مصر وقطر تسلمان حركة حماس خطة ترامب لإنهاء حرب غزة    تحذيرات من استنزاف إماراتي خطير لاسماك سقطرى    نزول ميداني لتحديد موقع مركز تجميع الحليب في المراوعة بالحديدة    لجنة المناقصات في البيضاء تقر تنفيذ عدد من المشاريع التنموية والخدمية    حضرموت تجدد رفضها لمخططات الإخوان وتوحد صفها ضد تمرد بن حبريش    عرض شعبي في حجة بمناسبة العيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر    القسام تكشف عن تفاصيل عملية مدينة غزة امس    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الشيخ محمد الزويدي    الأمم المتحدة تدعو لحماية "أسطول الصمود العالمي"    ضبط متورطين في سرقة دراجات نارية    مناقشة آلية دعم صناعة وتسويق الأقمشة المحلية والملابس القطنية في الحديدة    من تدمير الأشجار إلى نهب التونة: سقطرى تواجه عبث الاحتلال الإماراتي البري والبحري    تنفيذية انتقالي يهر تعقد اجتماعها الدوري لشهر سبتمبر    بسلاح أزمة الكهرباء.. تفاقم مخططات مشبوهة لخنق الجنوب    مصدر: الكُميم موقوف في مركز شرطة على ذمة قضية مدنية    محافظ شبوة: مطار عتق ركيزة لدفع عجلة التنمية    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع استمرار هطول الأمطار الرعدية على نطاق محدود من المرتفعات والسهول    تعز .. تشييع الشهيدة المشهري في موكب مهيب وأسرتها تعلن العودة إلى خيمة الاعتصام    لا تستغربوا… إنهم يعودون إلى وطنهم!    رغم الدعم السعودي .. حكومة بن بريك تواصل تجاهل أزمة المرتبات في عدن وبقية محافظات الجنوب    الذهب يسجل رقماً قياسياً جديداً: 3860.90 دولار للأونصة    نصر هرهرة يلتقي رئيسة مؤسسة أمل ويؤكد اهتمام الجمعية الوطنية برعاية الأيتام والفقراء    السلطة المحلية في حضرموت: لن نسمح باستهداف التعليم الحكومي لصالح التعليم الأهلي    سلطة المنصورة تُغلِق مقبرة الرحمن    ضبط كمية من الحشيش وأخرى من الشبو بساحل حضرموت    مليشيات الحوثي تختطف رئيس نادي المعلمين بصنعاء وتقتاده إلى جهة مجهولة    ثورة 26 سبتمبر.. ميلاد وطن وإرادة لا تنكسر    بحضور رسمي وشعبي مهيب.. تشييع جثمان الشهيدة افتهان المشهري في تعز    تقرير: التطهير الوظيفي والعنف البنيوي.. جرائم الوحدة اليمنية في حق الجنوب    ريال مدريد وليفربول يسعيان للتعويض في أبطال أوروبا بعد الكبوة محليا    الولاء للجنوب لا ينفصل عن دعم قيادته    تصريح مثير للاستغراب.. ترامب يتوقع انضمام إيران إلى اتفاقيات إبراهام    الإرياني: محاولات الحوثي لتزوير الهوية فشلت وقيم 26 سبتمبر عصية على الطمس    المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في أبين استعدادا لمباراتي بروناي في التصفيات الآسيوية    إدارة التلال تستنكر مغادرة لاعبها عادل عباس دون إذن رسمي وتلوّح بالتصعيد القانوني    عروس اللغات    ضحك الزمان وبكى الوطن    وزارة الشباب تختتم الملتقى الموسع في مأرب وتطلق خريطة عمل لتعزيز قدرات الشباب    ريال مدريد وليفربول يسعيان للتعويض في أبطال أوروبا بعد الكبوة محليا    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    تنفيذ حملة لمكافحة الكلاب الضالة في مدينتي البيضاء ورداع    محافظ حضرموت يناقش خطط تطوير ميناء المكلا وتوسعته    47 رياضيا عالميا يطالبون اليويفا باستبعاد إسرائيل من البطولات    برشلونة يخطف الصدارة    الريال يخسر كارفاخال أمام برشلونة    نداء إنساني عاجل: مواجهة الجوع والفقر باستعادة حقوق الإنسان المنهوبة    العقلية العربية.. وثقافة الذات!!    وفاة امرأة بخطأ طبي في إب وسط غياب الرقابة    شهداء الكلمة وحراس الحقيقة    آه يا أوراس.. يا صاحب الفكر المستنير    حدث محزن في عدن.. أب يرهن جواله مقابل وجبة عشاء لأطفاله الجياع    مراجعة جذرية لمفهومي الأمة والوطن    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    القهوة تساعد على تخفيف الصداع.. كيف تتناولها لحصد الفائدة    صنعاء... الحصن المنيع    "جيل الشاشات".. كيف خطفت الهواتف تركيز الطلاب؟ وهل يمكن استعادته؟    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    في محراب النفس المترعة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثائر علي بن الفضل الحميري
نشر في الصحوة نت يوم 16 - 08 - 2025

