أي اتفاق لحقن الدماء يحسن الترحيب به والحثّ على تطبيقه؛ مهما بدا فيه التنازل لصالح الطرف المعتدي، فالعبرة بالمآلات والنتائج، ولقد ظللنا نشعر بالحزن كلما وصلتنا أخبار وصور ضحايا القتال في عمران وما جاورها، لاسيما أولئك الأطفال الذين تم سوقهم إلى أتون معركة خاسرة يقتل فيها المسلم أخاه المسلم من دون أي مسوّغ، والمكان الطبيعي لأولئك الأطفال والشباب المدارس لا المتارس، ومواقع البناء والإعمار، لا ساحات الخراب والدمار!! إن الواجب إنهاء ذلك الإصرار على تقسيم اليمنيين إلى مسلمين وتكفيريين؛ وهم المشهود لهم بالإيمان والحكمة من قديم الزمان، وفي القرآن على لسان الملكة (بلقيس) " قالت: ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "، فلا مجال للزعم بخروج الشعب اليمني عن الملة السمحة، واستباحة دماء أبنائه وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم وممتلكاتهم تحت أي حجج واهية، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم دمه وماله وحسابه على الله تعالىٰ... آثار الحروب كارثية ليس فقط على المواطنين الذين فقدوا أمنهم واستقرارهم؛ وإنما على جماعة الحوثي نفسها التي تفقد كل يوم أعداداً هائلة من مقاتليها، وكميات كبيرة من إمكاناتها وعتادها، إضافة إلى الآلام والأحزان والخوف الذي تتركه في كل المناطق التي يصل إليها مسلحوها!! يبقىٰ صمود الجيش في عمران أمام عشرات الهجمات من كل اتجاه ولعدة أشهر هو الذي سيفرض إحلال السلام، ودخول الطيران في المواجهة رسالة يجب أن يفهمها الجميع بأن ( أمن عمران من أمن العاصمة صنعاء ) كما قال الأخ رئيس الجمهورية، وهناك تلويح دولي بتصنيف جماعة الحوثي من ضمن المنظمات الإرهابية، لعل كل تلك العوامل تساعد على تنفيذ ما يتم الإتفاق عليه لإنهاء المواجهات، وتظل الدولة ضامنة لجعل الاتفاقات دائمة وليست إلى حين... ربما كان الأولىٰ باللجنة الرئاسية - قبل أن تبحث عن أي اتفاق جديد - أن توقف المواجهات وتمنع استمرار الإعتداء على المواطنين ونهب ممتلكاتهم ونسف منازلهم، وتحدد الطرف الذي لم ينفذ الاتفاقات السابقة، وتحمّله المسؤولية، ولا بأس بوضع برنامج عملي مزمن يؤدي لعودة الاستقرار إلى كل المناطق المنكوبة وتأمين الطريق من صنعاء إلى صعدة وليس إلى عمران فقط، وكذا عودة جميع النازحين إلى ديارهم، إذ يجب أن يتعايش اليمنيون ويتشاركوا في بناء وطنهم ويقبل كلٌ منهم بالآخر من دون قهر ولا عنف ولا استكبار. الحقوق لا تسقط بالتقادم، ومن حق المواطنين المُعتدَىٰ عليهم أن يحصلوا على التعويض الكامل عن منازلهم المدمّرة، وتعويض أسر شهدائهم، وإعادة بناء مدارسهم ومساجدهم المُفجَّرَة، وهذا أقل القليل إذا كنا نبحث عن السلم الاجتماعي ونؤسس للتعايش والقبول بالآخر، ولا يهمّ أن يدفع التعويض الجناة أو الدولة، وسيكون لزاماً على جماعة الحوثي إعادة جميع السجناء الذين تم تهريبهم من السجن المركزي بعمران، ولاسيما القتلة والمجرمون الصادرة بحقهم أحكام قضائية.. كثيرون شعروا بأن السلطة تضعف نفسها وتبدو ذليلة مهزومة في الموافقة على اتفاق جديد يبدو مجحفاً، لكني اختلف مع تلك النظرة، فالدولة تظل قوية ولديها القدرة على الحزم والحسم حين تكون الرؤية واضحة لديها، وقد تبدي مرونة زائدة لتحافظ على سلامة المجتمع، والمهم النتيجة النهائية المتمثلة في تحقيق الوئام والاستقرار، وبسط نفوذ الدولة على كل مناطق البلاد، وتطبيق سيادة القانون على القوي قبل الضعيف، وبناء دولة المؤسسات الضامنة للحريات والحقوق للجميع. ومن الموافقات الرائعة أن الحراك السلمي يخطو اليوم بثقة نحو المشاركة السياسية ويقطع الطريق على المتربصين بأمن اليمن واستقراره، مما سيضيّق الخناق على كل من يمضي في نهج الفوضىٰ والعنف والعبث. يجب أن لا ننظر لأي اتفاق لإيقاف الحروب بمعيار الخسارة والربح، فالأهم أن تنهزم نزغات الشيطان وإرادة الشر؛ وأن ينتصر الإنسان اليمني وإرادة الخير فيه، " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه "، وعلى الباغي تدور الدوائر! فلننظر إلى المستقبل بتفاؤل ونعمل لمداواة جراح المنكوبين والمكلومين والمظلومين، ونتمنىٰ على وسائل الإعلام أن تواكب دعوات الخير وتبتعد عن إشعال فتيل العداوة والبغضاء، "... فطوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويلٌ لمن جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير". [email protected]