جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حسن محمد مكي:أصوات الإمامة لم تنته بعد رغم مرور خمسين عاماً على الثورة
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

يرى الخبير الاقتصادي ذو الثقافة اليسارية العالية الدكتور حسن محمد مكي - رئيس الوزراء الأسبق- أن اليمنيين قد ولدوا من جديد يوم 26 سبتمبر 1962م حين كسروا “القفل الغثيمي” الذي كان مطبقاً عليهم من قبل، مشيراً في سياق حديثه إلى أن أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م لم تتحقق حتى الآن بسبب نزعة التسلط وبروز القوى التقليدية التي أنهكت اليمن، على الرغم من أن اليمن يكتنز بالموارد الطبيعية التي تشكل له نهضة كبيرة لو تم استغلالها لأن الموارد الطبيعية في باطن الأرض لا تصنع الغنى وإنما استغلالها هو الذي يصنع الغنى والتنمية، داعياً إلى الاضطلاع بأهمية الحوار الوطني خلال المرحلة الجارية لأنه النافذة الرئيسة لأن يطل اليمنيون من خلاله على يمن جديد خال من عقد الماضي ورواسبه المتخلفة ومن خلال وضع دستور قوي للبلاد يحترمه الجميع..
خمسون عاماً مضت حتى اليوم على انطلاق شرارة ثورة 26 سبتمبر 1962م.. قراءة في الحدث أولاً؟
لقد أراد الله لليمن أن تخرج من عقالها الشديد الذي يشبه ما يسمى باللغة الدارجة “القفل الغثيمي” الذي كان مانعاً لدخول تيار الحضارة ووسائلها الحديثة، وكان متعصباً مذهبياً ولم يستوعب إلا مؤخراً أن اليمن أكبر من المناطقية ومن المذهبية بعد أن ضعف وتآكلت بنيته وظهرت سوأته بفعل عودة المغتربين وبفعل التكنولوجيا والتطور في وسائل الحياة ونتائج الحرب العالمية الثانية على اقتصاد اليمن والحصار الذي واجهته اليمن إبان الحرب وشحة الموارد الأساسية، فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية لم تستوعب الإمامة المتغيرات العالمية وآثارها على الشعوب الفقيرة، فكانت تلك المجاعات ولم يسمح للعالم بتقديم المعونات الإنسانية إلا في نطاق محدود، مرت سنوات طويلة شهدت اليمن خلالها مجاعات رهيبة وأمراضاً فتاكة كالجدري وغيره، إلا أنه من حسن الحظ كانت أبواب الهجرة مفتوحة فهاجر كثير من اليمنيين إلى بلدان عديدة واضطرتهم أحوالهم الاقتصادية الصعبة إلى العمل في أشد المهن خطورة على حياتهم كالموانئ والسفن والمحاجر، ومع هذه الموجة من الهجرة استطاع اليمنيون أن يحصلوا على نوع ما من التعليم الجيد في البلدان التي هاجروا إليها ومن الثقافة العامة التي فتحت أعينهم وعقولهم على طبيعة الحياة العامة لدى الآخرين، وأيضاً كونوا رؤوس أموال جيدة، فعاد بعضهم إلى بلده خاصة بعد انتشار القوميات في أفريقيا وبعض البلدان الأخرى؛ لأن الوعي القومي لتلك الشعوب بدأ يضايق هؤلاء المغتربين هم وغيرهم لاسيما بعد خروج الاستعمار، عاد كثير منهم إلى أرض الوطن وقد أصبحوا يملكون من المال الكثير فعملوا على مساعدة الحركات السياسية الداخلية الموجودة والتي كانت قد بدأت تتشكل في بداياتها الأولى من أجل تغيير الأوضاع، فكانت نتيجتها في اليمن الثورة الدستورية الأولى سنة 1948م، مع أهمية الإشارة إلى المحاولات التي كانت قد سبقتها وإن بشكل آخر على صورة تمرد أو حركة أو انتفاضة أو ما شابه ذلك، ولم تنجح ثورة 48م إلا أنها أثرت بشكل كبير على الإمامة ونظامها فأزالت صفة القداسة التي كان يتوهمها البعض