يعكس توحد خطاب القوى السياسية وصدور بيان مجلس النواب وبيان الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى جانب التصريحات الحازمة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والحراك الإقليمي والدولي المتصاعد، تشكّل لحظة سياسية ذات دلالة عميقة، تُعيد تثبيت أولوية الدولة ومؤسساتها وترفض بوضوح أي إجراءات أحادية من شأنها تهديد السلم الأهلي أو المساس بوحدة القرار السيادي. هذا التزامن لا يمكن التعامل معه كمجرد تقاطع مواقف، بل بوصفه تعبيرًا عن إدراك وطني وإقليمي متقدم لخطورة المرحلة وما قد يترتب على تعدد مراكز القرار أو فرض الوقائع خارج الأطر المؤسسية في توقيت لا يحتمل مغامرات سياسية أو حسابات ضيقة. الدولة كخط أحمر المواقف جاءت رفضا للإجراءات التي شهدتها حضرموت والمهرة من قبل المجلس الانتقالي والتي تضمنت السيطرة على مؤسسات حكومية، ما شكلت تهديداً واضحاً للسلم الأهلي ووحدة القرار السيادي ويعيد إنتاج هشاشة سياسية سبق أن دفعت البلاد أثماناً باهظة. الرسالة المركزية التي حملتها المواقف الأخيرة تؤكد أن الدولة بمؤسساتها الدستورية والأمنية تمثل الإطار الجامع والوحيد لإدارة الخلافات وتسويتها. أعادت هذه المواقف الاعتبار لمفاهيم محورية في مقدمتها وحدة القرار الأمني واحترام المؤسسات والاحتكام للمرجعيات الوطنية، باعتبارها شروطا لا يمكن تجاوزها تحت أي ذريعة، ووضعت الإجراءات الأحادية ضمنيا وصريحا في خانة الخطر الوطني، باعتبارها تهدد الاستقرار وتفتح الباب أمام فوضى القرار وتعيد إنتاج هشاشة سياسية دفعت البلاد أثمانا باهظة سابقا. بيان الأحزاب.. محطة فارقة يمثل بيان الأحزاب والتنظيمات السياسية محطة فارقة في هذا المشهد إذ كشف عن انتقال القوى السياسية من مربع التباينات إلى مساحة التوافق المسؤول مؤكدًا أن حماية الدولة لا تحتمل الاصطفافات الرمادية ولا تقبل التعايش مع منطق فرض الأمر الواقع. وتكمن أهمية البيان في كونه عبّر عن إجماع عابر للاعتبارات الحزبية والأيديولوجية ورسخ قناعة بأن الخلاف السياسي المشروع يجب أن يدار داخل مؤسسات الدولة، لا على حسابها أو خارجها. البرلمان.. تثبيت السقف الدستوري أما بيان مجلس النواب وان تأخر ، فقد منح هذا التوافق بعده الدستوري والقانوني، عندما حذر من مخاطر أي تصعيد أو إجراءات منفردة على السلم الأهلي ووحدة القرار، مؤكدًا أن البرلمان يقف مع حماية مؤسسات الدولة باعتبارها التزاما دستوريا لا يقبل التأويل أو التجزئة. وشكّل موقف البرلمان بذلك غطاءً تشريعيا للإجماع القائم وركيزة مؤسسية تعزز من تماسك الشرعية في مواجهة محاولات تشظية القرار أو الالتفاف على المرجعيات. السعودية دعم الاستقرار في موازاة هذا الحراك الداخلي يبرز الدور السعودي بوصفه عامل توازن إقليمي داعم للاستقرار من خلال خطاب مسؤول يؤكد دعم مؤسسات الدولة اليمنية والحفاظ على وحدة البلاد والدفع باتجاه الحل السياسي كخيار وحيد لتجنيب اليمن مزيدًا من التعقيد والانقسام. ويأتي هذا الدور منسجما مع توجه دولي أوسع يسعى إلى تثبيت التهدئة وحماية المسار السياسي ومنع أي خطوات أحادية قد تعيد خلط الأوراق في لحظة حساسة. حيث أكد رئيس الوفد السعودي إلى حضرموت، اللواء محمد القحطاني، موقف المملكة الثابت في دعم التهدئة ووقف الصراع في حضرموت، موضحا مطالبة السعودية "بخروج كافة القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظتي حضرموت والمهرة وعودتها إلى معسكراتها ومقراتها، وأن تتولى قوات درع الوطن مسؤولية وحماية المعسكرات في حضرموت والمهرة". مفترق طريق ما يميز هذه اللحظة ليس فقط وحدة الخطاب بل وضوح الخيارات، إما الالتزام بمنطق الدولة والمؤسسات أو الانزلاق إلى فراغ سياسي وأمني لا يخدم سوى مشاريع الفوضى. وفي بلد أثقلته الحرب والانقسامات يبدو الإجماع الوطني المتشكل اليوم بمثابة خط دفاع أخير لحماية الاستقرار وحدّ فاصل بين السياسة باعتبارها إدارة رشيدة للخلاف، والمغامرة التي يدفع ثمنها الوطن بأكمله.