لم تجد ابتهال عزيز الحزورة الشابة الجامعية في منتصف العقد الثاني من العمر، حرجاً في الالتحاق المبكر بساحة التغيير بصنعاء لتفرض مع أخريات في مثل سنها حضوراً لافتاً وفاعلاً أعاد الاعتبار للدور الذي يمكن أن تسهم به المرأة اليمنية في صناعة المفردات الصعبة للتغيير والمشاركة في ثورة شبابية لم تعد حكراً على الرجال . الالتحاق بساحة التغيير للمشاركة في اعتصام احتجاجي يستهدف إسقاط نظام تهيمن على تركيبته القيادية سطوة العسكر، وإن بدا ضرباً من المجازفة فضل معها الكثير من الشباب والرجال المؤيدين لفكرة الثورة الاكتفاء بالتعاطي المجرد عن بعد مع الحدث وإظهار قدر من التعاطف غير المكلف بعيداً عن احتمالات التعرض للرصاص الحي والغازات السامة، إلا أن ذات المجازفة لم تحل من دون انخراط آلاف الفتيات والنساء اليمنيات في مخيمات الاعتصام المنتصبة منذ أسابيع في الساحات العامة وتجاوز عقبات إضافية وأكثر تعقيداً فرضتها ترسبات ثقافة مجتمعية نمطية ما انفكت تتعاطى مع أي دور مفترض للمرأة خارج حدود "المطبخ والمنزل" بالكثير من التشدد والتحفظ وحتى الاستخفاف بسقف الانجاز المحتمل . وتقول ابتهال الحزورة، الناشطة المعتصمة بساحة التغيير: "واجهت صعوبات بالغة كفتاة في الالتحاق المبكر بساحة التغيير والمشاركة في الاعتصام الاحتجاجي . والدي موظف قديم في إحدى المصالح الحكومية ومجرد فكرة إسقاط النظام بثورة تفزعه وتثير قلقه . الثورة لديه تعني رصاصاً حياً وضحايا وحمامات دم سيرتكبها النظام لمقاومة السقوط، وقد أبدى معارضة ورفضاً شديداً لمجرد ذهابي لساعات من النهار للوقوف بساحة التغيير، ومن ثم العودة قبل العصر إلى المنزل، لكن رفضه وممانعته تبددا حين رافقني في أحد الأيام إلى الساحة وتفاجأ بوجود فتيات ونساء كثيرات، لقد تركني مع المعتصمات وعاد للمنزل، أعتقد أنه شعر بأن ما نقوم به يستحق التقدير والثقة" . المرأة بساحات التغيير ك"ثورجية" تبدو أكثر قدرة على الفعل المؤثر من كونها مجرد صوت أنثوي محشور وسط صخب هتافات مدوية بساحات تطالب بإسقاط النظام وتنحي الرئيس، وتهيمن على سمائها حناجر الرجال والشباب، لتبرز في هيئة ممرضة تتحامل على إجهادها وأحاسيسها المرهفة وتغالب دموعها لتتنقل بنشاط في أروقة المستشفيات الميدانية الملحقة بمعظم ساحات الاعتصام للإسهام بفاعلية في تقديم الإسعافات الأولية وتضميد جراح ضحايا هجمات البلاطجة والرصاص الحي والغازات السامة . كما يمكن تمييزها كناشطة حقوقية تجتهد في توثيق ما تصر على وصفه بجرائم ضد الإنسانية يقترفها النظام ضد المعتصمين والمتظاهرين سلمياً وكعضوة نشطة في القيادة التنظيمية لثورة الشباب وفي اللجان الأخرى الناشطة بمختلف الساحات الثورية .
