على خلفية حادث العبارة السياحية سيول التي غرقت يوم الأربعاء الموافق 16/4/2014م على بُعد 20 كليومتر من ساحل جزيرة جيجو السياحية، قدم رئيس وزراء كوريا الجنوبية شونغ هونغ وون" استقالته من رئاسة الحكومة كإجراء اخلاقي هو أقل ما يمكن لمسئول يحترم نفسه أن يتخذه إزاء كارثة وطنية وإنسانية كهذه، وإزاء حادث مروع كهذا الذي نجم عنه وفاة 120 وفقد ما لا يقل عن 180 معظمهم من طلاب الثانوية العامة، كانوا في رحلة سياحية. رئيس الوزراء هذا لا علاقة له مباشرة بهذا الحادث للدرجة التي تجعله يسارع إلى تقديم استقالته إنما استشعارا منه بحجم هذه الكارثة وبموقعه الوظيفي ا لرفيع في الدولة الذي جعل منه مسئولاً أول عن حياة وأمن واستقرار مواطنيه، حتم عليه بأن يسارع إلى اتخاذ هذا القرار وفاء بمسئولياته الأخلاقية تجاه مواطنيه. كثير ممن تابعوا تفاصيل هذا الحادث لفت انتباههم تصرف رئيس الوزراء ويقظة ضميره حين حمل نفسه مسئولية هذه الكارثة، الأمر الذي دفع بي لأن أقول للبعض ممن راعهم هذا الحادث الذي يعد واحداً من عشرات، بل مئات الكوارث التي حلت بنا وبهذا البلد على امتداد عامين دون توقف ودون أن يحرك باسندوة ساكناً أو تهتز له شعرة... من أين لنا برئيس وزراء يرأس حكومتنا اسمه "شونغ هونغ"؟ صحيح أن رئيس حكومتنا يشبه في خلقته إلى حد كبير من هم في جنوب شرق آسيا إلا أنه للأسف الشديد لا يشبه أحدا منهم من حيث التحلي بروح المسئولية! إذ ما يمكنه فعله عند كل كارثة تحل بنا هو إخراج منديله؛ بغية الشروع بالبكاء في الوقت الذي تتطلب منه مثل هذه المواقف الكارثية إخراج قلمه ليخط به استقالته اسوة بشونغ هونغ الذي سيحترمه شعبه ويقدر له مثل هذا الموقف الشجاع. ليس في كوريا الجنوبية وحدها يُقدِم المسئول على تقديم استقالته كلما شعر بمسئوليته عن أي اخفاق أو خلل يصيب جهاز الدولة، إذ في كثير من دول العالم التي تحترم انظمتها نفسها يُقدِم المسئول فيها على تقديم استقالته، بل وعلى الانتحار أحياناً إذا ما كشف أمره بتعاطيه الرشوة مثلاً أياً كان المبلغ الذي تعاطاه!. بلدنا هذا المنكوب بجهلته وبلصوصه من المسئولين هو البلد الوحيد في العالم الذي يمارس فيه المسئول كل أشكال العبث والفوضى والنهب والتآمر على السيادة الوطنية دون من يعترضه أو يجرؤ على إزاحته من موقعه قيد أنمله. أريد أن أسأل لمجرد السؤال فقط: لو كان باسندوة رئيساً لحكومة كوريا الجنوبية، هل كان الشعب الكوري سيمهله كل هذا الوقت الذي أمهلناه كي يصلح شأن هذا البلد ويصلح اختلالاته؟ وهل كان سيعفيه الشعب الكوري من مسئولية كل الكوارث وكل المصائب إذا ما حلت به كما حلت بنا وببلدنا هذا على امتداد عامين من مكوثه في قمة الهرم الحكومي؟. أغلب الوزارات في تشكيلة حكومة باسندوة هي مجرد أوكار للفساد ونهب المال العام أكثر مما كانت عليه إبان حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. السؤال هنا: ما الذي فعله باسندوة خلال عامين؟ الجواب لا شيء ربما من منطلق إيمان باسندوة بأن مهمة حكومته الحالية محصورة في التقاسم وفي تنظيف خزينة الدولة مما تبقى فيها من سيوله نقدية. باستثناء أربعة وزراء أثبتوا جدارتهم خلال العامين المنصرمين واستحقاقهم للمواقع الوزارية التي هم فيها وهم وزير الصحة، ووزير النقل، ووزير الاتصالات، ووزير الشئون القانونية مضافاً إليهم وزير الداخلية الجديد، باستثناء هؤلاء يظل بقية الوزراء مجرد غثاء سيل لا أكثر! أي مجرد عبء على الدولة وعلى هذا البلد خاصة وأن أغلبهم غير مؤهلين للمواقع التي وُضعوا فيها، أي بعبارة أوضح وأدق غير متخصصين في مجالات واختصاصات وزاراتهم، إذ ما يفضح سرهم هذا هو حين يشاركون في مؤتمرات خارجية فيبدون في هذه المؤتمرات كالطرشان في الزفة. لو أخضعنا كبار المسئولين في الدولة وهم بالمئات لاختبار عملي في دولة حديثة التقدم والنمو كماليزيا وكوريا الجنوبية مثلاًً! أُجزم بأن 99% منهم لا يصلحون للبقاء في مواقعهم، وإنما في مواقع متدنية جداً مقارنة بنظرائهم من المسئولين في تلك الدولتين. هذه النتيجة هي خير دليل، وخير مؤشر لما نحن فيه من مآس ومن نكبات ومن كوارث؛ جراء الاختلال الكامن في وضع أناس في مواقع سلطوية ووظيفية متقدمة هي في الأساس ليست مواقعهم. دليل على هذا وضع صخر الوجيه المنتسب أساساً لقوات الدفاع الجوي في أهم وزارة سيادية وهي وزارة المالية دون فهم هذا الرجل لأبسط الأرقام المالية! ما بالنا برسم السياسات المالية لبلدٍ يوشك على الانهيار سيما منذُ وضع هذا الوزير مؤخرته على كرسي هذه الوزارة وحتى اليوم الذي يصر فيه على تغيير مدير عام ضرائب إب الخبير المالي والمرجعية القانونية الاستاذ عبدالاله المفتي الذي لو كانت هنالك دولة بالمفهوم المتعارف عليه لكان موقع هذا المدير الجدير بالثقة والاحترام هو كرسي وزير المالية مقابل عودة الوجيه إلى سلاح الكاتيوشا. كم هي حاجتنا لمسئولين محترمين على غرار رئيس وزراء كوريا الجنوبية المستقيل "شونغ هونغ "؟ إذ ما نحتاجه في هذا البلد كي ننهض من كبواتنا وكي ننفذ من عنق زجاجاتنا هو لمسئولين على غرار هذا المسئول الكوري! كنا في الماضي القريب امام نماذج من هذه النوعية المحترمة كالدكتور فرج بن غانم الذي قدم استقالته من رئاسة الوزراء؛ لينجوا بجلده وبسمعته وبسيرته العطرة من وحل هذا الواقع المؤلم والمرير، نموذج أخر هو الدكتور فيصل بن شملان الذي غادر وزارة النفط مشياً على الاقدام بعد أن ترك سيارته المسلمة له من الدولة في حوش الوزارة مفضلاً هو الآخر النجاة بنفسه وبسمعته وبسيرته العطرة أيضاً على أن يبقى في وحل هذه الوزارة المليئة بالفساد وبكل ما لا يخطر على بال أحد من فوضى ومن عبث. ما نحتاجه اليوم هو للكفاءات وللأيدي النزيهة على شاكلة ومضمون بن فرج وبن شملان وشونغ هونغ لا على شاكلة لصوص سافرين ومقنعين ممن تكتظ بهم الوزارات والهيئات والمؤسسات وفروعها في كل محافظات الجمهورية، وفي كل شبر من مساحة هذا الوطن. [email protected]