في الإمام نتيجة للجهل والأمية، واستأنف المغتربون والمثقفون نشاطهم من جديد حتى قامت الثورة المصرية ودعوتها القومية، ففتحت نافذة أخرى من النور والدعوة إلى التغيير والتطوير والحداثة، وكان إعلامها قوياً وقوتها المعنوية شديدة التأثير خاصة مع دخول انتشار الراديو والترانزستور، فكانت هذه عوامل جديدة للتغيير، مضافاً إليها مخرجات البعثات التعليمية التي كانت قد تعلمت في الخارج وعادت إلى أرض الوطن من مدنية وعسكرية، فكانت ثورة 26 سبتمبر التي أراد الله لها النجاح بفضل الله تعالى ثم بفضل إخواننا المصريين الذين هبوا لدعم الشعب اليمني ودعم ثورته ضد فلول النظام البائد، وتزايد الوعي والتطلع لمستقبل أفضل يوماً بعد يوم، فكانت تلك العزيمة القوية من كل اليمنيين في الدفاع عن جمهوريتهم ونظامهم الجديد باستماتة حتى بعد خروج المصريين، ولا ننسى أيضاً أثر ثورة 14 أكتوبر 63م في الجنوب وأثرها في تعزيز الروح الوطنية الجديدة التي غيرت وجه اليمن.. طبعاً أمثالكم من الجيل الجديد المتعلم لا يعرفون كيف كانت الحياة آنذاك قبل سبتمبر 62م، ولو أنكم قد قرأتم عنها في الكتب لكن ما سجل هو القليل، كان الوضع مزرياً للغاية، فكلما تأزم الوضع واشتدت وطأة الحياة على المواطنين زادت قبضة الإمامة على الناس وزادت جباية الأموال حتى أفقرتهم، عقلية الإمامة كانت متحجرة إلى حد كبير لا تستطيع استيعاب المتغيرات الحديثة ولا حتى مجرد القبول بها! حتى كان التغيير مسألة حتمية لابد منها، تحرك الضباط الأحرار وتكاتف إلى جانبهم الشعب اليمني من كل مناطقه، على الرغم من التدخلات الإقليمية ودعمها الكبير مادياً ومعنوياً وإرسالها خبراء التدريب وغيرهم التي جعلت المعركة تطول لسبع سنوات بعد الثورة، وهو ما أضعف اليمن اجتماعياً واقتصاديا؛ لأن سبع سنوات من الحرب استنزفت كل إمكانات الشعب اليمني الاقتصادية والمالية وحتى البشرية، إلا أن إرادة الشعب اليمني بالنهاية انتصرت.
ولا ننسى أن نشير إلى الأهمية الاقتصادية التي كانت تمثلها الأقلية اليهودية في اليمن من خلال الدخل الكبير الذي تميزت به في حرفها المتميزة، هاجرت هذه الفئة إلى الخارج وسحبت كل أرصدتها وأموالها التي كانت معها في الداخل، كانت الأقلية اليهودية من أغنى العائلات في اليمن، وكانت مسيطرة على أغلب الحرف الصناعية في اليمن كما هو معروف، حتى الحرف أو المهن الوضيعة التي عملوا فيها والتي كانت تدر عليهم دخلاً مالياً جيداً، وفي ذلك الوقت لم يكن في اليمن كلها متسول يهودي واحد، فغادروا ضمن مشروع “بساط الريح” الذي تبناه البريطانيون آنذاك عن طريق عدن، وكذا الوكالة اليهودية والغرب بشكل عام الذي دعم هذه الهجرة إلى فلسطين.
وهناك عامل آخر وهو انحسار الأسعار العالمية للمنتجات الزراعية كالحبوب والدواجن والبن وكل المنتجات اليمنية عقب الحرب العالمية الثانية، حصل هبوط في الأسعار، استطاعت بعض الشعوب المتقدمة آنذاك أن تعالج هذه الأشياء على طريقتها بإجراءات حكومية، لكن الإمام استمر في فرض الجباية على الشعب وفرض الضرائب مع حصول الانهيار في الأسعار..
- دكتور.. هذه عوامل ما قبل سبتمبر بالفعل ومهم الإشارة إليها، لكن لنتكلم عن فترة ما بعد قيام الثورة التي مشت وئيدة الخطى ثقيلة الحركة إلى حد كبير خلافاً لكثير من الثورات التي عرفناها في المنطقة وخارج المنطقة؟!
