إن الأوضاع في اليمن هذه الأيام مقلقة ، والأخبار فيها لاتسر صديقاً ولاتبشّر بانفراجة قريبة ؛ حيث تنتشر المعارك الطاحنة هنا وهناك ، وتهدر الدماء المحرمة وتتكرر الاغتيالات ، وتنعدم جميع الخدمات عن المواطن ، وقد ضاعت الحقوق وعمّت الفوضى والتقطعات في كثير من المحافظات ، وظهر تعدّد الولاءات ، وإحياء النعرات والعصبيات الجاهلية والمناطقية والمذهبية ، وانهارت الكثيرمن العلاقات الاجتماعية والأعراف القبلية والقيم الدينية والروابط الأسرية وأصبحنا نسير إلى الهاوية . والمتتبع لكل تلك الأوضاع سيصل إلى نتيجة واحدة ومؤكدة هي أن هناك محاولة لعملية انتحار جماعي بين صفوف كبار القادة والمسؤولين والمشائخ ورجال الدين وقادة الأحزاب وقادة الفكر اليمنيين من خلال تخليهم عن مسؤولياتهم التاريخية والوطنية والإنسانية والدينية نحو الوطن ، وتهاونهم مع كل ما يجري في الساحة اليمنية من أحداث ومآسٍ ، بل واتجاههم إلى تغذية الصراعات المذهبية والحزبية والمناطقية ،وانسحابهم من ميدان الشرف والبطولة المتمثل ببناء الوطن وصياغة مستقبله بحروف من نور ، وتحولهم إلى تجار حروب و مشجعين لانفجار الأوضاع أو متفرجين أو نافخين لنار الفتنة التي ستحرقهم وتدمر مستقبلهم قبل غيرهم ، ناسين أو متناسين أن الشعب أصبح مسحوقاً فقيراً معدماً لايملك ما يخاف عليه ، وأن الضرر الأكبر سيلحقهم أكثر من غيرهم ويقضي على ثرواتهم التي كوّنوها من دم الشعب وممتلكاته وبجهوده ، غير متعظين من دروس الزمن وعِبر التاريخ ، وأن من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها ، وأن عاقبة بعدهم عن هموم الوطن وانشغالهم بخصوصياتهم وبناء ممالكهم الخاصة على حساب الوطن ومستقبله سيؤدي بهم إلى الهلاك المؤكد ، ويجرّ البلاد إلى دائرة الدمار التي لانهاية لها . ومن هنا يجب أن يستمع هؤلاء الذين بأيديهم مصير البلد إلى صوت العقل ، ونداء الضمير واستغاثة الوطن ومعاناة المواطن ؛ بأن يراجعوا أنفسهم ويتراجعوا عن محاولة الانتحار الجماعي ويحافظوا على الوطن ؛ فالحياة جميلة وحلوة لكنها لاتحلو بدون أن يستمتع بها كل ركاب السفينة من أبناء الوطن ، ومن المستحيل أن تنفرد فئة دون أخرى بالعيش على هذه الأرض العظيمة ، فالحذر الحذر من الاستمرار في هذا الطريق فنهاية النفق مظلمة . وعليهم التخلي عن بعض مطامعهم فمصارع الرجال تحت بروق الطمع ، والعاصفة الهوجاء التي تجتاح الأمة العربية والصراعات المقيتة ستحرق الأخضر واليابس والحروب التي تطحن الشعوب لا تفرق بين القادة والأفراد ولابين المسؤولين والشعوب ولايوجد فيها منتصر ، فالجميع خسران ، ونحن في اليمن لن نكون استثناءً إلاّ إذا حكمنا عقولنا وقدمنا مصلحة الوطن على ما سواها ، قال زهير بن أبي سلمى : وَمَا الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيْمَةً وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ فَتُنْتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُمْ كَأَحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ فَتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِلُّ لأَهْلِهَا قُرَىً بِالْعِرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَمِ وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ نسأل الله أن يلهمهم الرشد ويجنبهم سفاهة الرأي ، ويجنب الوطن وأبناءه مكر الماكرين وكيد الكائدين وشر الأشرار .