالع، المحافظة التي عرفت بنضال وبطولات أبنائها ضد الاحتلال البريطاني، فقد كان اسم الضالع بالنسبة للاحتلال يعتبر كابوسا مزعجا وهوة تبتلع جنودهم في كل مواقع المقاومة في الضالع وغيرها. منذ بداية حرب مليشيا الحوثي الارهابية على اليمنيين في 2014، حاولت التمدد نحو المحافظات الأخرى بينها الضالع، لكن أبناء الضالع كعادتهم أحالوا حلمها إلى سراب. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للشهيد العميد يحيى الشوبجي، وهو يقول في رثائه لاستشهاد ولده " الأبن فلذة الكبد لكن في سبيل الذود عن الأرض والعرض والكرامة والدين كل شيء رخيص". استشهاد نجله شلال مدير أمن ميناء عدن ثلاثة من أبنائه استشهدوا في جبهات الضالع خلال 2019، اثناء اشتداد المعارك بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الضالع. الأبن الأكبر شلال والذي كان يشغل منصب مدير أمن ميناء عدن، لم يمنعه منصبه وانشغاله من الالتحاق بالجبهات في الدفاع عن وطنه". قاتل شلال مع رفاقه وزملائه من أبناء المنطقة، كان برفقته اثنين من اشقائه مازن، وأنور"، قاتلوا مليشيا الحوثي الارهابية دون هوادة، دارت مواجهات عنيفة رغم فارق التسليح بين مليشيات استولت على سلاح الدولة، وبين مقاومين ليس لديهم إلا ايمانهم بقضيته وسلاحهم الشخصي، ومع ذلك حققوا انتصارات واسعة وحرروا مواقع عدة شمال مدير حجر وكسر المليشيات وسحق فلولها. وفي الرابع والعشرين من مايو 2019، وأثناء تلك المواجهات استشهد قائد الجبهة شلال الشوبحي، في جبهة العباري مديرية الحجر، بعد أن أبلى بلاء حسنا وقدم انموذجا وطنيا أثر وطنه ودينه وأرضه لم يتخاذل أو يتوانى عن أداء واجبه رغم انشغاله، وبرحيله خسر الوطن وخسرت الضالع قائدا فذا شجاعا حزن زملاءه وأبناء منطقته على رحيله المبكر، لكنهم واصلوا السير على دربه في قتال المليشيات ولا زالوا. استشهاد مازن بعد نحو شهرين، من استشهاد نجله شلال، لم يجف دمع والدته وأسرته بعد، تلقى العميد يحيى الشوبجي، نبأ استشهاد نجله الثاني مازن في جبهة شخب، شمال المحافظة. بإيمان منقطع النظير وصمود اسطوري كرر مقولته الشهيرة لمن حضر ليعزيه "إن الوطن والدين والعرض يستحقون الكثير ولن نبخل". بعد استشهاد نجله الثاني مازن، وكأن لسان حاله لنجله الثالث وكل المقاتلين "لا تترك مترس أخيك .. رفاقه سيجلبون الجثة"، كانت المعارك في أشدها في شمال المحافظة تحاول مليشيا الحوثي الارهابية ايجاد ثغرة أو تحقيق أي نصر كعادتها لرفع معنويات مسلحيها، لكن دون جدوى، أبناء الضالع يشبهون إلى حد كبير صخور وجبال محافظتهم صلابة وعلو، يقولون هكذا عن أنفسهم. استشهاد أنور في 30 اكتوبر 2019، وصل العميد يحيى الشوبجي نبأ استشهاد نجله الثالث، أنور، في جبهة الفاخر، بعد سنوات من الحرب والكر والفر، قال وهو يستقبل معزيه " والله ما ذرفت لي دمعة" وكعادته "الوطن والدين والعرض يستحقون كل شيء". عظمة قل ما تجد لها مثيل، وتضحيات جسيمة تليق بأمثال العميد الشوبجي وغيره ممن قدموا فلذات أكبادهم وأنفسهم فداء للوطن والجمهورية ووحدة التراب وصون العقيدة. تتحدث والدة الشهداء وزوجة الشهيد، في مقطع فيديو تناقلته مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، عن تاريخ وأماكن استشهاد أبنائها، تتحدث ودموعها تنسكب بغزارة على فقدانهم، لم تكن تعلم حينها أن زوجها يتأهب للحاق بهم في ذات المعركة والهدف. رحيل يليق بالعظماء قبل أربعة أيام 30 ابريل الماضي، شن أبطال الجيش والمقاومة الشعبية في جبهة الفاخر مديرية قعطبة شمال الضالع هجوما على مليشيا الحوثي.
لم يقف العميد يحيى الشوبجي مكتوف اليدين، فهو يرى ذلك نقصا في حقه وتقصيرا في حق وطنه، اخذ بندقيته وغادر صوب الجبهات يقتفي أثر ابنائه الشهداء، شلال، ومازن، وأنور. يمتلك العميد الشوبجي من الأعذار ما يجعله يجلس في منزله، قدم ثلاثة من أبنائه، اضافة إلى كبر سنه وصومه أيضا، لكنه أبى إلا أن يشارك في المعركة والقتال في الصفوف الأولى، فقاتل بعزيمة الشباب وروح القائد الشجاع والقدوة حتى لقي ربه شهيدا مجيدا، لحق بأبنائه الشهداء ورفاقهم. رحيل موجع ورصيد يضاف إلى رصيد طويل قدمه اليمنيون الرافضون للذل وعودة المشروع الامامي البغيض والحياة تحت حكم مليشيات ارهابية تعمل لتحقيق مشروع ايران وامبراطورية فارس. كمية العزاء والرثاء تؤكد أن اليمن خسرت بطلا صنديدا وقائد مقدام، رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الحكومة ووزراء ومسؤولين وقيادة الأحزاب اوجعهم رحيل الشوبجي وقدموا تعازيهم لنجله القائد محمد الشوبجي. صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ملئت بصوره وأبنائه، بكى وتباكى عليه اليمنيون فقد خسروا جمهوريا عتيدا لا يعرف الانكسار والمداهنة بحق وطنه ودينه ومبادئه.