صحيح ما ذكرته لكن لا تنسى الولادة الصعبة التي ولدت بها ثورة 26 سبتمبر، وما أعقبها من سبع سنوات حرب أنهكت الشعب واستنزفت موارده ومقدراته كما أشرنا سابقاً، مني الشعب اليمني بخسائر فادحة خلال فترة الحرب بعد الثورة..
- كم تقدر حجم الخسائر البشرية والمادية الأخرى؟
هي كثيرة جداً، والواقع أنه لا توجد إحصائية دقيقة ومعروفة، إنما من خلال تأثيرها الذي لمسناه وعانينا منه نستطيع أن نقدر ذلك على سبيل الإجمال فقط بالقول: إن الخسارة كبيرة وفادحة حقاً، تأخرنا كثيراً في التعليم وفي التنمية وفي كثير من الجوانب بعد الثورة بسبب الحرب وبسبب شحة الموارد، وما تحقق من إنجازات هي هبة ومساعدات كانت من مصر وروسيا والكويت، هؤلاء ساهموا بدور إيجابي جيد ساهم في التأثير من حدة الوضع المتأزم، وكانت مساعدات بسيطة لا تقوى على مواجهة متطلبات الشعب الذي كان متخلفاً ووضعه في الصفر، لا ثروات ولا زراعة ولا موارد ولا شيء من ذلك، وقد ساهمت الهجرة بعد ذلك للعمل في دول البترول وخاصة المملكة العربية السعودية في التأثير الإيجابي والحد من تلك الأزمات التي عانى منها الشعب اليمني طويلاً، حصل نوع من العوض في الهجرة من شرق أفريقيا إلى الجزيرة العربية وبعض الدول الأخرى، ولقد كانت الطموحات كبيرة إنما القدرات بسيطة..
- دكتور هناك دول قامت فيها ثوراتها بعد اليمن بكثير لكنها تقدمت كثيراً في الوقت الذي لايزال فيه اليمن متأخراً حتى اليوم كإيران مثلا، كماليزيا، هذه دول جاءت ثوراتها متأخرة لكنها حققت إنجازات جيدة إلى اليوم، ما هذه المفارقة؟!
هؤلاء حتى لو قارنتهم بمصر التي ابتدأت قبلنا ستجدهم سبقوا مصر، هؤلاء ظروفهم وربما ثرواتهم ساعدتهم على التغيير الذي حصل، مشاكلنا في اليمن متراكمة وكثيرة إلى اليوم، انظر إلى التعليم اليوم كيف هو لايزال سيئاً إلى حد بعيد، الصحة كذلك، التدهور الحاصل اليوم في بنية مؤسسة الدولة أكثر من ذي قبل، في اليمن اضطرابات وعدم استقرار على الدوام، أضف إلى ذلك التسلط وبروز شيوخ القبائل..
- اليمن غنية بمواردها الطبيعية وهي بكر بالثروات.. اليمن قارة مصغرة تمتلك ما لا تمتلكه الكثير من الدولة المتقدمة علينا، ومع هذا هي على هذا النحو من الفقر.. ألا يبدو الأمر مثيراً للدهشة؟
الموارد الطبيعية لا تولد الغنى في حد ذاتها؛ لكن استخراجها واستثمارها هو الذي يولد الغنى، وكما قال الملك عبدالعزيز عندما أدخل الأمريكان للأراضي المقدسة وغضب منه شيوخ الدين حينها فرد عليهم قائلاً: هذه الأرض نحن لا نعرف إلا نتبول عليها فقط، وهؤلاء يعرفون استثمارها والاستفادة منها، فلم لا نستفيد منها؟ كان لديه وعي في استخراج الثروات، خلافاً للإمام عندنا؛ لأن الثروات وحدها في الطبيعة لا تولد غنى أبداً، لابد من العلم والفكر والمال للاستفادة منها.
ونحن لا نملك من هذه شيئاً حتى اليوم إلا الجزء اليسير لإدارة حياتنا اليومية فقط، شبابنا اليوم غير منتج، نحن نتعامل مع العمالة الخارجية اليوم لكي نستخرج القليل من الغاز والقليل من النفط! أما المعادن الأخرى فلم نستخرج منها شيئاً رغم وفرتها في بلادنا!! لاتزال كنوزاً مدفونة في باطن الأرض الغنية حتى اليوم، والرهان على الشباب المتعلم والجيل الصاعد للاستفادة منها خاصة مع القيادة المخلصة والإدارة الكفؤة التي نفتقد إليها اليوم.
