وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    بعد هجوم حوثي بصاروخ باليستي وطيران مسير.. إعلان عسكري أمريكية عن عملية مدمرة    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    دي زيربي يجهل مستقبل انسو فاتي في برايتون    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالباري طاهر: القوى التقليدية أثرت ثراءً فاحشاً على حساب الشعب
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

قال إن ثمة فشلاً ملحوظاً قد لحق بكافة النخب السياسية والثقافية في اليمن خلال المرحلة الماضية، وربما كان ذلك من أول يوم بعد الثورة حيث ترك كبار الضباط الذين أشعلوا فتيل الثورة صنعاء وانتقلوا مباشرة إلى جبهات القتال في كثير من المناطق في الوقت الذي استغل فيه المشايخ والقوى التقليدية الفرصة للبقاء في العاصمة صنعاء، وكانت جمهورية ما بعد خمسة نوفمبر الجسر الذي عبرت عليه هذه القوى لحجز مكانها وتأمين مستقبلها، فكانت البلاد إقطاعية مشايخية لكبار المشايخ الذين قاسوا الثورة والجمهورية على مصالحهم الخاصة.. الكاتب والمحلل السياسي اليمني المعروف الأستاذ عبد الباري طاهر يستعرض مسيرة نصف قرن مضى..
- نحتفل اليوم بالعيد الذهبي للثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر 1962م وفي وقت استثنائي جدا بالنسبة لليمن واليمنيين.. ما قراءتك للحدث بصورة إجمالية؟
الثورة اليمنية في ظروفها وزمنها وطبيعتها آنذاك حدث عظيم جداً، لأن الأحداث التي سبقت ثورة 26 سبتمبر 62م كانت أحداثا بمستوى معين من النخب التقليدية مثلا في 48م التي شارك فيها أدباء وكتاب وقضاة وعلماء دين لكنها كانت محصورة في صنعاء وفي الشرائح العليا من المجتمع، شارك في قيادتها حزب الأحرار وهو الحزب التقليدي في الشمال، وشارك فيها جزء من الأسرة المالكة، وجزء من الأسر الأخرى المنشقة عن أسرة الحكم، وكبار المشايخ من بعض الأسر الكبيرة التي كانت لها خلافات بينها وبين الإمامة، كانت ثورة 48م محصورة على النخبة ولذا لم تلق استجابة شعبية من المجتمع اليمني، بسبب تدني الوعي وبسبب أن هذه الأسر التي قامت بالثورة كانت صلتها بقاع المجتمع ضعيفة وقد نظر إليها المجتمع أن ما حصل هو صراع بين الفئات الحاكمة الظالمة قد لا تعنيه.. بالعكس في ثورة 62م قام بالثورة الضباط الصغار ذوو الانتماءات القومية من بعثيين وحركة القوميين العرب على وجه التحديد، ومستقلين لكنها مثلت قوة جديدة تختلف عن القوى التقليدية التي تصارعت في 48م، وكان الحدث ذاته مرتبطا بسلسلة الأحداث المشابهة التي حصلت في مصر، في العراق، في الجزائر، ومن هنا لقت استجابة كبيرة جداً في المجتمع اليمني وكادت تتحول إلى ثورة شعبية، ولكن دخول المشايخ وكبار الضباط على الخط، دخول الاتجاهات التقليدية أيضا وجاءت النجدة القومية المصرية وتصارعت مع المملكة العربية السعودية حول الثورة إلى حرب أهلية، وكانت أداة هذه الحرب الشعب اليمني لسبع سنوات خلقت معها ما يسمى بتجار الحروب من كبار المشايخ وكبار الضباط وكبار السياسيين وكل هؤلاء ارتزقوا من الحرب وأثروا ثراء فاحشا وتحولوا إلى معيقين للثورة والتقدم وأخلوا الثورة من مضامينها الوطنية والتقدمية، وتوزعوا بعد انقلاب خمسة نوفمبر 67م البلاد وقد أصبحوا القوة الحقيقية، سنان أبو لحوم في الحديدة، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بصنعاء، الشيخ مجاهد أبو شوارب بحجة، الشيخ أحمد عبد ربه العواضي ومحمد علي عثمان بتعز، وكادت البلاد أن تتمزق حتى جاءت حركة 13 يونيو 74م التي ضمت الاتجاه العسكري والاتجاهات المدنية بمستوى معين، هذه الحركة أعادت الاعتبار للثورة الأم سبتمبر وقامت بتحديد ولجم قوة المشايخ التي مزقت البلاد وفككته.
