شدَّني العالم المجاهد/ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية أطال الله في عمره وأجبرني على متابعة برنامج بلا حدود "يوم الأربعاء الماضي " مع الإعلامي المتألق/ أحمد منصور وكانت الحلقة مخصصة عن التجربة التونسية لحكم حركة النهضة وما يميِّزها عن التجارب الأخرى وأُعجبتُ أيَّما إعجاب بطرح الشيخ/ راشد فقد كان طرحاً متميزاً ورائعاً منيراً ومستنيراً ووضع النقاط على الحروف والبلسم على الجروح، وعندما سأله المذيع عن ترك حركة النهضة السلطة لغيرها بالرغم من الأغلبية التي حازتها في الانتخابات أجاب بكلِّ صراحةٍ ووضوحٍ وشفافيةٍ قائلاً: تركنا السلطة ليس لأننا زاهدون بها، ولكن وازنَّا بين البقاء في الحكم أو التنازل عنه، فتنازلنا حتى يتمَّ صياغةُ الدستور، وتمَّ تشكيل حكومة وفاق من التكنوقراط مع صياغة دستور جديد لكلِّ التونسيين واخترنا الديمقراطية وربحناها وكان التنازل من أجل وطننا تونس وقلنا الخيار الديمقراطي ينجح وتونس تربح، والمرحلة الانتقالية لا يكون فيها سلطة ومعارضة وإنما حكومة وفاق وطني وتأسيس للديمقراطية، وقدنا بلادنا إلى بر الأمان مع وضع القطار في سكَّتِه الصحيحة وبشكل متميز وذلك بالديمقراطية التشاركية بدلاً عن الديمقراطية التصارعية، وعندما سأله مقدم البرنامج عن أن الجيش ربَّما يقوم بانقلاب كما حدث في مصر أجاب بقوله: الجيش التونسي مختلف عن الجيش المصري فهو جيشٌ محترف وليس فاعلاً سياسياً، وكان مما قاله في هذا اللقاء الممتع والرائع: أنَّ الإسلام لم يعد محل نزاع في تونس ولا محل احتكار من أحد بعد ثورات الربيع العربي بدايةً بالربيع التونسي، حيث كان من يصلي في العهد البائد محل رصد ومراقبة ويُتَّهمُ بأنه إخواني ولذلك كان الناس يتخفُّون في صلاتهم أمَّا الآن فالحمد لله المساجد ممتلئة بالمصلين، كما أصبح المسجد حرَّاً ولم تعد المنابر دعايةً للحزب الحاكم، ولم يعد الحجاب محظوراً كالسابق، وليس من مهمة الدولة فرض الإسلام وإنَّما حفظ الحرية والأمن لكلِّ النَّاس وفي النهاية " لكم دينكم ولي دين " ، " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ، ورحم الله أبا الأعلى المودودي والشهيد الثائر سيد قطب اللذان عرَّفا الإسلام بقولهما: الإسلام ثورةٌ تحريريةٌ شاملةٌ ومهمة الرسالة تحرير البشرية من الاستعباد والقهر والاستبداد وكل الضغوط التي تحرم الإنسان حرِّيته، وكل عمل لا ينطلق من حرية الإنسان لا قيمة له عند الله ، وكل عمل لا يُبتَغى به وجه الله لا قيمة له وشرط العمل الصالح أن ينبني على نيَّة صادقة وعملٍ صحيح ، والناس من قديم فيهم الصالح والفاسد، ودولنا دولٌ إسلامية ما دامت دساتيرها تنصُّ على ذلك، وعندما سأله المذيع عن أنَّ حركة النهضة منغلقة أجاب بقوله: نحن حركة إسلامية منفتحة على العالم بأجمعه وليست منغلقة مطلقاً وقال إن الغرب تقدَّم في الحكم بحكم تقيِّده بالقانون بعكس ما نحن فيه وعليه من الطغيان والاستبداد والحاكم الفرد الديكتاتوري وقال إن الثورات الربيعية هي ثورات شباب والمطلوب والأصل والعدل والواقع يقتضي أنْ يتصدَّر الشباب المشهد ونشجعهم في أن يأخذوا مواقع متقدِّمة في الحكم والسياسة، مشيراً أنه لن يتولى أي منصب في تونس حيث الوقت يبدو متأخراً ولم تكن لديه هذه النية ولن تكون وقال إن أبواب حركة النهضة متفتِّحةٌ لكلِّ التوانسة وعلينا أن نتحرَّر من مرحلة السِّرِّية علماً بأنَّ كتلة النهضة في مجلس الشعب التونسي نصفها من النساء والنصف الآخر من الرجال والعدد الكلي تسعون فرداً والحركة الإسلامية عموماً وسطية ترفض العنف للوصول إلى الدولة وتعترف بالتعددية السياسية وفي ختام اللقاء ذكر بأن هناك خطراً إرهابياً أودى بالعشرات وهناك زعماء سياسيون تمَّ اغتيالهم في تونس ولا ينبغي أن نهوِّن أو نهوِّل من خطر الإرهاب فالإرهاب يجب أن يُدانْ من أيِّ مصدرٍ كانْ ونحتاج لمزيدٍ من التدرب على الحرية والديمقراطية وزهرة واحدة لا تصنع الربيع وإنَّما بالانتخابات المتكرِّرة نعمِّق الديمقراطية، وإن كان هناك من تعليق من قبلي على هذا اللقاء الرائع والشيِّق فأقول: حريٌ بالحركات الإسلامية عموماً والحركة الإسلامية خصوصاً في اليمن أن تتخذ من أمثال المفكر الإسلامي العظيم والعالم الجهبذ الكبير / راشد الغنوشي رمزاً وأسوةً وقدوةً في هذا الزمن الرَّدي، زمن العتمات الداجيات والظلمات الحالكات فالشيخ جسَّد ومثَّل الإسلام تمثيلاً حقيقياً وواقعياً وينطبق عليه قوله صلَّى الله عليه وسلم: " العلماء ورثة الأنبياء " فهو صاحب نظرات ثاقبة ويمثِّل السَّماحة والوسطية والاعتدال والتعايش والأفق الواسع فما أحرى بالحركات الإسلامية في اليمن وغيرها أن تنهج نهجه وتقتبس من أنواره وأفكاره ورؤاه النيِّرة والمستنيرة.