أبدت المملكة العربية السعودية موقفًا صارمًا تجاه التحركات العسكرية التي نفذها المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة، حيث أكدت رفضها الكامل لأي خطوة منفردة تمس استقرار المحافظتين أو تهدد شرعية الدولة اليمنية ومؤسساتها المعترف بها دولياً. ومنذ الوهلة الأولى لتصعيد الانتقالي، تحركت الرياض سريعًا عبر وفد رسمي رفيع وصل حضرموت بقيادة اللواء الدكتور محمد القحطاني، في خطوة لتعزيز التهدئة ومنع انزلاق الأوضاع نحو صراع جديد، إضافة إلى تثبيت سلطة الدولة ورفض أي محاولة لفرض أمر واقع بالقوة.
وإلى جانب الموقف السعودي الرسمي، انطلقت حملة إلكترونية واسعة تصدرها كتّاب وإعلاميين وناشطين سعوديين، الذين شددوا على أن الرياض لن تسمح بخلق واقع عسكري جديد في المحافظتين، وأن حماية الاستقرار ودعم الشرعية يمثلان نهجًا ثابتًا في سياستها تجاه اليمن.
وجاءت الرسائل السعودية - رسمية وشعبية- متناسقة في مسار واحد يؤول إلى رفض التحركات الأحادية، دعم الشرعية، تثبيت الاستقرار، والتشديد على أن القضية الجنوبية عادلة لكنها لا تُختزل في المجلس الانتقالي أو قياداته، ولا تمنح أي طرف تفويضًا لفرض السيطرة المسلحة.
موقف رسمي واضح
أكد رئيس الوفد السعودي اللواء محمد القحطاني أن المملكة تبذل جهودًا حثيثة لإنهاء الأزمة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التحركات الأحادية، مشيرًا إلى أن الرياض تتحرك لضمان التهدئة وحماية حضرموت والمهرة من أي توتر أو صراع داخلي.
وخلال لقائه وجهاء وأعيان وادي وصحراء حضرموت، شدد القحطاني على رفض المملكة لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، مؤكدًا أن حضرموت محافظة مركزية للاستقرار، وأن إدخالها في مشاريع سياسية أو عسكرية ضيقة يمثل تهديدًا مباشرًا للسلم المحلي والإقليمي.
وأوضح القحطاني أن أبناء حضرموت هم الأقدر على إدارة محافظتهم ضمن مؤسسات الدولة الشرعية، وأن المملكة لن تسمح بجر المحافظة إلى صراعات أو تحويلها إلى ميدان نفوذ، مؤكدًا مطالبة الرياض الواضحة بخروج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة.
وأشار المسؤول السعودي إلى أن القضية الجنوبية عادلة لكنها لا تبرر استخدام القوة أو تجاوز مخرجات الحوار الوطني، مؤكدًا أن المملكة تربطها باليمن علاقات تاريخية وأخوية، وأن دعمها للحل السياسي الشامل يقوم على أسس جامعة لا تقبل التفرد أو الإقصاء.
تجاوز خطير ومرفوض
أكد الكاتب والمحلل السياسي السعودي د. تركي القبلان أن الموقف السعودي من حضرموت ينبع من رؤية أشمل للأمن اليمني والإقليمي، مشيرًا إلى أن المحافظة ليست ساحة قابلة لفرض أمر واقع، بل كيان اجتماعي متمايز لا يمكن إخضاعه بقوة السلاح أو الغلبة.
وأوضح القبلان أن قضية الجنوب عادلة لكنها لا تُختزل في المجلس الانتقالي ولا في قيادته، وأن احتكار تمثيلها خطأ استراتيجي يفاقم الانقسام ولا يخدم المصلحة الجنوبية، مؤكدًا أن السعودية تفصل بين العدالة السياسية ورفض التفرد العسكري بأي شكل.
وبيّن أن إدخال حضرموت في مشروع عسكري لا يحظى بإجماع أبنائها يعد تجاوزًا خطيرًا، وأن مطالبة المملكة بخروج قوات الانتقالي من المحافظة خطوة ضرورية لحماية النسيج الاجتماعي ومنع عسكرة الجغرافيا الحساسة التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لليمن والمنطقة.
وأشار إلى أن المشروع الجنوبي الجامع لا يمكن أن يُبنى على الإقصاء أو الفرض، وأن رؤية السعودية تنطلق من دعم الحل السياسي الشامل الذي يضمن مشاركة الجميع، لا تكريس سيطرة طرف واحد، مؤكدًا أن استمرار الرياض في هذا النهج يمنع تفجر صراعات جديدة.
دعم الشرعية ورفض فرض الواقع
بدوره، قال الصحفي والمذيع السعودي مالك الروقي إن أي محاولة لاختبار التزام السعودية تجاه الشعب اليمني مصيرها الفشل، مؤكدًا أن المملكة تضع استقرار حضرموت والمهرة ضمن أولوياتها، وأن فرض التهدئة فيهما التزام لا يتغير ولا يخضع للمساومة.
وأضاف الروقي أن خروج قوات الانتقالي "قرار وليس خيارًا"، مشيرًا إلى أن القضية الجنوبية يجب أن تُناقش في طاولة التسوية السياسية، لكن المجلس الانتقالي وقياداته لا يملكون الحق الحصري في تمثيل الجنوبيين أو اتخاذ القرارات نيابة عنهم.
وشدد على أن أي تحركات أحادية تهدد السلم المجتمعي وتعيد اليمن إلى مربع الفوضى، مؤكدًا أن المملكة ملتزمة بحماية حقوق اليمنيين ودعم الدولة الشرعية التي يجب أن تكون الإطار الجامع لإدارة المحافظات بعيدًا عن المشاريع المتفردة.
وأشار الروقي إلى أن الرياض لن تقبل بفرض أمر واقع في حضرموت، وأن دعمها للشرعية ليس موقفًا إعلاميًا بل التزام سياسي وأمني، هدفه حماية اليمن من الاحتراب الداخلي ومنع القوى المسلحة من رسم حدود نفوذها بالقوة خارج إطار الدولة.
تحذيرات من التحركات الأحادية
أكد الصحفي السعودي عبدالله آل هتيلة أن اليمنيين شمالًا وجنوبًا يرفضون سيطرة الانتقالي على حضرموت، وأن أي تحرك يخلق مناخًا من عدم الثقة والتوتر، مشيرًا إلى أن السعودية تعتبر المحافظة خطًا أحمر ولن تسمح بفرض واقع جديد بالقوة.
وأشار آل هتيلة إلى أن القضية الجنوبية جزء أصيل من أي عملية سياسية، لكنها ليست ملكًا لمكوّن واحد ولا تُدار بمنطق الإقصاء، مؤكدًا أن اختزالها في المجلس الانتقالي أو في شخص عيدروس الزبيدي يضر بالجنوب ويعمّق الانقسام الداخلي.
من جانبه، أوضح الكاتب السياسي السعودي عشق بن سعيدان أن التحركات الأحادية تشكّل ضربة للمركز القانوني للدولة اليمنية، وأن الخروج عن الشرعية يُعد تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وقد يضع أي جهة تتبنى هذا النهج في دائرة التنظيمات الخطرة أمام المجتمع الدولي.
وأضاف بن سعيدان أن السعودية تتعامل مع الجنوب بعلاقة أخوية راسخة، وترى قضيته عادلة، لكنها ترفض استغلالها لفرض السيطرة العسكرية، مؤكدًا أن الحل السياسي الشامل هو الإطار الوحيد الذي تدعمه المملكة وأن أي التفاف عليه يشكل خطرًا متعدد المستويات.