- أفهم من كلامك أن تنظيم الضباط الأحرار يكاد يكون هو الرافع الثوري الوحيد في العملية الثورية ولا تكاد توجد قوى أو تيارات أخرى؟
كانت هناك تجمعات أخرى، كان هناك نشاط للتجار يمثله الكميم وكان هناك نشاط للمشايخ، كان فيها الشيخ سنان أبو لحوم بصورة مهمة جداً وأسرته ومجموعة أخرى لهم صراعاتهم مع الإمامة من سابق، وهناك بعض القضاة الإسلاميين “الإسلام السياسي” لكن تنظيم الضباط الأحرار هو النواة الحقيقة التي فجرت الثورة وأشعلتها واتخذت طابع الانقلاب العسكري، لكن هذا الانقلاب العسكري أخذ الطابع الثوري نظرا لالتفاف الشعب حوله، وهبت كتائب شعبية من ردفان ومن الضالع ومن عدن لتدافع عن الثورة، لكن الذي حصل أن الثورة بدأت تنحرف عن مسارها بسبب ضعف تجربة الضباط الأحرار وانخراطهم في المعارك وتركهم للسلطة السياسية، فسيطرت القوى التقليدية على الحكم وانحرفت بالثورة عن مسارها ولم تمض إلا بضع سنين حتى كانت الثورة قد أصبحت بيد القوى المعادية للحداثة وللتقدم والتطور التي لا يهمها إلا مصالحها الشخصية فقط.
- حسب النموذج السائد في المنطقة وحتى في منطق أغلب الثورات المعاصرة كان من المفترض أن يرأس البلاد مجلس عسكري لكن ما حصل هو العكس.. ما السبب؟
المجلس الذي تشكل عقب الثورة مباشرة كان الطرف الأضعف فيه هو القوى التي قامت بالثورة!! لأن الضباط الشباب هؤلاء مثل علي عبد المغني، محمد مطهر زيد، أحمد الرحومي، صالح الأشول، هؤلاء كانوا يمتلكون قدرا من الثورية ومن الزهد في السلطة فاندفعوا إلى جبهات القتال وتركوا السلطة بيد القوى التقليدية والقوى المحافظة، علي عبد المغني قتل في الأسابيع الأولى للثورة في صرواح، ومحمد مطهر زيد رئيس الأركان قتل في سعوان، وسعد الأشول كذلك قتل، وغيرهم كثير، هؤلاء تركوا الحكم وتركوا صنعاء بيد كبار الضباط والقيادات التقليدية والمشيخية.
- ولكن القوات المصرية جاءت وأنقذت الثورة من فشل محقق وبنت الدولة الحديثة؟
القوات المصرية جاءت ولعبت دورا مزدوجا، دافعت عن الثورة والجمهورية بالمعنى العام، ولكن القوى التقليدية أو ما عرف في مصر بمراكز النفوذ مثل عبد الحكيم عامر، أنور السادات، شمس بدران، هذه المجموعة دعمت كبار المشايخ، وأسسوا مجلسا قبليا للمشايخ من مائة وخمسين شيخا وأعطوهم درجة وزير وإمكانات وقدرات هائلة، هذه القوى أصبحت هي العائق الحقيقي أمام الثورة ولعبت دورا أساسيا في الانقلاب على الثورة واحتوائها والسيطرة عليها في خمسة نوفمبر 67م.
- هذه قوى محسوبة على القوى الجديدة في مصر ولو أنها أتت من العهد الملكي “الفاروقي” البائد؟
هذه الجماعات أو الشخصيات محسوبة على القوى القديمة في مصر نفسها، وكانت آتية من النظام القديم، وكان بعضهم معاديا للثورة ومعاديا لنهج الزعيم العربي جمال عبد الناصر، وقد استطاعوا أن يؤثروا على مسار الثورة في اليمن مثلما استطاعوا أن يؤثروا على ثورة مصر نفسها، وتسليم السلطة إلى يد المشايخ والقوى التقليدية وإضعاف القوى الجديدة التي كان لها انتماءات قومية وثورية حقيقية.
