في الرابعة من عصر الثلاثاء الماضي، شهدت قاعة فندق صحارى صنعاء، توافداً للشباب والمتضامنين الذين وصلوا يهتفون "يا معتقلين الأبطال ، أنتم قادة للنضال"، وفي تلك الأثناء كان على منصة القاعة يجلس القيادي في الثورة الشبابية حبيب العريقي، وبجواره زملاءه المفرج عنهم، علي الحدمة رئيس دائرة الطلاب بإصلاح أمانة العاصمة، وأنور الحميري القيادي في طلاب الأمانة، وبجوارهم يجلس الدكتور فتح القدسي ، وعبده الحذيفي القياديان في الفرع الرابع عشر بأمانة العاصمة. وافتتح القيادي حبيب العريقي حديثه بالتأكيد على أن "ثورة فبراير لن تنطفئ أبدا ما دام والشباب وقودها" قائلاً: "ما تم معنا من اختطاف هو معاقبة لثورة فبراير من قبل مليشيات الحوثي، وما حدث من اعتقال وما واجهناه من اختطاف هو الضريبة التي لا بد أن نقدمها، وهذه الثورة التي انطلقت لن تستطيع جماعة أو حزب أو نظام أن يوقفها أو يسكتها وهي ماضية حتى تحقيق كافة أهدافها وفي مقدمتها إقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي ينشدها اليمنيون منذ عقود". وعاد العريقي ليؤكد "وما تم معنا هو عقاب لثورة فبراير، حيث أرادت جماعة الحوثي أن تعاقب الثورة، لكن الثورة زادت اشتعالاً وحماساً وتقدماً". وعن لحظة الاعتقال وصف العريقي ما تم بأنه كان انتهاكاً صارخاً للدستور، حيث قال " تم اقتحام مقر حزب، وهو مقر القطاع الطلابي للإصلاح الذي نتشرف بالانتماء إليه، وعقب هجوم المسلحين ودخول المقر، قلنا لهم هذا السلوك يجرمه القانون حيث أن الدستور يحمي الأحزاب ويحظر اقتحامها أو مضايقتها، فقالوا لنا "نحن فوق القانون ولدينا أوامر بذلك" عندها أدركنا أننا مختطفون لدى جماعة الحوثي،". وأضاف العريقي "تم اقتيادي أنا أولاً، حيث أقدم المسلحون على تقييد يدي وعصب عيناي ، ثم اختطافنا إلى أحد المباني المحتلة، وتم التحقيق معنا، وحقيقة التحقيق وجوهره تركز على الثورة والاحتجاجات والمسيرات ، وأكدنا لهم أن الثورة مستمرة ولن تتوقف، وقلنا لهم أنتم كنتم معنا في ثورة فبراير السلمية لكنكم خرجتم وحملتم السلاح، أما نحن فلن نحيد عن السلمية وهي المنتصرة". ومضى بالقول "تم احتجازنا بشكل انفرادي ولا يسمح لنا بالتواصل مع العالم الخارجي مطلقاً ، وعلى الرغم انه لم نتعرض لأي تعذيب جسدي ، إلا أنه تم اعتقالنا بصورة مخالفة للقانون بعد اقتحام مقر الحزب واختطافنا قسراً ، وإيداعنا غرفاً مظلمة ليلاً ونهاراً لم نشهد الضوء خلال ثلاثة أيام على التوالي، وعقب ثلاثة أيام نقلونا إلى الأمن السياسي، حينها أدركت أن معي الأخوة الثلاثة علي الحدمة وأنور الحميري ومحمد الصبري، وهناك قبعنا لمدة 14 يوم، وكانت التحقيقات في الأمن السياسي مركزة حول الثورة والاحتجاجات". وختم حديثه "أوجه الشكر إلى شباب فبراير ومسيراتهم الكبيرة وجهودهم العظيمة التي هي العامل الرئيس والحقيقي في الضغط على الإفراج عنا ، وهم الثورة الحقيقية فلهم كل التحية والشكر، وكذلك أشكر عبد الرشيد الفقيه ورضية المتوكل في منظمة مواطنة". عقب ذلك تحدث القيادي علي الحدمة ، وكان يتحدث بطرافة معهودة، حيث بدأ بالقول "أشكركم جميعاً، على تضامنكم ، على وقوفكم مع أهالينا ونحن في المعتقل ، وتجربتنا كانت تجربة فريدة وجديدة علينا كنشطاء ننتمي للعمل المدني والديمقراطي والسلمي ، وربما ما عشناه خلال 17 يوماً كانت محطة مختلفة حيث عشنا لدى جماعة، حيث دخل المسلحون إلى مقر القطاع الطلابي وعمر البندقية وقال نحن أقوى من القانون، واعتقلوا الأخ حبيب، ثم عادوا مجدداً واعتقلوني أنا والأخ أنور والأخ محمد الصبري، وأقلتنا سيارة هايلوكس، وكانوا يجرون اتصالات أين يتم إيداعنا". وأشار بسخرية من تلك اللحظات "كنت أمزح مع الأخ محمد الصبري "لدي سروالين وأنت كيف وضعك"، حينها ضج الحضور بالضحك". حينها ضجت القاعة بالضحك وضحك الحدمة ولكنها كانت إشارة إلى ما حدث لمعتقلين سابقين