بأي لغة ستتحدث حين تسمع من يصف جماعته بأنها (أشرف وأنقى وأطهر جماعة عرفها تاريخ العصر الحديث)، وإن من ينتقدها ما هو إلا من (أحفاد قوم لوط)؟. لا شيء سوى التأمل في أي عقيدة أو فكر أو مذهب يعتنقه هذا الرجل؟، وأين أنت من أصحاب الشرف والنقاء والطهر؟، أم أنك من أحفاد قوم لوط؟. لا بد أن تتداعى تساؤلات مختلفة، منها ما قد يثير الاشمئزاز ومنها ما قد يؤدي إلى المواجهة. ولكن مهما تعددت فإنها تساؤلات رافضة ومؤلمة بلا حدود، وتؤكد على مفهوم واحد، هو (الجهل المركب)، ومعناه الجهل بالشيء، وفي الوقت نفسه الجهل بأنك تجهل. أي أن صاحب الجهل المركب مع جهله يظن أنه عالم، فجهله مركب من جهلين: الجهل بالشيء، والجهل بأنه جاهل به. وما صنعه صاحبنا الشريف والطاهر هو الجهل المركب بعينه، فهو لا يعلم مبدأ النسبة في الطهر والزهد والجمال عند البشر، وفي الوقت نفسه يجهل أنه يخرج جماعته من عالم البشرية إلى عالم الملائكية، حيث الطهر المطلق والنور الإلهي. أليس الله سبحانه يقول على لسان نبيه المعصوم والمؤيد بالآيات والمعجزات: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". إنه خطاب رحمة وتواضع ومنطق مع أنه نبي تؤيده قوة الله، أما صاحبنا قد تجاوز خطابه خطاب الأنبياء بفعل جهله المركب الذي يعمي عنه الانحراف والتطرف في الفكر والسلوك والممارسة، ويسوغ الخطأ ويبرر السير فيه، وليس في سياسته مطلقاً محاولة الإقلاع عنه. كيف لا، وهو يُلبسُ نفسه وجماعته لباس الملائكة والأنبياء المعصومين؟، أليسوا "أشرف وأنقى وأطهر"؟!. وكيف لهذه الجماعة أن تكون أشرف وأطهر وهي تربي أفرادها تربية صارمة وعبودية، ينفذون ما يطلب منهم دون استفسار أو تساؤل أو اعتراض، بل بدون أي تأمل أو تفكير فيما يطلب منهم؟. إن جماعةً تربي أفرادها وأنصارها على هذا النمط من الخنوع والاستعباد لهي جماعة تميت العقل والفكر والعاطفة. ولا شك في أن الإنسان مزيج من الأفكار والعواطف والرغبات والهواجس والقناعات التي تتباين من شخص إلى آخر حسب مرجعيته الثقافية والاجتماعية والدينية. أي إن هذه المنظومة من الأفكار والعواطف و... تتأثر وتتلون وفقاً للظروف وطبيعة الأجواء المحيطة بالإنسان في المجتمع. إن أبسط سؤال يمكن أن يطرحه الإنسان العادي، هو كيف يصلح أفراد هذه الجماعة وينتفع بهم في المجتمع؟، وهم لا يفكرون ولا يتأملون في أحداث الواقع وتحولاته، ولا يستفيدون من الانحرافات والأخطاء التي يقعون فيها واحدة تلو الأخرى. وكيف تطمئن على وعيك وحريتك وحياتك ومستقبل أبنائك مع جماعة أفرادها بلا عاطفة، لا يتأثرون ولا يحسون ولا يميزون بين الجمال والقبح والمنطق والعبث والصواب والباطل؟!. ولعل ما نراه اليوم من سلوكيات وأفعال وممارسات، كإلغاء حقك في الاختلاف الفكري والثقافي والعقدي، وقتل الأبرياء وأكل الأكباد وتفجير المساجد وزرع العبوات الناسفة في السيارات والأماكن العامة إلا صورة حية لانعدام العقل عند هؤلاء وتعطيل التفكير وموت العاطفة. هكذا تقتل هذه الجماعة إنسانية الإنسان عن طريق إماتة مشاعره واستلاب إرادته وحريته، وخصي كل إمكاناته واستعداداته الفطرية والمكتسبة. يحدث هذا كله كنتيجة حتمية لمشروع هذه الجماعة الذي لا يفلح إلا في جهلة الأمة وصغارها، فالجهلة يساقون كالقطعان لعدم معرفتهم وتمييزهم بين الصواب والخطأ. أما الصغار فهم الهدف الأول لمشروع الجماعة، كونهم ما يزالون على الفطرة، وأنفسهم مهيئة لقبول أي شيء، وبالتالي يسهل عجن هذه النفوس وتشكليها على وفق رغبات الجماعة وقناعاتها التي تتنافى مع طبيعة الإنسان والحياة والكون. وثمة شواهد كثيرة في واقعنا المعاصر نستدل بها على هذه الحقيقة، فعلى سبيل المثال أن أكثر نسبة تشكل هذه الجماعات المتطرفة هم صغار السن، الذين يدفعون بهم إلى المحرقة دائما. أما المثال الذي نستدل به على استلاب عقول أفراد هذه الجماعة وتغييب إرادتهم وأحاسيسهم، ما نراه من قتل للمخالفين في الرأي وتفجيرات وانتهاكات لحقوق الإنسان. فهل يستطيع إنسان عاقل وعنده عاطفة ومشاعر أن يبتهج ويرقص ويذبح الذبائح ويقدم التهاني بمناسبة تفجير مساجد الله وقتل عباده المصلين في أفضل يوم طلعت عليه الشمس، وفي شهر رجب الحرام؟!!. إنه فعل ينصدم مع فطرة الإنسان السليمة، ويخالف دين الله وشرائعه وقيم الإنسان وأذواقه وأخلاقه. بل إن أفعالهم جميعاً بشعة تعكس أعلى درجة انحطاط تلك الجماعات وطغيانها وإسفافها لتباهيها بقتل الإنسان وإذلاله وتدمير قواه الذهنية والنفسية. إننا حين ننقد سلوكيات وممارسات هذه الجماعات لا ننقدها لاختلافنا معها في التوجه الفكري أو السياسي، وإنما لأنها مصدر هوان الإنسان وسبب دمار الأمة الإسلامية وسقوطها في حضيض التخلف والجهل والعجز والوحشية. بل ننقدها لعلها تعترف بأخطائها وتراجع ثقافتها القائمة على مبدأ التقديس والتدنيس. ولكن للأسف الشديد مهما قلنا وكتبنا فإن جهلها المركب لا يزيدها إلا إعراضا وانحرافاً وعنفاً وتدميراً للإنسان والحياة والكون، والنزوع نحو التمحور حول الجماعة المقدسة التي يضعها كل فرد من أفرادها في مرتبة أعلى وأرفع من مراتب البشر.