- ما هي رؤيتك الخاصة لفترة الرئيس السلال التي دامت حتى 67م وانتهت بانقلاب خمسة نوفمبر المعروف؟
طبعا الرئيس السلال من العناصر الوطنية النزيهة التي كان يميل إلى التحديث والتقدم لكن الصراع الذي دام لأكثر من سبع سنوات استهلكه كثيرا، الصراع الجمهوري/ الملكي بعد الثورة أعاق التنمية وأعاق التطور وأعاق البناء، وبالنهاية أكل الثورة، وأكل أصدق وأخلص العناصر الثورية والجمهورية، وقد ورث الغنيمة القوى التقليدية من الجمهوريين وأيضا من الملكيين، ومثل انقلاب خمسة نوفمبر بداية التأسيس لهذا النظام الجديد.
- قبل انقلاب خمسة نوفمبر تشكلت القوى المناوئة للجمهورية من الشخصيات التقليدية الثورية، وتشكلت أيضا ما عرف حينها بالقوة الثالثة القريبة منها.. كيف تقرأ هذه الإفرازات الجديدة؟
القوة الثالثة التي تشكلت من بيت الوزير ومن اتجاهات مشيخية كانت مدعومة من المملكة العربية السعودية وكانت معها، وعقدت مؤتمرها هناك في الطائف في 65م وأعلنت وثيقة الدولة الإسلامية التي كان يسعى إليها الملك فيصل، وكانت بالطبع تريد الخلاص من الجمهورية ومصالحة القوى القديمة التي كانت متصارعة في 48م، كانت تريد الوقوف على أرضية جديدة والخلاص من الثورة والجمهورية، وهناك وثيقة الطائف التي وقع عليها أهم مشايخ اليمن.
- ما ذا يعني ذهاب أكثر من مائة شيخ ومن أغلب مناطق اليمن لحضور مؤتمر الطائف الذي تبناه الملك فيصل من أجل إعلان الدولة الإسلامية في اليمن؟!!
هؤلاء كانوا جمهوريين في النهار وملكيين في الليل!! كانوا يتعاملون مع الجمهورية لاستنزاف أموال مصر، لكن مصر عبد الناصر أو مصر السادات أو مصر حسني ليس بإمكانها منافسة المال السعودي، المال السعودي ضخم جدا وإمكاناته كبيرة، وقد اجتذب هذا المال فئات كبيرة جدا وأن تؤثر في العملية السياسية، وفي الثورة، ولا تنس هزيمة 67م التي أخرجت الجيش المصري من اليمن لتتأسس في الشمال اليمني الحقبة السعودية الحقيقية، أصبح الحاكم اليمني يتعامل مع السعودية كموظف سعودي.. هناك إلى اليوم مئات وآلاف الأشخاص من يتقاضون رواتب شهرية من السعودية في رأس الدولة بعضهم باسم الدعوة والجهاد الديني وبعضهم ارتزاق وبعضهم من أجل الولاء ولعب دور سياسي، تولى إدارة اليمن حكام غير وطنيين لهم علاقتهم المباشرة بتجار الحروب، بتجار الأسلحة، بتجار المخدرات، لهم علاقة مباشرة بتعطيل البلد وجعلها تابعة وذليلة ويدها سفلى على الدوام.
- أين أنتم التقدميون؟ المثقفون؟ حملة الفكر والأقلام مما يحصل من هذا كله خلال كل هذه الفترة؟
إذا تريد الصدق أقول لك: عندما قامت ثورة سبتمبر 62م كادت الأمية أن تصل إلى نسبة 90% وأقصد هنا الأمية الأبجدية التي تعتبر باب جهنم للأمية المعرفية، وبالمقابل القوى المتقدمة المنتمية للعصر والمثقفة كانت ضعيفة جدا، هذه الجماعة إلى اليوم ضعيفة، وإلى اليوم 60% في صفوف الرجال هي نسبة الأمية وأكثر من 70% بين الناس كذلك وهي أمية أبجدية، هذه الأمية عائق أمام المعرفة أمام العصر، أمام التمدن أمام الحضارة، أمام كل شيء. وانظر حتى ثورة اليوم الكبيرة على اتساعها في المدينة والريف لا تزال معاقة، هناك تحالف شرير بين النخب السياسية التقليدية مع رأس الجيش التابع لعشيرة ما، تحالف مشيخي أيضا بين النخب الاجتماعية الذين انفصلوا عن قبائلهم وأصبحوا يبتزون الدولة بالقبيلة ويبتزون القبيلة بالدولة، أصبحوا أقرب إلى التجارة وإلى الانتهازية السياسية منه إلى الانتماء الحقيقي للوطن، هذه القوى لا تزال عائقا إلى اليوم وقد ربطت مصالحها بالصراع الذي عطل مصالح الناس وعطل الحداثة وعطل البناء والتنمية، اليمن اليوم يعيش حالة إعاقة جراء هذه النخب المتصارعة والمتقاتلة على الحكم.
