كتبت كثيراً من النقد لأحزابنا اليمنية، وكنت أحرص أن يأتي النقد بشكل جماعي لكل الأحزاب أو للفاعلة منها على الأقل، لكي لا يشعر كل حزب أنه هو المستهدف بالنقد دون غيره؛ وكان التجمع اليمني للإصلاح من ضمنها بطبيعة الحال. وبالمقابل كتبت مقالات متخصصة تقيّم بعض الأحزاب الرئيسية في اليمن كالمؤتمر والاشتراكي والناصري، وكان تقييماً ينطلق من منطلق إيجابي يتحدث عن أهمية تلك الأحزاب وأهمية دورها في الحياة اليمنية. لكني تجنبت الحديث عن حزب الإصلاح بصورة فردية – مادحاً أو قادحاً- فقط لأن الصحف والمواقع الإخبارية قد مُلئت بمثل هكذا مقالات يغلب على معظمها الهجوم الحاد على الإصلاح وشيطنته؛ حتى أني تصورته وأنا أطالع بعض تلك الكتابات الصحفية والفيسبوكية وقد أصبح بمثابة جمرة العقبة الرابعة التي يتوجب على كل مسلم رجمها. لا نريد أن نقول هنا بأن كل من هاجم الإصلاح كان كاذباً ولا كل من مدحه كان صادقاً، لكننا نريد أن نقول بأن ما قيل يفتقد في معظمه للمصداقية، فالإصلاحيون ليسوا ملائكة وليسوا شياطين أيضاً.. إذاً هم بشر مثلهم مثل غيرهم يصيبون ويخطئون، وعلى الذي ينتمي إلى حزب أو جماعة أو تيار منزه عن الأخطاء أن يرمهم بحجر؛ حسب مقولة السيد المسيح. ولا يخفي بأن الهجوم غير المبرر المصحوب بفجور في الخصومة ضد أي طرف من الأطراف قد يؤدي إلى مفعول عكسي ويولد تعاطفاً مع ذلك الطرف؛ خصوصاً من قبل الأشخاص الذين يحترمون عقولهم ويفضلون استخدامها، ويخضعون كل ما يقرأون ويسمعون ويشاهدون للنقد الذاتي البناء. مثلاً: رغم أني كنت من المعجبين بكتابات القيادي الحوثي على البخيتي وأحرص على متابعتها - وهو الذي يُعرّف نفسه بأنه حوثي يساري مدني – لكني بدأت خلال الفترة الأخيرة أكتفي بقراءة عناوين ما يكتب، وذلك عندما وجدته يُحمّل كل الشرور في اليمن إن لم يكن في العالم للإصلاح، وأحسست أنه صار يستغبي قرائه كثيراً. فهو مثلاً كتب مدافعاً عن الخبر الذي نشرته وكالة أنباء فارس الإيرانية (شبه الرسمية) عن كتائب الحسين التابعة للحوثي المجهزة للسيطرة على صنعاء بأن الإصلاحيين هم من سرب الخبر للوكالة! وكذلك تعليقه على ما نشره موقع أنصار الله عن هروب العديد من القادة السياسيين ومنهم من أسماه الموقع بالمخلوع خوفاً من الخطاب التصعيدي لعبدالملك الحوثي بأن الإصلاحيين أيضاً هم من سرب الخبر لمحرر الموقع! وبت أخشى أن يأتي يوم يبرر فيه ورود عبارات لم تعجبه في خطاب الحوثي بأن الإصلاحيين هم من دسها في خطاب (السيد). وتلك صفة لم تعد تقتصر على البخيتي وغيره من الكتاب الحوثيين لكنها صارت – مع الأسف الشديد - صفة مميزة لجميع الحوثيين وأنصارهم تقريباً، حيث نصبوا من الإصلاح عدواً لدوداً لهم، وأعلنوها صريحة بأنه لا يوجد لهم عدو سواه، وذلك ما جعلهم يكتفون بالرد على من يقول كلاماً أو يتخذ موقفاً لا يعجبهم أو يعارض بعض أخطائهم من غير الإصلاحيين بوصفه أنه مجرد إصلاحي.. وكأن الانتماء