العيد في محافظة إب وسط اليمن، ألقى بتبعاته كضيف ثقيل على الغالبية من أبناء المحافظة، نتيجة متطلباته المنعدمة، حيث أن الكثير من الأسر اليمنية، لم يعد بمقدورها توفير أي من تلك المتطلبات، بالتزامن مع انهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية بفعل الإنقلاب والحرب التي تشهدها البلاد منذ ثمان سنوات. وخلال السنوات الماضية، من عمر الإنقلاب الذي حول حياة الناس إلى جحيم، لم يعد للعيد من فرحة كما كان يعيشها الناس، إذ أن مليشيا الحوثي بإنقلابها الأسود في سبتمبر 2014م، وشنها حربا مفتوحة على اليمنيين، صادرت الفرحة ككل، من شفاه وأوجه الناس، سواء في مناطق سيطرتها أو في المحافظات المحررة، حيث أن الإنقلاب دمر مقومات الدولة والوطن وألقى بإقتصاد البلاد في قعر سحيق.
حياة بؤس وهموم "منذ شعبان ونحن نفكر بإحتياجات رمضان، ومع فشلنا في ذلك، لكننا حاولنا بكل ما أوتينا من قوة، وبعد تجاوز رمضان، جاءت هموم ومتطلبات العيد، والتي لم نستطع تلبيتها لأطفالنا وبقينا عاجزين أمامها" هكذا تحدث المواطن "خالد الحماطي" أحد أبناء مدينة إب عاصمة المحافظة، وهو يتحدث عن فشله في تحقيق أبسط مقومات الحياة لأطفاله وأسرته. وأضاف "الحماطي" ل "الصحوة نت"، أن الغلاء وانهيار الأوضاع المعيشية والإقتصادية، جعلت المواطنين في حياة بائسة، كلها هموم ومتاعب لا تتنتهي حد وصفه. ويتابع الحماطي، وهو حزين إلى ما آل إلية من وضع ويقول" أنه لم يعيش فرحة العيد، وأن مناسبة العيد تحولت بالنسبة له إلى "غصة" كون أطفاله بلا ملابس ولم يجدوا أي شيء من متطلبات العيد التي يمكن أن تبعث السعادة والفرح لدى أطفاله الستة.
أرتال من الجوعى
الكاتب والأديب أحمد طارش خرصان، كتب بالقول "نحاول التظاهر أننا بخير، ونسارع الخطى لتدوين وبث التهاني بعيد الفطر المبارك، فيما يحاصرنا الوجع وينهشنا الأسى، وكأننا نحاول خداع أنفسنا، ورسم صورة غير مهشمة لذواتنا وأرواحنا المعبأة في جرار اليأس والكمائن التي تلتهمنا ببطء، ربما يماثل حالة الموت التي يعيشها اليمنيون". وأضاف خرصان، في منشور له على صفحته بالفيسبوك، "من أولئك الذين عجزوا عن توفير ما يخدع أطفالهم ويشعرهم أنهم أحياء، وأن ثمة فرحة تنتظرهم صباح هذا اليوم عيد الفطر.. لا استثناء فيما يلتف حول مصائرنا كضحايا، ولا أحد بمنجاة من هذا الألم الملاصق لأيامنا الأسوأ". وأردف: "يتناقص الميسورون ويتسربون، فيما تتكدس - في فراغات الأزقة والحارات والشوارع والأرصفة - أرتال الجوعى والبسطاء والمعوزين، وترتسم على محيا أطفالنا سوداوية ما نحاول تجاوزه بما تبقى لنا من رغبات عنيدة وشغوفة لحياةٍ، لا ندري المآلات التي ستنتظرنا في الهناك البعيد". وختم الأديب خرصان بالقول: "ربما هو رجاء أتمنى على الجميع تقدير ما نعيشه وعلى النحو الذي لا ينال من ذواتنا المهشمة، والإحتفال بالعيد دون استفزاز لمشاعر من هم بالداخل، والتوقف عن نشر صورهم وأطفالهم وأسرهم، وتذكر أن هناك من أعجزه الحال عن منح طفله/ طفلته قميصاً وبنطلوناً أو فستاناً رخيصاً، وتوقفوا - ما استطعتم - عن إهداء أطفالهم ما يضعهم بين قبضة القهر والسخط على عائليهم.. إحتفلوا كيفما شئتم، لكن تذكروا أن ثمة من يبحث عن إجابة لهذا السؤال: كيف سيوفر عيدية لأطفاله؟ ومن أين؟".
منع المساعدات والأعمال الخيرية خلال السنوات الماضية، شددت المليشيا الحوثية إجراءاتها تجاه التجار وفرضت قيودا على الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير والنشطاء الذين كانوا يحاولون التخفيف من تبعات تردي الأوضاع المعيشية والإقتصادية، وهو الأمر الذي ساهم بزيادة الأوجاع والمآسي في أوساط المواطنين بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها المسلحة.
أم أيمن امرأة نازحة في مدينة إب قدمت من محافظة الحديدة، قبل سبع سنوات، أفادت ل "الصحوة نت" بأنها كانت خلال السنوات الماضية، تقاوم مع أسرتها تبعات الحياة والإنهيار الاقتصادي، وكانت تتحصل على بعض المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تقدمها بعض المنظمات أو الجمعيات الخيرية وحتى الناشطين، غير أن القيود التي فرضتها مليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية، أثرت عليها بشكل كبير، إذ أن المساعدات المقدمة من الغذاء العالمي قلت بشكل كبير، وتوقفت أي مساعدات من الجمعيات الخيرية. وتابعت أم أيمن بالقول: "هذا العام لم نجد في رمضان ومع العيد أي مساعدات أو من يلتفت لمعاناتنا التي زادت بشكل أكبر مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرة إلى أن الصدقات والزكاة التي كانت تصل إليها من بعض التجار أو فاعلي الخير هي الأخرى توقفت نتيجة منع مليشيا الحوثي لتوزيعها وإحتكار الأعمال الخيرية عليها دون غيرها".
غلاء فاحش الأسعار في موسم العيد لا يمكن أن تستقر عند حد معين، فكل تاجر أو بائع يضع تسعيرته التي يرغب بها، هكذا وصف المواطن "توفيق العديني" حال الأسعار في محافظة إب خلال مواسم الأعياد، ويضيف "أسعار الثياب لا تتخيلها مؤكدا أنه لم يستطع شراء ثياب العيد نتيجة الغلاء الفاحش، ما اضطره لشراء ملابس من أماكن الحراج، ضمن محاولاته البحث عن وسيلة لإسعاد أطفاله، ومغالطتهم حد قوله، نتيجة الأوضاع التي يعيشها هو وآلاف المواطنين أمثاله. مفيد الصهباني - صاحب عربية في الشارع يقول: الغلاء قتل فرحة العيد والحياة بكلها، حيث لا تعرف الأسعار أي إستقرار وتختلف من مكان لآخر، ولا يوجد أي رقابة عليها، فضلا عن عزوف الناس عن الشراء، نتيجة الغلاء الفاحش الذي زاد خلال السنوات الماضية بشكل جنوني. أما الأستاذ محمد الورافي، فتحدث عن حاله في عيد الفطر بالقول: "العيد ومصاريفه واحتياجاته المختلفة وغلاء الأسعار أثقلت كاهل الناس وأذهبت الفرحة"، في إشارة منه للآثار الكارثية التي يعيشها المواطن جراء انهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية بفعل الإنقلاب والحرب التي تشهدها البلاد.