- كأنك الآن تبرئ القوى التقدمية واليسارية المثقفة من أية تبعات أو مسئولية جراء ما حصل؟
لا. لا أبرؤها إنما أقول إنها كانت من الضعف ومن الهشاشة بمكان، لم تكن مؤثرا تأثيرا حقيقيا في الأحداث، هي جزء من الخلل العام إلا أنها ضعيفة ومنقسمة وممزقة ودخلت في صراعات مع نفسها قبل أن تصبح قادرة على التعبير عن نفسها. فقدت القدرة على التعبير عن مصالحها ومصالح الناس، لذا فهي خارج إطار اللعبة. أنت تلاحظ كان يوجد في الجنوب الجبهة القومية. والجبهة القومية تنظيم حديث ينتمي للعصر، كانت هي العنوان لكن محتواها عبر عن نفسه في يناير 86م في صراع قبلي أهلي، متخلف. هذه هي الحقيقة، النخب الثقافية المستنيرة عاشت في الهامش لا في المتن حتى الآن. القوى التقليدية كلها بما فيها أحزابنا القائمة اليوم الإصلاح، الاشتراكي، الناصري، البعث، هذه ظلت تراهن على إصلاح النظام من داخله حتى وصلت السلطة إلى مرحلة قلع العداد معها وتحداها بالتوريث وبكل شيء، الذي تنبه للقضية مؤخرا ليست هذه الأحزاب وأشعل فتيل الثورة هم الشباب الذين نزلوا إلى الساحات والميادين في كل مدن اليمن، وما أن اشتعلت الثورة السلمية وتحركت حتى سقط جزء كبير من جدار النظام على هذه الثورة وعطل حركة الشباب واليوم يعيق الحل السياسي، هذه القوى لا ينبغي الاستهانة بها، قوى مادية هائلة، قوى موجودة في المشيخة، موجودة في الأحزاب التقليدية.. في كل مكان.
- طيب دعنا نعود إلى الوراء قليلا وتحديدا إلى حكومة ورجالات خمسة نوفمبر 67م ألم يكن من تسميهم أنت بالمستنيرين وأقصد البعثيين تحديدا جزءا من هذا النظام الظلامي الرجعي حسب تسمية الدكتور محمد علي الشهاري له؟
هذا محسوب عليهم. لكن يا أخي هذا جزء من انفصام هذه القوى، عندما تكون هذه القوى ضعيفة وهامشية لا تعبر عن مصالحها ولا تدرك مصالح الناس، الطبقة الوسطى بشكل عام في اليمن التي جاءت منها هذه الحركات، الإسلام السياسي، البعث، الناصري، الاشتراكي، كانت هذه منقسمة ومتصارعة، والعجيب أنها متصارعة وهي هامشية ولم تكن رقما فاعلا في الحياة السياسية، البعثيون فعلا كما ذكرت اشتركوا في انقلاب خمسة نوفمبر، بعد أسابيع كان هؤلاء مع زملائهم في السجون! كانوا جزءا من لعبة تديرها القوى المشيخية وكبار الضباط والسياسيين في القوى التقليدية. يا أخي التمزق والتشتت في قوى الحداثة والتنوير لا يزال قائما إلى اليوم ولم تستطع هذه الجماعة أن تشكل جبهة أو تكتلا لتعبر عن مصالحها ومصالح الشعب.