وفي وجهة نظري الشخصية أن القاعدة الأساسية للتغيير الحقيقي هو الإرادة السياسية النزيهة أولاً والواعية، وكذا التعليم، الاهتمام بالتعليم النوعي الجيد في كل المجالات والمستويات، كل هذا يتطلب إرادة سياسية صادقة وواعية ونزيهة ومخلصة، وهو ما نفتقر إليه اليوم كما ذكرت، إنما نأمل بعد هذه الفترة أن يتنامى الوعي الوطني ويخرج بحصيلة وطنية جيدة واعية.
- دكتور.. ألا ترى أنه قد حصل تراجع في منظومة القيم الثورية نفسها منذ السنوات الأولى للثورة كانت سبباً لأن تسيطر القوى التقليدية بكافة أطيافها على قيادة البلاد.. حبذا لو سلطنا الضوء على هذه الجزئية؟
الثورة استمرت، وكان للفئات الواعية طموح مثلما كان للشعب طموح كبير، ولكن القوى الأخرى كانت قوتها أكبر، وذلك نظرا لكثرتها وانتشارها، كان عود القوى الحداثية والتنويرية لما يقو بعد عقب ثورة 26 سبتمبر، ولازالوا إلى اليوم كذلك، ونتمنى أن يقوى عودهم في المستقبل القريب لينال الشعب اليمني ما يستحقه..
- البعض يربط تراجع منظومة هذه القيم الثورية والوهج الوطني بانقلاب خمسة نوفمبر وحكومة الإقطاع كما يسميها البعض بعد ذلك؟
لا نستطيع القول كذلك، قد يكون التراجع بدأ قبلها، الصراعات من قبلها إنما في خمسة نوفمبر تفجر وبدا على السطح، ولا تنس الأحداث في الجنوب وأثرها في ذلك، وحتى في الجنوب نفسه تصارعت قيادتها كثيراً ولم يحققوا ما وعدوت به بعد خمسة وعشرين عاماً، وإن كان من حسناتهم العمل على توحيد الجنوب اليمني بكامله هناك وعملوا على تطوير التعليم والثقافة ومحاربة الجهل..
- دكتور.. ألا ترى أن النخب التقدمية من ناصرية وبعثية وكذا القوى اليسارية وكل هذه فئات تنويرية آنذاك قد فشلت في حمل المشروع الوطني والحفاظ على روحه التي تفجرت في يوم 26 سبتمبر فما بعده، في الحين الذي تقدمت فيه النخب التقليدية وخاصة القبلية منها؟
هذه النخب لم تفشل، وما نحن فيه اليوم ليس فشلاً، نحن في نوع من التفاعل والمقاومة، صحيح أن القوى التقليدية نهبت ثروات الشعب، وأعدت نفسها من وقت مبكر باستغلال الديمقراطية والمهادنة للدخول في التجارة خاصة تجارة السلاح إلى مدى كبير، فحصلت هذه التشوهات في بنية الدولة اليمنية القائمة اليوم، إنما الفئات التنويرية اليوم هي من نتاج هذه الثورة السبتمبرية والأكتوبرية.
- لكن ماذا نقول عن حجم ذلك الاقتتال الداخلي والاحتراب بين تلك النخب والتي تعتبر الرافعة الحقيقية للمشروع الثوري والذي أثر على نشاطها وتوجهها الوطني؟
صحيح حصل ذلك الاحتراب والاقتتال، هؤلاء اختلفوا في الوقت الذي وحدت المصالح النخب التقليدية الأخرى، مثلاً بداية حركة الشهيد إبراهيم الحمدي كانت في واقع الأمر حملة للتخفيف من وطأة هؤلاء الذين ضاقت بهم البلاد بعد أن تسلطوا عليها، لكن لأن قوتهم أكبر استطاعوا أن يتخلصوا منه باغتياله، فاستفادوا من مقتله، الفئات المستنيرة كانت على الدوام ضعيفة ومفككة.
