للعام العاشر على التوالي، يحل عيد الفطر المبارك والحرب ما زالت تُلقي بظلالها الثقيلة على حياة الناس، لتغيب أجواء الفرح وتحل مكانها مشاعر الحزن والقلق في بلد أنهكته سنوات الصراع. وبسبب الظروف الاقتصادية التي أفرزتها سنوات الحرب منذ انقلاب مليشيا الحوثي وسيطرتها على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014، بات العيد يمر على كثير من الأسر كغيره من الأيام، وسط معاناة متزايدة وظروف معيشية قاسية.
أوضاع صعبة مظاهر فرحة العيد أصبحت خافتة في شوارع المدن والقرى اليمنية، فالأسواق التي كانت تضج بالحركة والفرح باتت تشهد حضورًا خجولًا من المتسوقين الذين بالكاد يستطيعون توفير الأساسيات. كثير من العائلات لم تعد قادرة على شراء ملابس العيد لأطفالها أو تجهيز الموائد الاحتفالية في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع مصادر الدخل. لم تتمكن أم مازن، وهي أم لسبعة أطفال، من شراء كسوة العيد لأطفالها هذا العام بسبب الأوضاع وتعطل زوجها عن العمل. تقول أم مازن: "يأتي العيد محملًا بالهموم لا بالفرحة، كيف لي أن أرى ابتسامة أطفالي وهم بلا ملابس؟ زوجي أيضًا بلا عمل، بالكاد نستطيع توفير قوت يومنا". وتضيف في حديثها ل"الصحوة نت": "أرى أطفالي ونظراتهم وهم يتهيؤون للفرح بالعيد، لكن كيف لي أن أحقق لهم هذه الفرحة؟ لا أملك لهم شيئًا سوى دموعي التي تتساقط في الخفاء".
أطفال بلا فرحة الأطفال هم الشريحة الأكثر تأثرًا بالوضع، خاصة في العيد؛ فبدلاً من اللعب والفرح، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للعمل لمساعدة أسرهم أو يكتفون بمشاهدة أقرانهم وهم يرتدون ملابس جديدة ويحملون ألعابًا لا يملكونها. تقول الإعلامية فيروز الغزي: "الحرب أثّرت على نفسيتنا كثيرًا، كنا سابقًا نستقبل عيد الفطر بتجهيز الملابس وتغيير بعض الأثاث في البيت، لكن اليوم أصبحت القلوب مكسورة على فقدان ابن أو زوج أو أخ". وتضيف الغزي، وهي أم شهيد، في حديثها ل"الصحوة نت": "أصبح العيد ذكرى لأيام جميلة مضت، كل بيت لديه قصة ألم من تشرد ونزوح واشتياق لمختطف خلف السجون أو مغترب يبحث عن رزق أولاده في الغربة." وتتابع فيروز بأسى حول صعوبات توفير متطلبات العيد: "الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والراتب لا يزال كما هو، ناهيك عن تأخر المرتبات منذ أشهر، خاصة مرتبات المعلمين النازحين. أصبح تأمين ملابس وحلوى العيد حلمًا بعيد المنال". وتناشد فيروز الناس أن يتراحموا فيما بينهم، وأن يتفقدوا أحوال جيرانهم؛ فإن خلف الجدران قصصًا مؤلمة وأسرًا عفيفة في أشد الحاجة إلى أن تمدوا إليهم أيديكم. كما دعت الجهات الرسمية إلى البحث عن حلول لإنقاذ العملة وتفعيل الرقابة على التجار والصرافين للتخفيف من معاناة الناس.
استمرار المبادرات الخيرية في ظل هذه الظروف الصعبة التي أثّرت أيضًا على كثير من الجمعيات والمنظمات الخيرية، ورغم ذلك، تظهر مبادرات خيرية تحاول التخفيف من معاناة الناس من خلال توزيع المساعدات الغذائية والملابس، إلا أن هذه الجهود تبقى محدودة مقارنة بحجم الاحتياج المتزايد. بشرى المزجاجي، رئيسة إحدى المبادرات المجتمعية، أوضحت أهمية تحسين آليات العمل الخيري للتخفيف من معاناة الأسر الأشد احتياجًا. وقالت في حديثها ل"الصحوة نت": "من الضروري عقد اجتماعات دورية لإدارة المبادرات، لدراسة الوضع ووضع خطط مركزة تجمع بيانات دقيقة عن الفئات المستهدفة والمناطق الأكثر احتياجًا". وأضافت: "كذلك، لا بد من التشبيك مع الجهات الداعمة لضمان استمرارية الدعم، ليس فقط عبر تقديم المساعدات العاجلة، بل من خلال تمكين الأسر اقتصاديًا، ودعم المشاريع التنموية التي توفر دخلًا مستدامًا للأسر المحتاجة". وأكدت على أهمية دور الجهات الرسمية في تعزيز هذه الجهود، حيث تتحمل مسؤولية وضع سياسات تحمي حقوق المحتاجين وتضمن توزيع المساعدات بعدالة، إلى جانب استقطاب المنظمات الدولية لدعم هذه المبادرات. كما أشارت إلى أهمية دور المجتمع المدني في التفاعل مع الشركات المحلية والدولية لتوفير الموارد وتعزيز ثقافة التطوع بين الشباب لضمان وصول المساعدات بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
حلول مستدامة وعن دعم الأسر المنتجة وتوفير فرص عمل كحل مستدام، ترى بشرى أن "التمكين الاقتصادي هو الحل الأمثل لتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر والحد من اعتمادها على المساعدات، عن طريق دعم المشاريع الصغيرة كالأعمال اليدوية والمنتجات الزراعية، مما سيساهم في تنشيط الأسواق المحلية ويوفر مصدر دخل مستدام. كما أن تمكين المرأة والشباب من خلال هذه المشاريع يعزز من دورهم في المجتمع ويخلق تنمية اجتماعية واقتصادية على المدى البعيد".
فرحة غائبة وأمل مستمر في ظل هذه المعاناة، تبقى المبادرات المجتمعية والأيدي البيضاء بارقة أمل خافتة تحاول أن تنير طريق الأسر اليمنية نحو عيدٍ يحمل معه شيئًا من البهجة رغم ظلال الحرب الثقيلة. يمر العيد مثقلًا بالهموم والآلام والمعاناة، ومع ذلك يبقى الأمل لدى اليمنيين أن يأتي يوم تعود فيه للعيد بهجته، وأن يعم السلام أرجاء البلاد وتنتهي مأساة اليمن.