- بحركة 13 يونيو 74م التي قادها الشهيد إبراهيم الحمدي كانت أضواء اليمن الجديد قد بدأت في التبازغ والتسلل كما تتبازغ أضواء الصباح من عتمات الليل، لكن هذا النور سرعان ما تم القضاء عليه ليعود الظلام ثانية.. كيف تقرأ ذلك؟
حركة 13 يونيو 74م كانت حركة باتجاه المستقبل، وأهم ما في هذه الحركة هو التنسيق القوي مع سالم ربيع علي الرئيس الجنوبي في وقته، وكانت هاتان الشخصيتان الوطنيتان الكبيرتان لها إدراك جيد لإذلال بعض دول الجوار لليمن فقررا أنه لا مناص من تجاوز هذا إلا ببناء دولة قوية في اليمن، واتفقوا على ذلك، وطرح إبراهيم الحمدي مسألة الدولة المركزية القوية والحديثة والقضاء على مراكز القوى والمتنفذين في الدولة حتى أصبح كبار مشايخ اليمن آنذاك منزوين في مناطقهم كشخصيات اجتماعية فقط.
- الرئيس الحمدي وصل إلى السلطة مدعوما من دول الجوار وبرضا المشايخ هؤلاء؟
صحيح إنما كان رجل دولة ويحمل مشروعا للبناء.
- لندع الحمدي ومرحلته.. جاءت بعدها مرحلة جرجرت ذويها إلى الأمس القريب وربما إلى اليوم بطريقة أو بأخرى قالوا إن قائدها أتى بما لم يأتِ به الأوائل من المنجزات العملاقة والتنمية الكبيرة..؟
فترة علي عبدالله صالح ربما كانت هي أسوأ فترات التاريخ اليمني كله، علي عبدالله صالح جاء من قاع المجتمع وهذه ميزة كبيرة جدا تحسب له كما أشار إلى ذلك الأستاذ عبدالله البردوني، ولكن هذا الآتي من قاع المجتمع ومن أصغر القبائل كان مليئا نفسيا بالثأر القبلي وثقافة الفيد والنهب والصراعات والحروب، هذه الثلاثين السنة العجاف من عمر الشعب اليمني كانت كلها حروبا وصراعات, هذه الحرب الأخيرة التي تبناها في صعدة بالوكالة عن المملكة كانت حرب ارتزاق، حرب 94م حرب تدمير وارتزاق، حروب المناطق الوسطى قبلها كذلك، هذا الرجل لعب دور مرتزق حرب، تاجر بالسلاح مثلما تاجر بالأرواح والدماء وفترته كلها فترة قهر وبطش وصراعات، خون كل الشعب اليمني وفئاته ولم يبق إلا هو وحده وطنيا فقط، الزيدية ملكية ورجعية.. الإسلام السياسي عملاء وخونة..الاشتراكيون انفصاليون.. الناصريون انقلابيون..التيارات الأخرى ثأرية وانتقامية وحاقدة البلد كله متهم عنده، الشعب اليمني كله متهم، ولو راجعت كل خطاباته الرسمية لوجدتها دفاعا عن الفساد.. دفاعا عن الاستبداد وتجريما وتخوينا للشعب اليمني.علي عبدالله صالح عسكر الحياة السياسية وعسكر حتى المؤتمر الشعبي العام تمت عسكرته وللأسف لا يزال إلى اليوم تحت إرادة علي عبدالله صالح وعلي صالح انتهى اليوم، نعم انتهى تماما بإرادة شعبية، بإرادة إقليمية ودولية وأصبح وبالا على البلد وعلى حزبه.
- أستاذ عبدالباري أتمنى ونحن نتحدث الآن عن فترة خمسين سنة مضت أن نتريث قليلا لنقيم كل حزب من الأحزاب السياسية الكبيرة في البلد وقد أشرنا إلى المؤتمر الشعبي العام سابقا ولنبدأ من أكبرها وهو التجميع اليمني للإصلاح؟
الاتجاه الإسلامي في اليمن منذ العام 48م كانوا مشاركين في الحياة السياسية في البداية كرموز وأشخاص كانوا متواجدين في قلب الحركة الوطنية، ومن حسن الحظ فلم تشهد الفترة السابقة صراعات حادة بين الإسلاميين والعلمانيين، ربما حصلت بعض المناوشات لكنها قليلة أقل مما حصل في سوريا أو العراق أو مصر أو الجزائر، من الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية في اليمن أنها عاشت في ظل الحكم وعاشت تحت نوع من الرعاية من الحاكم الذي كان لها كالمظلة، لم يحصل أي صراع بينها وبين السلطة كما حصل مع القوميين أو مع اليسار.
