إذا كان يحيى حميد الدين أدار ظهره لليمنيين، و خذل الجنوب اليمني تاركا إياه باتفاق للاستعمار البريطاني ؛ مقابل أن يحظى باعتراف بريطانيا به كحاكم للشمال اليمني، فإن ثورة 26 سبتمبر منذ بدايتها الأولى، و هي ترسم أهداف الثورة جعلت التحرر من الإمامة و الاستعمار معا محور أهدافها، و عند تشكيل أول حكومة للثورة السبتمبرية، كان قحطان الشعبي أحد وزرائها، ثم مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون الجنوب اليمني المحتل. و بعد عام تقريبا عادت مجاميع من أبناء الجنوب الذين شاركوا في الدفاع عن الثورة و الجمهورية إلى الجنوب؛ وكان أن اشتعلت ثورة 14 أكتوبر المجيدة ضد الوجود الاستعماري. و إذا كانت صنعاء احتضنت بدايات لقاءات القيادات الجنوبية للتنسيق مع قيادة ثورة سبتمبر، فقد غدت تعز قاعدة خلفية لثورة أكتوبر . فيها تكون قيادتها و منها يتحركون، و بها محل تدريب فدائييها، و منها ينطلقون، وكانت تعز مأوى و منطلق، و محل تدريب الثوار. لم يكن الأمر بالنسبة لصنعاء و تعز رد الجميل لعدن تجاه مواقفها الثورية مع أحرار و ثوار 48، و ولا مقابل جهد الأبطال الذين قدموا من مناطق الجنوب مساندة، ودفاعا عن الثورة و الجمهورية بعد قيام ثورة سبتمبر التي حطمت أسوار و أغلال حكم الطغاة ؛ و إنما كانتا تريان ذلك واجبا مطلقا. و يوم أن احتضنت عدن ثوار 48، و ساندت ثورة سبتمبر، لم يكن اتخاذ ذلك الموقف الوطني رجاء أن يرد الشمال الجميل للجنوب مستقبلا .. كلا ، ما كان هذا دافع الجنوب، و لا كان دافع الشمال، و إنما كان الحس الوطني يتعالى بشعور وطني فياض، لم تحركه تعبئة إعلامية، وإنما كان يقظا بفطرته الدينية و الوطنية، حيث الدافع المتدفق لدى الجميع التحرر من الإمامة و الاستعمار. و لقد عاشت عدن و تعز ثورة 14 أكتوبر جنبا إلى جنب، بل عاش اليمن شماله و جنوبه أحداث ثورة أكتوبر معا، كما عاش الجميع من قبل ترسيخ مداميك ثورة سبتمبر. أدرك الاستعمار ، كما أدركت فلول الإمامة هذا التناغم و التكامل، بين تعز و عدن، و ما كان للاستعمار أن يسكت عن هذا التساند حد التماهي، فحرك أدواته ؛ لضرب هذا النسيج الذي لا يقف عند عدن و تعز، بل إلى ما وراء وراء هذه الرقعة و المساحة الجغرافية. لعب الاستعمار قديما لعبة تفكيك النسيج اليمني المتماسك، و تعاضد معه في هذه اللعبة القذرة النظام الإمامي البائد، و كلاهما، الإمامة و الاستعمار فشلا في ضرب نسيج وطنية الشعب اليمني .. أفترى أدوات الاستعمار، و مخلفات الإمامة ستحققان ما لم تحققه جذورهم و أصولهم !؟ إن الشعب اليمني يستقي واجبه و أهدافه من واقع هو مدعو لتغييره، و من تاريخ آباء و أجداد مناضلين، و لن يفرط الأحفاد برصيد نضال الآباء المتألق، و لا بتاريخ الأجداد الزاهر. و من هنا فإن واجب عدن و تعز و صنعاء و المكلا .. و كل اليمن التعاضد و التساند المتماهي - اليوم - لاتخاذ الموقف المبادر للحفاظ على الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، و أن يقف الجميع جنبا إلى جنب بكل ما يتوفر من قوة، مع مأرب التاريخ و الحاضر و المستقبل.