استبشر الناس خيرا بتعافي الريال أمام العملات الأجنبية رغم ما يشوب هذا التعافي من غموض ومن قفز على الواقع. واستبشروا تبعا لهذا التعافي بهبوط الأسعار في مختلف المشتريات والسلع. وخاصة تلك التي تمس حياتهم اليومية من مواد غذائية وأدوية وغيرها. مما عزز من ثقة الناس في هذا التعافي وفي تراجع الأسعار تلك الحملات التي قامت بها الأجهزة الحكومية في الأسبوع الأول الذي تلا تحسن الريال. خاصة وأن هذه الحملات قامت بإغلاق محال تجارية عديدة بسبب عدم التزامها بمستجدات التسعيرة وبيعها بأسعار ما قبل هذا التحسن. وكان من نتائج هذه الحملات إلزام التجار بكتابة التسعيرة الجديدة وإبرازها بخطوط كبيرة وواضحة في أبواب المحلات.
وقد اعتقدت الأجهزة الحكومية أنها بذلك قد أدت كل ما عليها. فانسحبت من الشارع وعادت إلى مقارها سالمة. وبهذا الانسحاب وجد التجار فرصتهم الذهبية في التلاعب بالأسعار بشكل أشد وأعتى وفي إخفاء بعض السلع رغم وجود تلك اللوحات المعلقة على أبوابهم. وفي أحسن الأحوال فإن التراجع في الأسعار جاء دون الثلاثين في المئة رغم أن التحسن في سعر الريال وصل إلى خمسين في المئة.
القطاع الصحي كان الأسوء في هذا المعترك. فلا المستشفيات خفضت رسوم خدماتها المختلفة ولا الصيدليات عدلت شيئا من أسعار الدواء رغم وجود قوائمة طويلة عريضة بالأسعار الجديدة قامت شركات التوزيع الدوائية بتوزيعها على مختلف المخازن والصيدليات. وتعليقها في مكان بارز إشهارا لنزاهة مزيفة.
وحين يدخل المريض باحة هذه الصيدليات يجد الأسعار قد عدلت فعلا ولكن إلى الأعلى والأغلى فإذا ما أبدى تبرمه وسخطه أشاروا عليه بتلك القوائم التي كتب معظمها باللغة الإنجليزية ويصعب على أكاديمي متخصص بأسماء الأدوية أن يجد اسم دوائه المطلوب في تلك القوائم المكتظة. ناهيك عن مريض مثقل بالألم يستطيع بالكاد قراءة اسم الصيدلية.
ومن هنا فإن بقاء الرقابة الحكومية حاضرة في الأسواق أمر ضروري ولا مناص منه. ولو أن هذه الرقابة قامت بحملات تفتيشية ورقابية مفاجئة. وضبطت عددا من المخالفين سواء بالمواد الغذائية أو بالأصناف الدوائية أو بمختلف المشتريات وعاقبتهم العقاب الرادع لما تجرأ أحد منهم على استغلال حاجات الناس ورفع أسعار السلع بذلك القدر المجنون.
إن ترك حبل الرقابة على الغارب أمر غير مقبول. ومالم تعد الرقابة لأداء دورها بشكل مسئول ومستدام فإن حمران العيون من التجار لن يقفوا بالأسعار عند حد. وبذلك يقف المسئولون والتجار عديمو الضمير في خندق واحد ضد المواطن الأعزل الذي يراد له اليوم أن يجوع ويعرى تحت سمع وبصر حكومة استطاعت كبح جماح الصرافين المضاربين بالعملة. ولم تستطع كبح جماح المضاربين بأقوات الناس.