- هذا هو أهم الأسئلة هنا: لماذا هي ضعيفة ولماذا هي مفككة؟
أولاً لأن الثقافة التي اكتسبها هؤلاء جاءت من بلدان أخرى النخب الثقافية والتنويرية فيها مفككة أيضاً، مدارس هؤلاء الأساسية أثرت على وضعهم داخل اليمن، فنقلوا مساوئ ما حصل في البلدان العربية إلى اليمن، وقد حاولنا كثيراً جعل الاتجاه القومي وحدة واحدة فلم ننجح، لشخصنة المواقف، ولا تنس أيضاً أهمية التعليم الجيد الذي يجعل الشخصنة لا قيمة لها، المتعلمون أحسوا بنوع من الزهو؛ لأنهم متعلمون في مجتمع متخلف، ومن هنا بدأ الخلل، وأيضاً لا تنس أن القوى التقليدية قد أضافت إلى وسائلها القديمة وسائل حديثة في مواجهة هؤلاء وفي إنجاح مشروعهم، كانوا هم الأكثر تواجداً والأكبر صوتاً؛ لأنهم يستندون إلى قاعدة جماهيرية واسعة، هذه القاعدة كانت جاهلة ومتخلفة، والتنظيمات السياسية والثقافية كانت ضعيفة، كان الريف كله أمياً تقريباً..
- أنت واحد من الرواد المستنيرين وأخذتم جدلاً واسعاً وعراكاً سياسياً مع هذه النخب لفترة طويلة، كيف تقرأ ذلك اليوم؟
كما قلت لك تلك النخب التقليدية أو العناصر لها قواعد في مختلف الريف اليمني واليمن آنذاك كلها ريف تقريباً، وقد اعتمدت هذه النخب التي تشير إليها على موروث لمئات القرون، إن لم يكن من قبل الإسلام فمن عهد العثمانيين على الأقل، الصراع بين شيوخ القبيلة والدولة دائم ومستمر في التاريخ اليمني، فعندما تضعف الدولة يبرز هؤلاء ويختفون بقوتها، أموال الدولة بقيت نهباً بين الحين والحين لهؤلاء فازدادوا قوة إلى قوتهم، صحيح أنه بين الحين والحين قد تضعف شوكتهم لكنهم سرعان ما يستعيدونها إذا ما ضعفت شوكة الدولة على حساب الشعب وعلى حساب العامة، وهذا يسبب تأخراً كبيراً في التنمية، ربما أن الإمامة قد أضعفت إلى حد ما من دور القبيلة لكنها بالمقابل لم تبن دولة ولم تفتح التعليم للناس..
- نتكلم الآن عن القبيلة بمفهومها التقليدي التاريخي، لكن القبيلة اليوم صارت حداثية، ورجالها صاروا ساسة وتجاراً ويسكنون القصور الفارهة..؟
صحيح لكن معنى اليمن والوطن والوطنية لم يدخل في تفكيرهم؛ لأنه يرى نفسه الأول ثم القبيلة ثم بعد ذلك اليمن، وهذا ما صرح به أكبر مشايخ اليمن سابقاً، هذه ثقافة راسخة في عقولهم، ولا يمكن تزول إلا بالتعليم الجاد والدولة المركزية المستنيرة لا المتحجرة أو المتسلطة أو المتخلفة أو التي تسعى باسم الدين أو باسم الشيطان على مقدرات وخيرات الشعب.
- أفهم من كلامك أننا فقدنا خلال الحقبة السابقة معنى الدولة وهيبتها ووجودها؟
هذا ما نأمل أن نحصل عليه مستقبلاً، وما نحلم به، وما ينادي به الشباب اليوم، وأنا متعاطف مع الشباب الذين ينادون بالتغيير وإن كنت أراهم غير واعين تماماً لما يريدونه على وجه التحديد، وأتمنى عليهم أن يظل الإحساس بالثورة مستمراً في نفوسهم، وأن يظل التغيير إلى الأفضل هدفهم المتواصل إلى ما لا نهاية؛ لأن التغيير لا يستمر إلا بالثورة المستمرة الواعية وبالتجديد في القيم الثورية نفسها، الشباب اليوم ضاعوا بين أرجل السياسيين للأسف، ومع هذا لا يريد بعضهم أن يعترف بذلك.