- تلك ميزة لها وليست مثلبة؟
من الممكن ذلك، ومن جانب واحد، لكن من جوانب أخرى له سلبياته، نخبها القيادية اقتربت من الحكم فأصبح لديها نفس آلية وتفكير السلطة نفسها، وأيضا ربما تشبعت ببعض المصالح التي منحت إياها من قبل الحاكم، أيضا من سلبياتها تحالفها مع التيارات المشيخية، وخاصة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ربما كان من أصرح اليمنيين كتابةً عن نفسه في مذكراته، لكنه كان لديه عداوة كبيرة جدا مع الحداثة، عداوة مع الدولة..مع العلم..مع المعرفة بشكل واضح، وهو يقول هذا الكلام، والشيخ عبدالله متحالف مع النظام، وقد دفع الإصلاح إلى الاشتراك مع السلطة الفاسدة فترة طويلة من الزمن، محمد اليدومي يقول: نحن لعلي عبدالله صالح حزب الشدة!! أي أن المؤتمر الشعبي العام حزب الرخاوة، وهو طبعا يقصد بالشدة الحرب، ومعنى هذا أن هذا الحزب اشترك مع علي عبدالله صالح في جرائمه ضد الشعب، وللأسف الشديد حزب الإصلاح حتى اليوم لم يقدم نقدا حقيقيا لتجربته، ولا تزال نزعتهم للخصومة مع الآخر قوية رغم دخولهم في تحالف واحد مع بقية أحزاب اللقاء المشترك ربما أكثر من الأحزاب الأخرى كلها، وألفت انتباهك حين صور الإصلاح حرب 94م أنها حرب بين الإسلام والكفر.
- فيما أعرف أن هذا لم يعد تفكير حزب الإصلاح إذا ما نظرنا إليه من زاوية كونه مؤسسة بقدر ما هو تفكير ونزوات أشخاص محسوبين عليه ربما بدءوا يضيقون منهم؟
فرق بين الجسد والرأس، هذه الأمراض لا تزال في رأس الإصلاح لا في جسده، عندهم هذا الخلل، قواعد الحزب واسعة وتمتلك رؤية جيدة وهي مع الحداثة وللأمانة فأكبر الحداثيين والمتنورين والمنفتحين ودعاة الدولة المدنية الحديثة إذا قسناها من ناحية الكم فهم داخل الإصلاح أكثر من أي حزب آخر، لكن الخلل في رأس الحزب الذي لا يزال مصمما على النهج القديم، الحزب لم يقدم على نقد وتقييم مراحله السابقة.
- يكفي ما قلته عن الإصلاح.. ما ذا عن الاشتراكي؟
الاشتراكي للأسف الشديد ربما أكثر الأحزاب شيخوخة، رأسه القديم سيطر على كل شيء، والتجديد لم يصل إلى الرأس، القوى الحديثة فيه قلية، له حروب وصراعات سابقة أثرت عليه كثيرا ولم يتعاف منها حتى اليوم، وقد طرح اليوم قضايا جميلة وجيدة مثل النقاط الاثنتي عشرة التي طرحها سابقا وقبل بها المشترك، لديه نقد واضح لتجربته لكن هذا النقد والتقييم لا يترافق مع فعل على أرض الواقع. عليه اليوم أن يجدد في بنيته الداخلية، أن يغير في رأس النظام، أن يعيد صياغة نفسه، من ناحية الانتقاد للتجربة فهو ربما من أكثر الأحزاب انتقادا لتجربته.
- والناصري؟
الناصري كان يُراهن عليه من ناحية الشباب، إلا أنه بدأ في الآونة الأخيرة يتكلس ويجمد، ربما إنه أكثر شبابا من الأحزاب الأخرى إلا أن الشيخوخة بدأت تدب إلى جسمه مؤخرا.
- اتحاد القوى الشعبية وحزب الحق؟
هذه قوى دلالتها وتعبيرها رمزي ضعيفة الامتداد في المجتمع اليمني، هي تعبر عن اتجاهات معينة لكن ليس لها امتداد واقعي.. (أنت تعمل لي خصومة مع الناس كلهم. يضحك..)
