ايام عصيبة يشهدها الوطن .. يضع اليمنيون أيديهم على قلوبهم مخافة القادم المجهول ، خاصة بعدان عجزت لجان الوساطات وبيانات الدول الراعية للمبادرة الخليجية ومجلس الأمن وأخيرا بيان اللجنة الرئاسية الذي تضمن مقترحات للخروج من الازمة في ان تثني جماعة انصار الله عن مواقفهم المتشددة والمتصلبة ازاء القضايا المطلبية التي ينادون بها باعتبار انها قضايا ومطالب الشعب اليمني .. المتتبع لتطورات وتداعيات الأحداث يدرك تماما ان تلك المطالب والشعارات المرفوعة لأنصار الله ليست سوى ذريعة لتحقيق مآرب أخرى غير معلنة ، فالأزمة الراهنة كما هو معروف ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة لتراكمات وأخطاء كارثية ارتكبها طرفي الصراع الحالي ( الاصلاح وحركة انصار الله) طوال السنوات الماضية ضد بعضهما بدءا من العام 2004 او ما عرف بحروب صعدة الست مرورا بأحداث دماج ثم عمران وصولا الى الجوف حاليا . على ان هناك حقائق لا يمكن اغفالها ساهمت بشكل كبير في التسريع بصعود جماعة انصار الله ،وغروب شمس تجمع الاصلاح ،هذا الافول بطبيعة الحال كان نتيجة حتمية للسياسات الخاطئه التي انتهجها هذا التنظيم في ادارة الشأن اليمني حيث من المعروف ان هذه السياسة ارتكزت على خلق الأزمات والنزاعات والصراعات وتفجير الحروب علاوة على ما حفلت به حقبة حكم التنظيم من استشراء الفساد ونهب المال العام وقد تجلت هذه السياسة منذ اليوم الأول لهيمنة الإصلاح على الحكومة في إطار التشكيلة الكارثية المسماه حكومة الوفاق او حكومة المحاصة الحزبية ، على اعتبار انها حكومة تضم كافة اطياف ومكونات الفعل السياسي والحزبي وتحديدا المشترك وشركائه والمؤتمر وحلفائه الا ان الحقيقة الواضحة للعيان ان تصعيد وزراء من المشترك وحلفائه كان بنظر ووفق توجيهات وقناعات تجمع الإصلاح ، وبالتالي فقد فشل وزراء المشترك في اكثر من جهة ومؤسسة على ان وزراء المؤتمر لم يكونوا بأفضل من اولئك ان لم يكونوا الأسوأ فبرغم تجاربهم وخبراتهم في إدارة أجهزة ومؤسسات الدولة الا انهم سايروا الموجة ولم يقدموا النموذج الافضل ، فمنهم من بدأ بمغازلة الإصلاح والارتماء في احضانه سرا ومنهم من وجد في الفوضى الحاصلة فرصة لممارسة المزيد من النهب والفساد ومنهم - وهم قلة - احترم نفسه وفضل الانسحاب والانكفاء على ذاته ، وبالتالي فقد خلت الساحة للإخوان واتباعهم من اعضاء المشترك والمؤتمر في الحكومة...والنتيجة ما نلمسه من كوارث محدقة بالوطن وعلى كافة الاصعدة. ايضا من الاخطاء التي سارعت في تحجيم الإصلاح وبروز قوى اخرى منافسة هو ان هذا التنظيم اتكأ بداية على عنصر القوة المتمثل في السلطة والمال والنفوذ ورغم الحراك الذي شهدته بلدان الربيع العربي عقب فشل حكم تلك الجماعة الا ان الاصلاح -الإخوان في اليمن -ظلوا غير آبهين بما جرى ويجري في تلك البلدان واستمروا في ذات السياسات العبثية وكان ان تجرع الشعب اليمني الأمرين خلال هذه الفترة التي انفضحوا فيها واتضح للقاصي والداني بان هذه الجماعة تعمل وفق اجندات حزبية ومصالح شخصية ضيقة عمل على سلب ونهب المال العام لصالح هذا التنظيم البائس.. وقي وقت قياسي احترق هذا التنظيم ليصبح مكون سياسي وحزبي محل كراهية ونفور شعبي منبوذ من كل فئات وطوائف المجتمع اليمني، ومع ادراك التنظيم هذه الحقيقة وبدلا من ان يحاول إصلاح ما افسدته سياساته الأنانية ومصالحه الحزبية النفعية نجده يتمادى في غيه سواء من خلال الاستمرار في نهب الخزينة العامة او من خلال تفجير الصراعات والحروب هنا وهناك محاولا الهاء الشعب عن ما اقترفه ويقترفه في حقة واشغاله بعيدا عن ادراك حقيقة المعاناة التي يعيشها بسببه. كان من نتيجة تلك السياسات هو حالة من الفوضى التي يعيشها اليمن اليوم وما خلفته من تدهور مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية..