كل شعب حر، أو مجتمع حي يقف على أرضية مشتركة واحدة، و بتعبير آخر له في ثقافتنا تأصيل؛ يقف على سفينة واحدة. مَن على ظهر هذه السفينة يحرصون على سلامتها؛ لأن في سلامتها سلامتهم؛ أمنا و استقرارا، و حياة. و في اضطرابها قلق،و فزع، و خوف من الدمار.
اليمن سفينة كل اليمنيين، و الحفاظ عليها، و الدفاع عنها، و بذل الجهود لتأمين سلامتها واجب الجميع بمختلف أطيافهم و ألوانهم، و مشاربهم. و أي محاولة لإحداث خرق فيها فهو عمل يهدد الجميع.
الطموحات الصغيرة، و المشاريع الضيقة، تقفز على الأرضية المشتركة، و تتجاوز نقاط الوحدة و الاتحاد الكثيرة الجامعة، لتتقزم بمنطق ملوك الطوائف، فتَغرَق بنقطةخلافية، و تتكوّم في زاوية من السفينة ، و على شبر من الأرض بِوَهْم أن تبني عليه أوهامها، و أحلامها و مزاعمها، بعقلية أبي عبدالله الصغير في غرناطة، أو بني الأفطس في بطليوس، أو المعتمد بن عباد في إشبيلية ... و غيرهم ممن شاركوا في تحطيم بلاد الأندلس و تدمير السفينة ، و تقطيع الأرض ، و تحويل السفينة إلى قوارب لا تنجي من غرق ، و لا تصمد لعاصفة ، و شطب كل نقاط القوة من وحدة و اتحاد، و التشبّث بنقطة الخلاف و الشقاق ، التي ما عادوا معها يرون الدنيا و الحاضر و المستقبل إلا من خلال شقوق ضيقة في نقاط الخلاف ، و تحولت الأندلس الدولة الواحدة التي مثّلت مركز الإشعاع الحضاري مدة طويلة من الزمن ، إلى قرى ، و مدن ممزقة و بمسميات تشبع غرور الصغار، فإذا بتلك القرى و المدن قد غدت بمسميات ممالك ، و هي حالة لخصها ابن شرف الأندلسي بقوله:
مما يُزَهّدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها و معتصم
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يَحكي انتفاخا صولة الأسد
البلد الذي يُقَطّع يسهل التهامه، و الجسد الذي يتمزق يسهل أكله.. و هكذا كانت عاقبة ملوك الطوائف.. أرسلتها عائشة الحرة، كلمة باقية، تخاطب فيها الكبار؛ ليتعظوا فيتجنبوا مصارع الضياع، و تُنبه الصغار كي لا ينقادوا لمغريات التقزم، قالت عائشة الحرة توبّخ ابنها أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة الذي سلم مفاتيحها للفرنج،و غادرها باكيا :
إبكِ مثل النساء ملكا مُضَاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال
عشاق نقاط الخلاف الصغيرة ؛ صغار مثلها، و المهووسون بالمشاريع الضيقة ؛ ضَيّقُو الأفق، و هذه العقليات المسكونة بحب النقاط الخلافية، و سهولة قيادة القوارب الصغيرة يتعامون عن إدراك مصير سلفهم أبي عبد الله الصغير. فنقاط الخلاف الصغيرة القليلة، تكون على حساب نقاط القوة و النقاط الكثيرة المشتركة، و الطموح المتقزم يكون على حساب الطموح الكبير الجامع.
اليمن، الشعب، الحرية، العدالة، الوحدة و الاتحاد، الجيش الوطني، المشروع الوطني الجامع .. هذه أسس لا ينبغي أن تكون محل تنابز او تحقير، أو تناولات تهكمية.
من مثال ذلك ؛ تلك التناولات التي ذهبت تفتري على تعز و تصورها كأنها غابة متوحشة، أو تقلل و تحقر من شأن جيش و أمن تعز. و كل أولئك الذين يتناولونها،يعيشون بأمن و سلام فيها بفضل الله، و بسبب صمود و كفاح و مقاومة هذا الجيش، الذي بلا مرتبات، و لا تغذية.
إن على كل يمني حر أن يتنبه من إعادة الحملات الإعلامية المغرضة التي سبقت يوم 21 سبتمبر النكبة، الذي مهد الطريق لذلك الانقلاب الكارثة، و هناك من يريد اليوم أن يعيد و يكرر ذلك العفن الإعلامي في خدمة واضحة لكل حر أنها إنما تخدم المشروع الظلامي للحوثي، الذي هو العدو للحاضر و المستقبل و واجب اليمنيين جميعا التصدي له بكل قوة.