في بلد كاليمن لا تستغرب أن ترى الاستثناء... هو الأساس، فمولد الكهرباء في جميع بلدان العالم هو استثناء يستخدم للطوارئ، عندما تُصاب شبكة الكهرباء الوطنية أو المحلية بعطل..... لفترة زمنية معينة. لكن عندنا في اليمن المولد الكهربائي هو الاساس، والشبكة الكهربائية هي الاستثناء، وعند دراسة جدوى أي مشروع يكون مولد الكهرباء في مقدمة الدراسة، لدرجة أنه يتواجد قبل البدء بتنفيذ أي مشروع، فالذي يشرع بتنفيذ مشروع تجاري مثلاً- يكون المولد حاضراً قبل ديكور ومستلزمات وأوليات التكوين. ومن يريد بناء مسكناً مستقلاً له، أول توجيه منه للمهندس المعماري الذي يقوم بتخطيط المنزل – إن وجد- "أعمل حسابك على مكان المولد يا باش مهندس" فاتخذ المهندسون المعماريون مصطلح "مكان المولد" دعاية إعلانية لهم يقدمونها للعملاء(أعمل لك مخطط سكني ومكان المولد على حسابي). من يبحث عن شقة للإيجار يفضل أن يتوفر فيها مكان للمولد حتى وإن كانت خارج نطاق موقعه العملي، ومن يريد استئجار دكان لممارسة نشاط تجاري يبحث عن مكان المولد بغض النظر عن الموقع الاستراتيجي للمنشأة التي سيقيم فيها مشروعه. الشركات المنتجة للآلات والمعدات الكهربائية لا تمنح المستهلك اليمني بطاقة ضمان تجارية من أي عطل كهربائي يحدث لمنتجاتها؛ لأن الكهرباء في اليمن لا تتوافق مع معايير الفولتية الكهربائية. سابقاً كانت عبارة "الكهرباء طافية" تنقذ أفراد كثر، من أصحاب الحِرف والمهن غير المنضبطين : كالنجار، والخياط، والحداد.... الخ. عندما يخِلّوا بمواعيدهم المحددة والمتفق عليها سلفاً بين الطرفين... فيلجأ الزبون إلى جهات الضبط والصلح، التي غالباً ما تبرأ أصحاب المهن وتحمل الزبون وزر التأخير. كذلك الحال ينطبق على الطلاب المهملين والمقصرين بواجباتهم "الكهرباء طافية" وما استطعنا نذاكر أو نعمل الواجب. الآن لا عذر لهؤلاء بعدما أصبح مولد الكهرباء هو الأساس، وخدمة الشبكة الوطنية للكهرباء هي الاستثناء حتى فظل عدم وجود المشتقات النفطية. الأنظمة المتعاقبة على اليمن منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم لم تعرّ جانب الطاقة الكهربائية أي اهتمام، علماً بأن توفير الكهرباء حق من حقوق المستهلك، وعدم توفيرها عقاب جماعي ممنهج من قبل السلطة على اعتبار أن الذين يعيشون داخل مدينة لا توجد فيها كهرباء شأنهم شأن المعاقبين المحجوزين في أقبية السجون. الحكومات السابقة تعاملت مع الكهرباء على أنها رجس من عمل الشيطان وجب اجتنابه، خصوصاً أن كلمة كهرباء هي كلمة فارسية، وإلا ماذا يعني أن بلد كاليمن لم تتجاوز طاقته الكهربائية 900 ميجا وات مقارنة بالصومال التي تنتج 1200 ميجاوات- حسب تصريح وزير الكهرباء السابق سميع. من غير المنطقي أن ثورة عمرها نصف قرن غير قادرة على توفير 2000 ميجا وات من الكهرباء وهذا الرقم هو الحد الأدنى من الطاقة المطلوبة لهذا الشعب على اعتبار لو وفرت الدولة في كل سنة 35 ميجاوات طيلة ال 51 عاما الماضية؟ ما يثبت أن اليمن بعيدة عن معادلة الأرقام، وخارج المناسبات الدولية، وبأن المستثنى فيها أساسي، هو حُلم الإنسان اليمني بأن تكون له يوم بدون انطفاء كهرباء عكس الآخرين الذين ينادون "بساعة الأرض" التي يتم فيها إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية لمدة ساعة واحدة من كل عام لرفع الوعي بخطر التغير المناخي.