- أريد قراءة سريعة لأهداف ثورة 26 سبتمبر التي نحتفل اليوم بذكراها الخمسين.. الإخفاق والإنجاز؟
عندما أقرأ الأهداف اليوم ربما تكون الرؤية سلبية، وشخص ما مثلك على سبيل المثال أنت وأبناء جيلك تقييمكم سلبي لأنكم لم تعيشوا الظروف في عصر الإمامة، قامت الثورة والبلد فقير وجاهل ومريض لا تعليم ولا مستشفيات ولا شيء من ذلك، أهداف ثورة 26 سبتمبر كانت تنتمي للعصر، لعصرها هي آنذاك بصورة أساسية ربما أكثر من أهداف الثورة المصرية، رغم تأثير الثورة المصرية عليها، تلك الأهداف في ذلك الوقت كانت فاكهة ربما تشبه شعار الدولة المدنية اليوم ولها دلالة كبيرة جدا، ولقيت استجابة كبيرة جدا من الناس، لكنها لم تتجذر ولم تنفذ على أرض الواقع، اليوم بعد خمسين سنة عليها الأمية لا تزال 60% في المجتمع اليمني، أقول: لا ينبغي الوقوف اليوم عند حد لعن الإمامة فقط لا بد أن ننتقل إلى البناء، البعض يرى نفسه اليوم أنه عاد إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 62م علي عبدالله صالح أعاد الشعب اليمني إلى مرحلة ما قبل ثورة 26 سبتمبر 62م. إذا كانت الإمامة تنص في الإمام أن تتوفر فيه أربعة عشر شرطا فإن علي عبدالله صالح أعادها إلى ابنه بلا شرط واحد، وإذا كانت للإمامية شبهة البطنين كمسألة دينية فإن علي عبدالله لا شبهة له!!
- لطالما قال هو وأتباعه خاصة قبل الثورة أنه باني نهضة اليمن، وأنه موحد اليمن، وفارس العرب، وله تسعة وتسعون اسما..؟!
يا أخي اليوم تجد المرأة متعلمة والأب متعلماً، لكن البنت والولد الصغير غير متعلمين!! من أين جاء هذا الأمر؟ وأين النهضة من هذا؟ في عدن وصلوا بالتعليم قبل الوحدة إلى مستوى الكويت، إلى مستوى فلسطين، بشهادة اليونيسكو اليوم عادت الأمور إلى الأسوأ وزادت نسبة الأمية في عدن وغيرها، علي عبدالله صالح أمي حكم بالأمية وحكم بالحرب وحكم بالإفقار.
- لما ذا تحمل علي عبدالله صالح كل مشاكل الشعب اليمني؟
ربما شاركه آخرون، لكن هو الرئيس والرجل الأول في النهاية وهو رمز البلاد. وهو الذي وضع نفسه في هذا المكان، لأنه حكم بالمشايخ، حكم بالعسكر، حكم بقوى تقليدية.. حكم بجار لديهم مصالح غير مشروعة وغير قانونية، حكم بقوى فاسدة، وبموظفين مرتشين، هذا هو علي عبدالله صالح.
- بم تعلل عودة أصوات الإمامة من جديد بعد خمسين عاما على قيام ثورة 26سبتمبر ضد الإمامة؟
عندما تتوقف حركة مجتمع ما سرعان ما تعود وتنشأ أصوات الماضي، أنت أوقفت حركة السير باتجاه المستقبل، وبالتالي فلن تستطيع الاستمرار أو حتى الوقوف أمامك حتماً سترتد إلى الماضي، عندما تضعف الدولة تحل محلها القبيلة، عندما يضعف الولاء الوطني يحل محله الطائفة والولاء لها، اليمن تعاني من تفكك كبير، وعلي عبدالله صالح حكم بهذا التفكك, اشتغل عليه.
- برأيك ما هي أولويات اليمن خلال الفترة المقبلة؟
هناك عدة أولويات وأولها خروج البلاد من هذا المأزق، أن تتجنب البلاد الحرب وتبدأ البناء، صحيح توقفت الحرب حتى الآن، لكن احتمالاتها قائمة، طبعا هذا الاحتمال يضعف يوما بعد يوم، اليوم وزير الداخلية لا يستطيع حماية نفسه فكيف سيحمي الناس؟ وكيف سيحمي اليمن؟ منتهى الفشل والمذلة أن تقبل حماية الناس وأنت غير قادر على حماية نفسك. نحن نحتاج اليوم من الدولة أن تتحالف مع الشعب مع الشباب.. مع الحراك الجنوبي، نصف مليون من أطفال اليمن مهددون بالموت من الجوع ونقص الغذاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.