- هل ترى أن ثمة سطواً ثورياً على الثورة الجديدة على حساب الشباب الذين هم مفجرو الثورة ووقودها اليوم؟
طبعاً، الثورة انقسمت على نفسها، وانقسمت مصالحها، وساءت علاقتها مع بعضها، وأرى أن هذا من حسن حظ البلاد؛ لأن من بين هذا المشهد ستتخلق الثورة الحقيقية القادمة المستنيرة والواعية وتعمل على تحجيم من سطا عليها أو حاول تجييرها لصالحه.
- ذلك ما يبدو مستحيلاً أو في عداد المستحيل بعد المبادرة الخليجية يا دكتور؟
هذا الكلام في حد ذاته خطأ، على الشباب أن يؤمن أنه ليس هناك مستحيل.
- المشهد الثوري اليوم انتهى؟
لم ينته، مع أني أرى أنه لا يوجد مشهد ثوري أصلاً، الذي حصل انتفاضة، شباب ضجروا فضجوا فجاءت عوامل خارجية شجعت على الاستمرار في المشهد وعلى خلق ثورة إلا أنها أجهضت فتحولت إلى أزمة بين آخرين، ونجاحها جاء من خلال خلق أزمة إدارية بين القوى المتصارعة المتسلطة. وهو إسفين قد يؤدي إلى الثورة البيضاء مستقبلاً على الجميع ثورة نحو البناء والتطوير، الثورة لا تعني ذهاب رئيس ومجيئ رئيس آخر في حد ذاتها، الثورة بناء وتغيير، الرئيس “أي رئيس” من الممكن أن يسقط بالانتخابات، أيضاً بانقلاب عسكري، بأية وسيلة، ثورة 26 سبتمبر اكتسبت مشروعيتها الثورية من خلال استمرارها وإصرارها على النجاح، وكذا تغيير النظام برمته، وإلا كانت شيئاً آخر لو فشلت.
- هل تحققت كل أهداف الثورة؟
تحقق منها جزء فقط، لم تتحقق كاملة، من أهدافها مثلاً الوحدة، لكن انظر حال الوحدة اليوم، من أهدافها بناء جيش وطني قوي، انظر الجيش اليوم منقسم قبلياً، الأهداف الاجتماعية لم يتحقق الكثير منها، اليوم نحن أمام مهمة خلق نموذج وطني جديد للحكم يعطي الشعب ولو بعضاً من حقوقه الاجتماعية والسياسية..
- نحن جيل اليوم نحملكم أنتم الرواد الأوائل وخاصة المستنيرين المسؤولية في ذلك؟
المسؤولية يتحملها من أوصلوا البلد إلى هذا المستوى، مع أن ثمة تطوراً إيجابياً ملحوظاً في مسألة النضج والوعي والثقافة إلى حد ما..
- يا دكتور.. أنت تنظر ما عليه الشعب اليوم قياساً إلى ما قبل سبتمبر، وفعلاً ثمة تقدم ملموس، لكن الأصل أن ننظر إلى وضع اليمن اليوم قياساً إلى وضع جيرانه وإلى مقدار التطور الهائل في شتى مجالات العلوم وإلى حجم التغير الهائل عالمياً أيضاً وموقعنا منه؟ ليكن التقييم بمعيار العصر والحداثة والعولمة؟
ليس هناك نجاح كامل، الثورة أهدافها كبيرة، وفعلاً ثمة تأخر، مثلاً إزالة الفوارق بين الطبقات.. متى سنصل إلى تحقيقها كاملة، لايزال عندنا اليوم الخادم خادماً والدوشان دوشاناً، وغير ذلك من المفاهيم، الطبقية لاتزال موجودة وحاضرة في العمق الاجتماعي.
- ما السبب في ذلك؟
التعليم الجيد يا ولدي، التعليم الجيد هو وسيلتنا الوحيدة لتجاوز كل المعضلات ولتحقيق أي تقدم أو تطور، الإرادة السياسية لإيجاد بنى تحتية قوية لم تتوفر، معركة سبتمبر وأكتوبر لاتزال معركة اليوم وغداً وبعد غد. ثمة قضايا كثيرة مؤجلة..