موحّد اليمن وقاهر الإمامة الزيدية وضحية التشويه السلالي
إحالة:
لا أدري كيف يستسيغ البعض ما هب ودب من الروايات التاريخية التي يختلط سقيمها بصحيحها، دون تمحيص أو تدقيق أو نقد، معللين قبولهم لها بأنها قد وردت في كتاب كذا من الكتب التاريخية أو حتى الكتب الدينية.
الدكتور ثابت الأحمدي

مفتتح:
في سجل اليمن المليء بالتحولات، يطل اسم الثائر القيل علي بن الفضل الحميري كأحد أبرز القادة الذين جمعوا بين الإرادة السياسية، والقدرة العسكرية، وحلم الوحدة الوطنية.
خرج من قرية صُهيب في جيشان أبين، ليقود "ثورة الجياع" التي لم تكن تمردا عابرا، بل مشروعا وطنيا لتحرير اليمن من التبعية، وتوحيد أراضيه، وكسر شوكة الإقطاعيين وقوى الغزو السلالي.
ولأنه هدد مشاريع الاستلاب، حظي بنصيب وافر من حملات التشويه، خاصة من أئمة الزيدية وكتّابهم، الذين صوّروه بأسوأ الصور، ونسجوا حوله اتهامات وأساطير سقطت أمام الحقائق التاريخية.

اليمن في زمن ابن الفضل: صراعات وجوع
في القرن الثالث الهجري، كانت اليمن غارقة في الانقسام بين بقايا النفوذ العباسي بدولة بني زياد في زبيد، والمشروع الرسي الزيدي الهادوي القادم من صعدة بقيادة يحيى بن الحسين الرسي طباطبا، والامارات المحلية المتحكمة في صنعاء ومحيطها.
الفقر كان ينهش الغالبية، والنخب تتحالف مع أي قوة خارجية لحماية سلطتها، ووسط هذا المشهد، وجدت دعوة ابن الفضل صدى واسعا، لأنها وعدت بالعدل وتوزيع الثروة، وإنهاء احتكار السلطة.

النشأة والهوية:
وُلد علي بن الفضل في صُهيب بجيشان لأسرة حميرية عريقة، وتلقى علوم اللغة والدين والتاريخ والأنساب، فحاز مكانة فكرية مبكرة، وعُرف بتقواه وقربه من الناس.
التقى في شبابه بدعاة الإسماعيلية أثناء الحج وسافر إلى الكوفة، لكنه سرعان ما اكتشف زيف الخرافات الشيعية، فعاد إلى اليمن وابتعد عن أي نشاط فاطمي، بل إنه حارب منصور بن الحوشب – أبرز دعاة الفاطميين في اليمن – وأخضعه عام 298ه، ما يؤكد استقلال مشروعه وكونه يمنيا خالصا لا فاطميا ولا قرمطيا.

