خاض الإصلاح مساراته الفكرية بخط مرسوم بلا ارتجال ، أحاط هذا السير برافعة القيم ومنها اعترك ميدان السياسة حاكماً ومعارضاً ، زرع في قلوب أعضائه قدسية العدالة وما لها من استحقاق خاص فردي يهذب الإنسان ويقوده إلى مكانة عالية ، واستحقاق عام للعدالة كأصل ثابت لا تستقيم المجتمعات إلا به ولا تبدأ الانتكاسات إلا بعكس الاتجاه بالردة عن العدالة ولو بشكل نسبي التي قد تأتي نتاج الحرب لكنها سرعان ما تتجسد كظاهرة مستمرة لا سلوك يزول بزوال السبب . أجاد الإصلاح بالتعريف عن ذاته منذ الإنطلاقة الأولى فقرأه الناس أعمالاً تداوي جراحاتهم ، تسد حاجاتهم ، تحفظ خصوصياتهم التكوينية ولا تقفز على الحقائق ، تُعلي فيهم حق العيش بكرامة ، نطق الإصلاح بيان التعريف الخاص به من القرى والمدن والجبال والسهول .. في كل اليمن واستمر غيثاً مدراراً لشعبه كحالة ملاذ ومحطة تزويد لا تنقطع ، أنتج هذا الزرع أمان قيمي كبير لدى فئات المجتمع ، تراكم عطاء الإصلاح ، عظمت أفعاله ، عرفه الجميع فلم يتلعثم في تعريفه حتى خصومه ..! وحين زادت حجم المخاطر على ثوابت الوطن كان الإصلاح درعاً ينزف دم أبنائه قيادة وأعضاء لحماية تأريخ أمة وما زال على العهد ... في كل مخاض جديد ينبعث الإصلاح فتياً كامناً للخطوب صلباً يهزم الهزيمة ويحاذر محاولات تعريف نفسه في صفحات وكلمات جامدة تتوسد الإرشيف بل يصنع التأريخ بكل جسارة واقتدار .
تسلح الإصلاح بمبادئه واتخذ من رافعة القيم الوطني حصناً منيعاً لا تتسرب إليه لوثات العصبية بكل أشكالها ، نحت هذا النهج في جذور المجتمع فلم يكن نسخة لأصل عابر بل كان التعريف الأكمل لكفاحات اليمني على مدى عقود ، هو صنيعة يمنية رعاها الله عزوجل بحفظه وشاء لهذا البلد أن يشع نوره منه ، لقد كان الإصلاح قدراً مستحق لليمن منذ الوهلة الأولى ، أعاد للمسؤولية معناها ، واجه الأفكار الهدامة بشجاعة ، أضاء بشموسه جغرافيا اليمن التي تصارع ظلام غبار التأريخ ، تولّى الإصلاح مهمة المواجهة تحت ثوابت الجمهورية اليمنية وفي مدار الدولة ، مد جسور الشراكة مع الجميع ولم يفترق مع أحد إلا إذا تعرضت مكاسب الشعب لأي مهدد ، خلق الأفكار لتهذيب حياة الجميع ، دفع الأثمان بكل مرحلة ، فتح منافذ العبور للآخر وبكل حضور ذهني يخاطب الندّ بكل مشترك ، يفاخر بكل خطواته لأنها احتياج لغيره لا مكسباً له ، هو الأب والأخ والرفيق والنور في طرائق اليمن السعيد .
ملئ الإصلاح خزائن اليمن بثروات الرجال من انتاج ميادين النضال ، فكانوا خلاصة الكفاح الوطني ، ذخائر الكرامة لبندقية اليمن في كل معركة ، هذا الإمداد الزاخر بالإباء تم تسمينه بعجينة الكرامة لمواجهة أزمنة يشيع فيها جوع القيم وظمأ المبادئ ، تفادى الإصلاح حصار صلاحية الأفكار وتقادمها بحيث ألزم كيانه بمادة خام هي سر ارتباطه الوثيق بالمجتمع بكل زمان وفي كل مكان ، إنه خام ((الوطن أولاً )) فكانت كل منتجاته تلبي احتياج الدولة في كل منعطف وتغذي مكامن النقص في خنادق العمل الوطني ودروبه ، تمحور فعل الحزب وقراره حول الوطن ، لم يأبه بالثمن ، أبقى جسده صحيحاً من أمراض الأنانية والخيانة ، اكتسب مناعة صلبة نتيجة حليب الفكر الخام من الأم اليمن وحاشاه تغذية ملوثة فهو المكتفي بيمنيته عن سواها .
رعاية الأفكار الكبيرة تتطلب كيان يقاوم هجمات الشيخوخة المبكرة بالحركة المستمرة لأن السكون يجلب النهايات بفعل ذاتي ، وعي الإصلاح بممتلكاته وأصوله الحصرية تفرض عليه مراقبة السير العام حتى لا يأتي يوم يرى نفسه متأخر عن المجتمع سنوات عديدة ، يُحسن الإصلاح توصيف حالة خارجه ومحيطه ونمتلك الثقة بأنه يفقه داخله جيداً فلا يحق له الاستشفاء من تبعات النضال وامتداد حالة الحرب بدواء الترحيل ، بل لزاماً عليه أن يكون طبيب نفسه وملاذ محتواه ، في ذكراه الخامسة والثلاثين يحاصر الإصلاح حصاره ، يجلب لوازمه من لوائح للتطوير والتحديث كترجمة عملية لمفاهيم الرائد الذي لا يكذب أهله ..
نفخر بإصلاحنا اليمني عهدة رجال اليمن ، المكسب الجمهوري السبتمبري ، الفارس اليماني في ساح الكفاح ، أسطورة النضال المتقد وعنفوان العطاء الذي لا ينضب ، في ذكراه نمنح دواخلنا مساحة للزهو بمسيرة حافلة باليقين الثابت لممكنات الحلم .
تقبل الله نضالكم أيها الإصلاحيون ، نحو الفاعلية والعمل والتقويم المستمر ، جراحكم لا تنسيكم تعريفات الطريق ، آمالكم لا تكسرها أزمنة الخذلان ، الانبعاث الدائم هو ما يليق بكم ، زكّى الله أرواحكم وطهر الله سعيكم من سقطات الخطى ، كل عام وأنتم وهجُ لا ينطفئ ، كل عام والصلاح دربكم والخير هديتكم والعطاء أكسجين بقائكم ..