أطرح على القراء الصائمين هذه الأسئلة: لماذا تنزل الملائكة والروح؟ لماذا عظم الله ليلة القدر؟ ولماذا جعل أجر العامل فيها خيراً من ألف شهر؟ ولماذا تنزل الملائكة والروح فيها.... حتى مطلع الفجر؟ ولماذا جعلها الله في العشر الأوخر بدون تحديد؟ إن الله تعالى أخبرنا بأن القرآن نزل في شهر رمضان ففي سورة البقرة وهي وسط أيات الصوم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(البقرة: 185). وأخبرنا الله عن ليلة القدر في سورة الدخان وفي سورة القدر ففي الآيات 3-6 من سورة الدخان: . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(5)رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6). وفي سورة القدر: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1). ومن هذه الآيات يأتي الجواب على سؤال: لماذا عظم الله ليلة القدر؟ لأن حدث في هذه الليلة لقاء الروح الأمين مع الصادق الأمين، وكان أول أمر سماوي يوجه لمحمد صلى الله عليه وسلم هو: أمر بالقراءة فقد ضم جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم وقال له اقرأ، فقال ماأنا بقارئ فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ثم ضمه مرة أخرى وقال: اقرأ. فقال: ماأنا بقارئ، ثم ضمه مرة ثالثة وأمره أن يقرأ وأسمعه ماذا يقرأ: (اقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1). وهذه إشارة سماوية بأننا أمة اقرأ ولما كنا أمة اقرأ قدنا العالم، ولما تخلفنا في القراءة الحضارية والاجتماعية والسياسية أصبحنا أميين قادنا حكام أغبياء وجهلة و(كيفما تكونوا يولى عليكم). إن الله اختار ليلة القدر العظيمة لحدث عظيم، وهو اتصال السماء بالأرض بعد انقطاع رسالة السماء بعد عيسى عليه السلام، أن حدث أول لقاء للوحي لهو أعظم لحظة زمنية مرت بها البشرية في تاريخها، فهو ضخم وعظيم بعظمة الرسالة، وهو القرآن عظيم بحقيقته وعظيم بدلالته وعظيم بآثاره على حياة البشرية إلى قيام الساعة، فالله الكريم الرحيم الودود العادل الذي قال في الآية «15» من سورة الإسراء: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)، فهاهو قد أرسل رسالة هي القرآن، وكلف جبريل بتبليغها وشرحها لمحمد صلى الله عليه وسلم ليقوم محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى هو وقومه العرب بتبليغ الرسالة للعالم كافة: (نزل به الروح الأمين) (الشعراء:193). وهذه مسئولية أخبرنا الله بها: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف:44) ولقد أحس رسول الله وصحابته أن يد الله تنقل خطوتهم المكي في مكة إلى خطوة الأسرة والمجتمع والدولة في المدينة، وكل ذلك في إطار التخطيط البشرى والأخذ بالأسباب المتاحة، كما أخبرنا الله تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً)(الإسراء: 105-106) إنها المرحلية في التغيير. إن نزول الوحي في ليلة القدر كان مفرق الطريق كما قال تعالى في افتتاح سورة الفرقان: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا(الفرقان:1)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء: (107). إن حدوث نزول الوحي هو بداية الإعلان السماوي لإقامة القيم العالمية الواضحة في حياة البشرية، وعلى رأس هذه القيم قيمة الحرية كمفتاح للدخول إلى الإسلام، ومفتاح لدخول الجنة، وبهذا كان الركن الأول من أركان الإسلام الشهادة (لاإله إلا الله، محمد رسول الله) والتي هدفها تحطيم كهنوت الشرك الديني البشري، وتحطيم الكهنوت السياسي القبلي، وتحطيم أصنام الجهل والشعوذة في العقول، وترسيخ قيم الربانية، والإنسانية، والعالمية، والعدالة، والمساواة، والتوازن، والأخوة، والرحمة، والسلام والتسامح، وهذه المبادئ هي التي تتطلع إليها البشرية في كل زمان ومكان، وهي المبادئ الملهمة لأحرار العالم ليتخلصوا من الظلم والاستبداد والتمييز العنصري، وأن أي تغير لا ينطلق من هذه المبادئ فهو تغير غير إسلامي، وإنما هو تغير قبلي أو مذهبي أو سلالي عنصري مقيت، أو دكتاتوري عسكري همجي، أو عسقبلي متخلف كما هو حاصل اليوم.