تحالف الخصوم ومواجهة الرسي:
مع اتساع دعوته بين الفلاحين والفقراء، رأت الدويلات فيه خطرا داهما، فتحالفت مع يحيى الرسي رغم خلافاتها معه، فلجأ الرسي طباطبا إلى سلاحه المفضل: التشويه الأخلاقي، باتهامات المجوسية وإباحة المحرمات وادعاء الألوهية، وهي نفس التهم التي رددها ضد خصومه الآخرين.
لكن على الأرض، كان ابن الفضل يكوّن جيشا منظما، ويستعد لأوسع توسع سياسي وعسكري شهدته اليمن آنذاك.

ثورة الجياع: مشروع عدالة وتوحيد
عام 290ه أطلق علي بن الفضل ثورته من سرو حمير ويافع، رافعا شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بمعناه السياسي والاجتماعي: مواجهة الظلم، وتوزيع الثروة، وتحرير القرار اليمني.
بمجرد سيطرته، صادر ثروات النافذين لصالح الفقراء، ووفّر الغذاء، وحصّن القرى، وجنّد المظلومين، فتحولت دعوته إلى حركة جماهيرية واسعة وضعت اللبنات الأولى لدولة قوية.

معارك التوسع والسيطرة:
بدأ بضم لحج وأبين وحضرموت، ثم سيطر على الدملؤة، وفي 291ه هزم جيش ابن زياد في وادي نخلة بتهامة، فسيطر على زبيد وبقية تهامة.

تحرير صنعاء وخروج الرسي
في 293ه، تقدم نحو صنعاء بتحالف قبلي واسع، ودخلها بخمسة آلاف فارس بعد فرار الحاكم العباسي وأعوان الرسي من الطبريين الفرس، وانضمت إليه قبائل همدان وحاشد وبكيل وقادة بارزون، فتراجع الرسي إلى صعدة حتى وفاته 298ه.
أصبح ابن الفضل أول زعيم يوحّد معظم اليمن بعد الإسلام.

الحكم لليمنيين:
رفض على بن الفضل خرافة "الحق الإلهي" وأرسى حق اليمني في حكم نفسه، فوزع السلطة على ولاة من مختلف مناطق اليمن: أسعد الحوالي في صنعاء وذمار، بنو الدعّام في همدان وبكيل، إبراهيم الحكمي في زبيد وتهامة، أبو الفتوح الخولاني في خولان، أحمد الأكيلي في صعدة ونجران، وذو الطوق اليافعي في سرو حمير، وغيرهم، محققا توزيعا غير مسبوق للسلطة.

تفنيد التشويه:
لم يكن سقوط المشروع الإمامي الزيدي أمام ضربات علي بن الفضل هزيمة عسكرية فقط، بل خسارة سياسية ورمزية دفعت خصومه للبحث عن سلاح بديل، وحين عجزوا عن هزيمته في الميدان، لجأوا إلى أخطر الأسلحة عبر التاريخ: اغتيال السمعة، فشنوا حملة دعائية ضخمة استهدفت شخصه وتاريخه، مستخدمين الاتهامات الأخلاقية والتشويه المذهبي، تماما كما فعلوا مع كل من وقف في وجه مشروعهم حتى اليوم، وهنا تبرز مجموعة من الحقائق التي تكشف زيف تلك الروايات.

أولا: مصادر منحازة
أقدم من كتب عن ابن الفضل هو علي بن محمد العلوي – ابن عم يحيى الرسي وقائد جيوشه – ثم ابن سمرة الجعدي بعد قرن، وكلاهما كان خصما مباشرا وجزء من الآلة الزيدية الإعلامية.
يقول د. علي محمد زيد: "ما لحق بابن الفضل من تشويه يعود إلى مؤرخي دعوات أخرى كانت في صراع معه، واستخدمت هذه الاتهامات كدعاية سياسية لإثناء الفقراء عن الانضمام إليه."

ثانيا: تهم متكررة
أئمة الزيدية نسبوا نفس تهم "الإباحية" و"شرب الخمر" لكل خصومهم، مثل الشيخ الدعام وقبائل يام وغيرهم، ما يؤكد أنها دعاية سياسية جاهزة.