أبرزهم الناشط فؤاد الهمداني الذي تعرض للتعذيب الوحشي في أجزاء من جسده خصوصاً مؤخرته، حيث تم حقنهم بسائل خلف حروقاً وحوّل لون الجلد إلى الأزرق، في دورة تعذيب قاسي أسفرت عن موت الناشط صالح البشري في منتصف فبراير الماضي صبيحة الإفراج عنه من سجون مليشيا الحوثي، وبعده بأيام توفي المحامي عبد الرحمن معوضة متأثراً بتعذيب الحوثيين الذين اختطفوه مراراً. ويضيف الحدمة، رئيس دائرة الطلاب " وكان معنا أحد المسلحين الحوثين ويبدو أنه أصم لا يسمع، ولفوا بنا في شوارع في العاصمة، ثم وقفوا في مكان فارغ، ونقلونا إلى سيارة شرطة، وبعدها ربطوا أعيننا ، وأخذوا أنور الحميري، وكنت مع الأخ محمد الصبري، وبعدها أخذونا إلى حوش وأخذوا ما في جيوبنا من فلوس وأوراق وهويات ومفاتيح، وأطالب بمفتاتيحي كلها" وأضاف " كان الظلام سيد الموقف، وفي اليوم الثاني الصباح سمعنا خبر القبض علينا في قناة المسيرة وعن التهم الملفقة لنا ، وفي الليلة الثانية، تم سؤالنا لماذا هكذا تحبون الوطن، ثم سألونا عن الأقاليم ومخرجات الحوار، وسألونا عن الشعارات وحققوا معنا حول المسيرات والشعارات، ومساء اليوم الثالث تم تقييدنا ونقلنا إلى مبنى الأمن السياسي، وأثناء نقلنا بإجرات استلام وتسليم ، وهناك في الأمن السياسي مكثنا سبعة أيام ، ولم يستدعنا أحد، وفي اليوم الثامن، طلبنا ضباط الأمن السياسي للتحقيق معنا، وللأمانة كان ضباط الأمن السياسي يبدون حيرة كبيرة في التعامل معنا، حتى أن أحد ضباط الأمن السياسي فتح محضر التحقيق معي وهو يقول "والله ما ندري ما نقول، قد اعتجنت" في الأخير قال لي اكتب نبذة عن حياتك، وقال لي كيف دخلت الإصلاح، قلت له والله يا أخي دخلت الإصلاح في الجامعة، وللحقيقة فقد كان تعامل الضباط في الأمن السياسي يتعاملون معنا بمنتهى الاحترام". وأكد الحدمة أنه لم تكن هناك من تهمة عليهم "وبعدها أنزل لي الضابط المحضر للتوقيع وبعدها مضى أسبوع آخر ولم يتم استدعاءنا للتحقيق مطلقاً، وليلة أمس استدعاني ضابط الأمن السياسي، وكانت من ضمن الأسئلة "أين ومتى وكيف قبض عليكم". وقال الحدمة أنهم كانوا لا يعلمون عما يدور في الخارج وقال "وكانت تجربة جديدة علينا، عزلنا عن العالم، وخرجنا وتفاجئنا أننا ممثلين للإصلاح في مؤتمر الحوار" ثم كان الختام مع القيادي أنور الحميري شكر المتضامنين كثيراً ، ثم أشار إلى أن زملاءه قد تحدثوا "تم وضعنا في مكان تحت الأرض في الأيام الثلاثة الأولى، وكانت الأسئلة نفسها تعطى للجميع، لكنهم حققوا معي يومين ، وأخذوا مني بصمات بالقوة على أكثر من ثمان أوراق ، وأنا مغمض العينين، لدى الحوثيين". وتابع الحميري "أما في مبنى الأمن السياسي فقد قال لي المحققون أن لا أوقع على أي محضر حتى أكمل قراءته وكان أول سؤال وجهه لي ضابط الأمن السياسي عطفاً على سؤالي حيث باشرته قبل أن يسألني: لماذا أنا هنا؟ فقال لي هذا هو السؤال. وأصبنا بالإسهال وبعض المشاكل الصحية، وأنا مصاب بالسكر فلم أكن أستطع الأكل سوى ربع وجبة في الظهر" وحين عرف عن سيرتي الذاتية أبدى الضابط في الأمن السياسي أسفه بشكل كبير، عقب أن قرأ أنني لدي أبحاث وكتب منشوره فقال لي " هذا ليس مكان أمثالكم" لم يكن هناك تعذيب جسدي، لكنهم تعمدوا تعذيبنا النفسي بشكل كبير، وأخذوا أجهزتنا وممتلكاتنا، والحرية جوهر حياتنا ، حين تفقد حريتك فقد وقعت في أكبر مصيبة، وسنجدد النضال بشكل أكبر وحفاظاً على حريتنا وحرية شعبنا ، فهي أغلى ما نملك. وأقدم شكري لأهلي وكل من ناضل من أجلنا وهي في الحقيقة الحرية " حسب الحميري. وكانت مليشيات الحوثي قد اختطفت القياديين حبيب العريقي وعلي الحدمة وأنور الحميري ومحمد الصبري في الأول من مارس الجاري ضمن مسلسل الانتهاكات المتواصلة منذ محاولتها الانقلابية على ثورة 11 فبراير المجيدة، والتي تشهد مناهضة شعبية صلبة ، أفشلت أبرز خطوات الانقلاب الذي يعد تحت الاحتضار.