- بعد خمسين عاماً على انتهاء النظام الإمامي الرجعي تعود إلينا اليوم ثقافة الإمامة مطلة بقرونها الشيطانية، ما هذه المعادلة الطردية؟
أولاً لست معك حين قلت تعود، هي لم تنته أصلاً حتى تعود، هي موجودة بيننا من سابق، العقائد لا تنتهي بإزالة الأنظمة، مثلها مثل الجراثيم أو الميكروبات، هي موجودة وعندما تعثر على البيئة المناسبة تنمو أكثر، وتكون فاعليتها واضحة إذا ما فقد الجسم المقاوم بعضاً من مناعته، هذه الجراثيم تظهر في الظروف الملائمة لها، وتختفي في الظروف غير الملائمة، لكنها لا تموت ولا تنتهي، هؤلاء الذين تشير إليهم عقيدتهم باقية منذ سبتمبر 62م ومن قبلها ومن بعدها، ولم تزل بزوال النظام الملكي الإمامي، قد نجد مبرراً لهم لأن يعتقدوا ما يشاءون، لكننا لا نجد لهم مبرراً للحرب أو فرض الفكر بالقوة، حصل خلال الفترة الماضية عبث واستهتار ولعب وتسلط واحتقار وتعالٍ أثار هذه النعرات التي لم تكن موجودة.
ونفس الأمر ينطبق على الوحدة اليمنية، ما يحدث اليوم في الجنوب لم يكن موجوداً من سابق، ما الذي يحدث اليوم بشأن الوحدة؟ حصل فيها عبث كبير من قبل الجميع؛ نهبوا البيوت والأراضي والمقرات من بين هؤلاء ثوار أو محسوبون على الثورة الجديدة اليوم!! التحقوا بها قبل أن يعيدوا للناس حقوقهم المنهوبة، انظر ما الذي يحدث اليوم في تعز؟ تعز الثقافة، تعز الأخوة، تعز التسامح.. اليوم يتقاتلون في الشوارع! من زرع هذه الكراهية؟
- نتحدث عن سلطة وشعب، أين دور الأحزاب السياسية؟ أين دور منظمات المجتمع المدني؟ أين دور الشخصيات الثقافية والمؤسسات البحثية والعلمية في البلد خلال الفترة السابقة؟
المشكلة أن بعض الدعوات عندنا تبدأ أممية وتنتهي قروية!! فلا تستغرب أن مثقفاً ما ينادي بالأممية وهو في احتراب مع أبناء القرية المجاورة له. ربما كان تاجراً في أنحاء اليمن مثلاً، لكن في قريته عدواً للآخرين. هذا الحاصل عندنا.
وعودة إلى تعز الثورة، تعز الإبداع والثقافة أصبحت اليوم قروية، تعز التي قبلت مختلف الأطياف من خارجها اليوم مختلفون فيما بينهم البين. اليوم نعيش بلا تعليم جيد وفي كل المستويات، ومن الأساسي إلى الجامعي كله رديء ولا تغرك الأعداد الكبيرة التي نسمع عنها.
- ألم يقل النظام السابق أنه بنى دولة مؤسسية، وأنه حقق الأمن والأمان ونشر التعليم وأسس الجامعات؟
النظام السابق عمل ما يعتقد أنه صحيح وظهرت له عيوب، صحيح أنه حقق بعض الأشياء لكنه خلق كثيراً من الشوائب والنتوءات ومن أبرزها ما نحن فيه اليوم.
- والوضع بهذه الصورة المأساوية ما هي أولويات اليمن خلال المرحلة القادمة؟
في وجهة نظري الحوار نافذة مهمة مستقبلاً لتجنب المزيد من الويلات، حوار شفاف وصادق بين الجميع، وتجاوز ما نحن فيه اليوم، نريد تغييراً طبقاً لمبادئ ثورة 26 سبتمبر، والرهان يتمثل بدرجة رئيسة على دستور قوي يحترمه الجميع وتُحترم ما تنبثق عنه من قوانين ولوائح، حتى لا نتحول بعد اليوم إلى همج وفوضويين وقطاع طرق، وأدعو الله أن يجمع اليمنيين على الخير، وعلى التآخي وعلى التوحد، وأن يعين الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي على تخطي هذه الحقبة بنجاح بجمع اليمنيين والخروج بدستور مناسب وخطة لبناء مستقبل يرضي كل اليمنيين ويحقق كل آمالهم في التطور والازدهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.