ثالثا: القصيدة المسيئة
اتهم الرسيون علي ابن الفضل بالفواحش ونسبوا اليه زورا بأنه قال قصيدة فاحشة مطلعها:
"خذي الدف يا هذه واضربي ... نقيم شرائع هذا النبي"
لكن الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (ج6، ص341) أكد أن هذه الأبيات من شعر مسيلمة الكذاب قبل ميلاد بن الفضل بقرون، كما أورد أبو العلاء المعري أن جزءا منها يعود لشاعر عباسي يُدعى "الصناديقي".
رابعا: شهادات معاصرة ومحدثة
القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي قال في تعليقه على حديث للرسي: "كلمة تبرئ ساحة علي بن الفضل مما رموه به من فظائع".
محمد حسين الفرح نقل عن السلالي أحمد محمد الشامي اعترافه_ بعد ان كتب قصيدة مسيئة لعلي بن الفضل اثناء ثورة سبتمبر_: "أشهد لله أن علي بن الفضل كان ملكا مظلوما، وأن تاريخه هُمّش من قبل أعدائه".
الأستاذ عبدالله الشماحي قال عن بن الفضل: "حمل مشروعا لوحدة اليمن والقضاء على المذهبية، فأثار عليه الزيدية والإسماعيلية، فشنوا عليه دعاية كاذبة."
الدكتور عبدالعزيز المقالح نفى تماما صحة هذه التهم واعتبرها "شائعات خصومه الإماميين"، وله ديوان يحمل اسم الثائر ابن الفضل
الأستاذ والمؤرخ الكبير مطهر الإرياني مدح علي بن الفضل شعرا:
و(ابن الفضل) كم شهدوا حروبا ... أرتهم صولة المستبسلينا
وأشعل ضدهم حربا ضروسا ... وأعلن ثورة المتمردينا
أتى صنعاء يرفع عن ذراها ... مظالم جثمت والفاسقينا

إرثه السياسي والاجتماعي:
ترك علي بن الفضل الحميري إرثا سياسيا واجتماعيا غير مسبوق في تاريخ اليمن، إذ أعاد رسم خريطة البلاد موحدًا معظم أراضيها تحت راية واحدة، ولم يكن مشروعه قائما على العصبية أو خرافة "الحق الإلهي"، بل على فكرة أن الدولة مصلحة عامة تقوم على العرف والعهد، وأن السلطة حق لأبناء البلاد جميعا، كما عمل على إعادة توزيع الثروات المصادَرة من النافذين لصالح الفقراء، مما أرسى شكلا مبكرا من العدالة الاجتماعية.
بنى علي ابن الفضل قاعدة شعبية واسعة من المهمشين والمظلومين. وبتحريره القرار السياسي من التبعية العباسية، وتصديه للمشاريع المذهبية الوافدة وعلى رأسها مشروع الكاهن يحيى الرسي القادم من فارس، وجّه ضربة قاصمة للكهنوت السلالي، وفتح الباب أمام نموذج حكم وطني قائم على إشراك القبائل ومختلف المكونات في إدارة شؤون البلاد.
لقد شكّل حكمه أول هزيمة ماحقة لمشروع الإمامة الزيدية في اليمن، إذ حاصرها في شرعيتها ورمزيتها، لا في ميدان القتال فحسب.

الاغتيال والنهاية:
ظل يحكم حتى وفاته في مذيخرة عام 303ه/915م، وأغلب الروايات تشير إلى أنه اغتيل بسم دسّه له طبيب يُدعى علي البغدادي، بتدبير خصومه الذين عجزوا عن هزيمته عسكريًا، خاصة بعد أن حارب الفاطميين والهادويين معا.

خلاصة:
لم يكن علي بن الفضل قرمطيا أو مبيحا للمحرمات كما صوّرته الدعاية، بل قائدا يمنيا حمل همّ توحيد اليمن واستقلاله، وأطلق أول مشروع عدالة اجتماعية واسع، وخاض اول نصر ناجز ضد ولاية البطنين وخرافة الحق الالاهي ودعاوى الزيدية الإمامية.
فشل خصومه في هزيمته بالسلاح، فاغتالوا سمعته. لكن التاريخ المنصف يعيده إلى مكانته كرمز للثورة على الظلم، ودليل على أن التعافي يبدأ من هزيمة الموروث الإمامي الغازي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.