إيناس عبدالواحد حزام، إحدى الممرضات المتطوعات للعمل في المستشفى الميداني الملحق بساحة التغيير بصنعاء، روت ل"الخليج" بعض معاناتها كامرأة وكممرضة انحازت ومنذ وقت مبكر للعمل الطوعي في مستشفى ميداني يتوسط ساحة عامة تحيطها العديد من المخاطر، وعما إذا كان لما تقوم به من جهد إنساني مميز علاقة برؤيتها لمفهوم المشاركة في دعم ثورة وصناعة التغيير . وقالت: "كممرضة أعيش ظروف عمل غير طبيعية واستثنائية بالمستشفى الميداني بساحة التغيير . نحن أشبه بطاقم طبي وتمريضي يعمل وسط معركة حربية وليست عاصمة دولة يسقط فيها كل يوم جرحى وقتلى . أحياناً أحتاج لبعض الوقت كي أتمكن من التغلب على دموعي ورغبتي في البكاء وأنا أتنقل بين المصابين وأتفقد جروحهم . هناك مشاهد فظيعة من الصعب على رجل أن يتماسك ولا يتأثر عند رؤيته لها ولو عبر شاشات الفضائيات التي تغطي ما يحدث من جرائم ترتكب ضد المعتصمين؛ فما بالك لو كانت مثل هذه المشاهد جزءاً من مناظر أراها وأعايشها بشكل متكرر كامرأة وكممرضة . لكني رغم هذه المعاناة اعتبر ما أقوم به من مساهمة في تقديم الإسعافات وتضميد الجروح وغيرها من مهام عملي بالمستشفى الميداني، جزءاً من واجبي في دعم ثورة الشباب، بل إنني ومن واقع مشاهداتي لنوعية الإصابات والجروح التي يتعرض لها الشباب الذين يتم نقلهم إلى المستشفى الميداني أصبحت أكثر إيماناً بضرورة إسقاط نظام علي عبدالله صالح لأنه أراق دماء الأبرياء بلا ذنب" . في تعز التي تتفرد بكونها الساحة الأكثر إبداعا في إنتاج مظاهر الحراك الثوري المتصاعد اتخذ حضور المرأة اليمنية بساحة الحرية نمطاً متقدماً من المشاركة والفاعلية، تمثل في تشكيل كيانات ثورية معبرة عن الحضور النسائي كأحد عناصر الفعل في الثورة الشبابية، لتشهد الساحة ذاتها تشكيل أول حركة تنظيمية نسائية من نوعها تنشأ في ساحات التغيير والحرية الممتدة على خارطة 17 مدينة يمنية تحمل اسم "حركة المرأة الحرة"، وتضم في عضويتها التي لا تقتصر على النساء بل والرجال أيضاً، ناشطات وناشطين يمثلون العديد من المدن اليمنية كصنعاء وعدن وتعز . وتشير نجاح الشامي، إحدى مؤسسات الحركة إلى طبيعة الأهداف والأدبيات الثورية التي حدت بها وأعداد من زميلاتها "الثائرات" بساحة الحرية، إلى تأسيس هذه الحركة الأولى من نوعها بالقول إن: "حركة المرأة الحرة تضم ناشطات وناشطين من مدن مختلفة كصنعاء وعدن وتعز وتهدف إلى تعزيز دور المرأة اليمنية من خلال الدفع بدورها ليكون مؤثراً في المجتمع وفق رؤية ترتكز على تجذير المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واحترام حضور ودور ومشاركة المرأة" . ذات الحركة النسائية الناشئة حديثاً كمبادرة غير مسبوقة دشنت مؤخراً "روزنامة" من الأنشطة الإنسانية النوعية والهادفة من أبرزها التواصل مع أسر شهداء ثورة الشباب الذين سقطوا في العديد من الساحات لاستيفاء بياناتها والاطلاع على أوضاعها المعيشية كجزء من مساهمة إنسانية تعتزم الحركة تبني القيام بها، وتتمثل في المطالبة بتأمين حقوقها المادية وبما يؤمن لهذه الأسر المنكوبة حياة كريمة كحد أدنى من التقدير لما قدمه أبناؤها من تضحيات غالية لإنجاح ثورة الشباب الهادفة إلى الأخذ بيد اليمنيين واليمنيات إلى مشارف مرحلة جديدة من العدالة والكرامة والمواطنة المتساوية .