للإصلاح صار تهمة تستوجب العقاب! مع أنهم يرددون دائماً بأن قضيتهم إنما برزت بسبب الإقصاء الذي مورس ضدهم، وعندما تعاطف الناس معهم أردوا ممارسة ما كانوا يشكون منه ضد من يعتقدونهم خصوما بصورة أشد وأنكى. ولذلك فقد وصفوا هيئة الاصطفاف الشعبي التي تكونت من قامات وطنية مستقلة كبيرة ومعروفة أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح والأستاذ يحيى العرشي بأنهم مجرد (نهاقون) و(كلاب مستأجرة)، ووصفوا الملايين التي استجابت لدعوتهم بالاصطفاف الوطني بكونهم إصلاحيين، وحتى لو كانوا جميعهم إصلاحين – وذلك غير صحيح – فهل يجوز أن يصل الفجور بالخصومة معهم إلى هذا المستوى؟! لا يفهم هنا بأن الفجور بالخصومة مع الإصلاح أمر يقتصر على أنصار الله لكنه يمتد ليشمل قسم من حزب المؤتمر تحت تأثير الخصومة التي ولدتها ثورة فبراير الشعبية بين الجانبين، وكذلك يشمل كثير من المنتمين للتيار اليساري (من الاشتراكيين والقوميين) مدفوعين بما يعتقدونه خصومة تاريخية بين (القوى المدنية الحديثة) و (القوى التقليدية). وضعت المدنية والتقليدية بين قوسين لأني لا أؤمن بأن المدنية أو التقليدية هي عبارة عن انتماء لتيارات محددة، وقلت ذلك للقيادي الاشتراكي قادري حيدر في لقاء تلفزيوني جمعني به، قلت له المدنية والحداثة سلوك وممارسات فردية ومن الخطأ جعلها انتماء، ولعله من المناسب أن أُذكّر القارئ الكريم هنا بأن الشيخ الذي قام بلطم العسكري في مؤتمر الحوار لأنه تجرأ على تفتيشه كان اشتراكياً ولم يكن إصلاحياً ولا حوثياً أو مؤتمرياً. ولذلك سيكون من الأفضل لو أننا في مدحنا وذمنا تعاملنا مع سلوكيات وممارسات ولم نتعامل مع جهات وانتماءات نتمترس من خلفها، لذلك علقت على رسالة وردتني من أكاديمي وصديق عزيز (غير إصلاحي) وهو يلفت انتباهي لمطالعة مقال الأستاذة أروى عثمان "أنا الشعب" بتمنياتي أن نملك نفس قدرتها في مهاجمة الأخطاء أينما وجدت من غير حسابات مسبقة منا عمن سيتضرر ومن سيستفيد مما نكتب. الغريب في الأمر أني حاولت لفت انتباه صديق يساري بأن العديد من الإصلاحيين يتحلون بأفكار مدنية لا تقل عما لدى كثير من الاشتراكيين والناصريين؛ خصوصاً من الأكاديميين والصحفيين والناشطين، وذكرته ببعض الأسماء التي عرفها في ساحة التغيير، لكني تفاجأت برده العصبي بقوله بأن هؤلاء هم الأخطر على المشروع المدني وأولى بالنقد من الإصلاحيين التقليديين لأنهم يصعبون علينا مهمة (القضاء) على الإصلاح منافسنا اللدود أمام صناديق الاقتراع، الذي نريد أن نصوره بأنه شيطان معادي للمدنية والحداثة.. فقلت له إذاً يا صديقي إعلن هدفك بصراحة ولا تتخفى خلف المدنية والحداثة فهي بريئة من مثل هكذا تصرفات. خلاصة القول: المطلوب من كل اليمنيين مهما كانت انتماءاتهم السياسية والمذهبية والجهوية والفئوية أن يتحلوا بالمنطق وهم يتحدثون عن أنفسهم أو عن خصومهم، وأن يحترموا عقول الناس فهم ليسوا جماعات من الحمقى، وأن