وانعدام الامن والاستقرار ،أصبح المواطن اليمني بين فكي كماشة خلافات السياسيين وجماعات المصالح والنفوذ وبين حياته المعيشية الصعبة جراء إخفاقات وفساد حكومة ثورية - كان يعتبرها المنقذ له من أوضاعه المزرية والمأساوية -كانت نتاج تواطؤ وتوافق اطر ومكونات سياسية وحزبية فاشلة اختلط فيها تيار الليبرالية والحداثة والتقدم ليصبح كتلة واحدة بعقلية واحدة تعمل وفق اجندات مصلحية متشابهة . استغلت جماعة الحوثي كل تلك الإخفاقات والمثالب علاوة على تراكمات سنوات من الحروب والصراعات وكما هو معروف بأن الصراع بين الاصلاح والحوثيين ليس صراعا سياسيا بل صراعا مذهبيا طائفيا يسعى كل منهما باستماتة للقضاء على الطرف الآخر بشتى الوسائل وبالتالي فقد كانت الجرعة المتعلقة بزيادة اسعار المشتقات النفطية المقرة مؤخرا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال اذ أوجدت فرصة او سبب للحوثي للظهور والبروز لتبدأ عمليات التحشيد والتعبئة مطلقا شعارات لامست حياة الناس اليومية وقدمت الرجل على انه هو من يحس بمعاناتهم ويقف الى جانبهم ويدافع عن قضاياهم وكان ان استطاع في وقت قصير محو او على الاقل التخفيف من حدة تلك الصورة السلبية التي رسمت للجماعة وله طوال الفترة الماضية . وبدلا من تفهم مختلف الأطراف جذور المشكلة وحقيقة هذا التحشيد سمعنا وشاهدنا تحشيدات مضادة وبيانات وخطابات ركزت على دغدغة مشاعر الناس ضد اهداف ومرامي هذه الجماعة ورفع رايات الثورة والجمهورية والوحدة واستحضار التأريخ بكل قتامته وكان الإعلام الرسمي والتابع لتجمع الإصلاح هو من تصدر حملة التعبئة والتشويه ضد هذه الجماعة وبشكل فج فيما كان إعلام الحوثي اكثر تبصرا وتعقلا ولم ينجر الى لغة الشتم والسباب مكتفيا بتوجيه سهامه للإصلاح . صحيح ان جماعة انصار الله كانت الأقل في الحشود مقارنة بحشود الاصطفاف الا انها كانت تملك القوة والحجة والمنطق في تبني قضايا ومطالب - على الأقل في نظر المواطن العادي - التف حولها العديد من المؤيدين من خارج هذه الجماعة حتى من الأحزاب المشاركة في الحكومة ... اما ما يتعلق بتشكيل لجان وساطة فالملاحظ ان تلك اللجان كانت جزءا من المشكلة ولم تكن جزءا من الحل وهو ما تجلى في تقرير بائس ( تقرير اللجنة الرئاسية الأول ) الذي يشتم منه لغة التعبئة والتلويح بالقوة ، وكان الابرز فيه هو الاتهامات والإدانات لجماعة الحوثي وتقلبهم وتهربهم وارتباطاتهم بالخارج .. وهذا كلام كان يفترض ان يظل في اطار التناول المحدود وبين المعنيين بالقضية ولا يقال علنا اذا كانت هناك نوايا صادقة لحلحلة الأزمة. ولان انصار الله أصبحوا اليوم قوة لا يمكن انكار وجودها -رغم العديد من الملاحظات على أهدافها ومراميها-في الساحة فان ما يستوجب الالتفات اليه والتفكير فيه هو التعقل وعدم الاستمرار في القاء الاتهامات ضد هذه الجماعة تحت أي مسمى كان دينيا او طائفيا او مناطقيا . القلق والخوف واستحضار الماضي لم يعد مبررا الآن لان الزمن تغير وتغيرت الأوضاع وتفتحت مدارك الناس ولم يعد المواطن اليمني بذات العقلية التي سبقت ثورتي سبتمبر واكتوبر. واستنادا الى ما سبق ووفقا للمعطيات الراهنة وحساسية اللحظه التي تمر بها بلادنا ولان مبادرة اللجنة الرئاسية الأخيرة والمعلنة بتاريخ2 سبتمبر 2014م قوبلت بالرفض او التحفظ من قبل بعض الاطراف كونها بحسب البعض تعيدنا الى المربع الأول ولم تأت بجديد بقدر ما كانت ملبية لرغبات وأهواء حكومة المحاصصة السابقة أي إعادة إنتاج حكومة شراكة او محاصصة بذات الآلية السابقة وبذات الوجوه مع فارق إدخال مكونات جديدة في عملية التقاسم هذه وبالتالي نعتقد ان من الأجدى ان يتم الاتي : 1-قيام فخامة الاخ رئيس الجمهورية باختيار رئيس وزراء وحكومة يتم اختيار اعضاؤها بعناية من قبل فخامته من ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة والتخصص من خارج تلك الأطر والمكونات ويتحمل هو مسؤولية اخفاق او نجاح هذه الحكومة . 2- ان يختار رئيس الجمهورية رئيس وزراء يكلف بتشكيل حكومة بنفس المؤهلات السابقة على ان يقتصر اختيار اعضاؤها على ثلاتة مكونات فقط هم ( انصار الله، مكون المرأة ومكون الحراك الجنوبي) بنسب معينة والباقي من الكفاءات المستقلة من خارج تلك المكونات على ان يحتفظ الأخ الرئيس بالوزارات السيادية المعلن عنها . 3- استبعاد المكونات السياسية والحزبية الأخرى من عضوية الحكومة الجديدة وتحديدا تلك التي انفردت او شاركت في الحكومات السابقة .