ننطلق في محبتنا وخصومتنا من قول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجه "أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون خصيمك يوماً ماء، وابغض خصيمك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".. أما الفجور في الخصومة فهي خصلة من خصال النفاق حسبما أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. أخيراً: سبق لي أن طرحت في مقال سابق بعنوان "التعايش الحوثي الإصلاحي.. فن المكن" فكرة المصالحة بين الجانبين، ذلك أن معظم المشاكل التي يمر بها الوطن اليمني في اللحظة الراهنة صارت انعكاساً للخلافات بينهما، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن خلافاتهما في معظمها لا تعبر عن حاجات حوثية أو إصلاحية بقدرما تعبر عن حاجات أطراف محلية وإقليمية ودولية تريد أن تصفى حساباتها مع أحدهما أو كلاهما. ولذلك أعتقد بأن جلسات مصارحة مشتركة بين القيادات الإصلاحية والحوثية ستكون قادرة على إذابة جزء كبير من جبل الجليد، وستجعلهم يدركون بأن حجم خصومتهما ليس بالقدر الذي يتصورونه، وعندها فقط أجزم بأن المصارحة ستتحول إلى مصالحة شاملة، وهو ما سيعود على الوطن اليمني هدوءً واستقراراً وازدهارا. ولا زلت أقول بأن قيادة أحزاب المشترك وعلى رأسها الاشتراكي والناصري هم الأقدر على القيام بتلك المهمة نظراً للعلاقات الحسنة التي تربطهما بالطرفين، ذلك طبعاً إن رغبوا القيام بتلك المهمة ونظروا للموضوع من زاوية استراتيجية وطنية بعيدة المدى، أما إن استهوتهم فكرة "مصائب قوم عند قوم فوائد" فسنكتفي بانتظار صراخهم في يوم قادم لا محالة وهوم يرددون "أُكلت يوم أًكل الثور الأبيض". • حضارة يمنية: كنت قد طرحت في مقال سابق فكرة إدخال متطلب إجباري يدرسه طلاب الجامعات اليمنية بعنوان (حضارة يمنية) إلى جانب المتطلبات الحالية (ثقافة إسلامية ، لغة عربية ، لغة إنجليزية) وقريباً (ثقافة سكانية)، بهدف تذكير الطالب اليمني بعراقة حضارة أجداده ودفعه من أجل التفكير والعمل لإعادة انتاجها من جديد، لكن البعض قال أنه لم يفهم ما الذي يمكن أن يدرسه الطالب في هذه المادة. وعليه نقول بأن الطالب سيدرس من خلال مقرر (حضارة يمنية) الانجازات الحضارية لأجداده عبر التاريخ في التجارة والصناعة والزراعة والري والدين واللغة والأدب والفن والعمارة والطب والفلك والقانون ونظم الحكم، وغيرها من العلوم الإنسانية والتطبيقية. ومعها سيدرس القدرة الابداعية لأجداده بالمزاوجة بين جغرافية بلدهم ومميزاتها وبين نشاطهم الخلاق، وهو ما مكنهم من صناعة واحدة من أرواع حضارات العالم في العصرين القديم والإسلامي، وتركيزانا على دراسة تلك الجوانب الحضارية سيتم من زاوية تحفز أبناء اليمن لاستعادة المجد اليمني التليد الذي كان، وستكرس لديهم قيم المحبة والإخاء والسلام والتعايش والشراكة الوطنية.. أحسب أن الفكرة قد وصلت لمن يبحث عن الإنجاز ولا يتحجج بأعذار يختلقها.