تعيش الأمتين العربية والإسلامية هذه الأيام فرحة الإحتفاء بعيد الأضحى المبارك وأداء الملايين من المسلمين فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام , وبهذه المناسبتين نهنئ كل المسلمين أينما تواجدوا على هذه المعمورة ونتمنى لهم السلام الذي صرنا نحلم به ليل نهار بعد أن طحنت ولا زالت الحروب الأهلية عدد من بلداننا العربية والإسلامية وتتوعد عدد آخر منها وبينها يمننا الحبيب إن لم يحكم أبنائها العقل والمنطق في إدارة خلافاتهم السياسية بطرق سلمية وديمقراطية. بدأنا نتكلم عن التحولات السلمية في بلادنا منذ العام 1989م مع بدء الحوار حول تطبيق إتفاقيات الوحدة اليمنية بعد أن ذاقت بلادنا ويلات الحروب الأهلية والشطرية في الماضي وأعتقدنا بأن السلمية تتشكل كثقافة عامة لدى الكثير من طبقات وفئات الشعب الإجتماعية وبأننا سنطوي صفحة العنف إلى غير رجعة . تفائل المثقفون والحزبيون والمستقلون بتحقيق الوحدة سلميا في أجواء عاطفية وغامرة بالمحبة ونسيان الماضي وكأن شعبا قد ولد من جديد وقطع صلته بالماضي المؤلم ولم يكن يتوقع بأن مراكز الممانعة تكيد له وتتحين الفرصة لألتهام شركائها في العملية السياسية وفي الوطن بقوة السلاح. عندما لا حت ملامح الأزمة حاول البعض معالجة الإختلافات بالطرق السلمية وبداء آنها حوار وطني واسع شاركت فيه معظم القوى السياسية والإجتماعية بهدف إعادة قطار الوحدة إلى مساره الصحيح سلميا أفضى إلى توقيع وثيقة العهد والإتفاق في عمان في مارس 1994م والتي تضمنت معايير بنا الدولة المدنية الديمقراطية الإتحادية الحديثة كنتاج لتوافق وطني وبشراكة وطنية حقيقية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. إلا أن تلك القوى الممانعة والتي لا ترى في الدولة المؤسساتية إلا خصما لها يقوض من قبضتها الغير شرعية على السلطة والثروة فعمدة الى رفع شعارات الحرب بإسم الوحدة وقادة إلى حرب صيف 1994م المشؤومة مما شكل إنتكاسة قوية لثقافة التغيير والتعايش السلمي التي حلم بها أبناء شعبناء في الجنوب والشمال. بالرغم من إنتصار قوى الحرب في المعركة الغير وحدوية ظل اليمنيون يناظلون سلميا من أجل تصحيح المسار وتمثل ذلك اولا في قيام الحراك السلمي الجنوبي ومن ثم الإعتصامات الحقوقية السلمية في صنعاء وأخيرا الثورة الشبابية الشعبية السلمية في فبراير 2011م للتأكيد بأن اليمنيون يعلقون آمالا كبيرة على التغيير السلمي من أجل تجنيب البلاد ويلات العنف الذي يشكل أبناء وبنات شعبنا وقوده الحقيقي أما تجار الحروب فهم دائما في أبراج محصنة هم وأسرهم وأولادهم وبناتهم يستمتعون بالثروات الهائلة والغير مشروعة التي حازوا عليها على حساب معيشة الغالبية العظمى من السكان. وكعادتها قوى الممانعة أرتداء البعض منها ثوب الثورة السلمية زورا وبهتانا وتمت محاصرة الثورة الشبابية السلمية بإتفاقيات وحصانات أخرجت شباب الثورة من المعادلة السياسية و حصنت الفاسدين والناهبين من كل الجهات وأحبطت الثوار الشباب لولا أن هناك نافذة للأمل تبقت وهي نافذة الحوار الوطني الشامل المأمول منه وضع أسس حقيقية وملزمة لبناء الدولة اليمنية الحديثة القائمة على اساس الحكم الرشيد وعلى سن قانون العدالة الإنتقالية من أجل إنصاف ضحايا الصراعات السابقة والإنتقال ألى دولة يسودها الوئام والسلام القائمين على المصالحة الوطنية الشاملة وبإشراف دولي وإقليمي. لكن قوى الممانعة أتخذت من الحوار الوطني إستراحة المحارب وأستمرت تكيد لمخرجاته بإفراغها من مظمونها وبالتالي تفجير الوضع الأمني من أجل خلق واقعا آخرا بفضي الى عدم تنفيذ مخرجاته أشبه بما حصل بعد توقيع وثيقة العهد والإتفاق حيث قضت حرب 1994م المشؤومة عليها فعليا. برغم كل المحاولات من أجل تفجير الوضع الأمني بشكل كامل إلا أن هناك لا زال الأمل قائم بتجنب الحرب الأهلية الشاملة حيث أن هناك عدة أطراف داخلية وخارجية وفي مقدمتها قطاعات واسعة من شباب الثورة السلمية ومثقفيها ومناصريها وبعض القيادات السياسية والحكومية الحكيمة التي ما زالت تراهن على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل سلميا ولو بالحد الأدنى من أجل الإنتقال الى الدولة الحديثة المؤسساتية التي نأمل بأن تقود عملية التنمية المستدامة والتي ستجعل في مقدمة إهتماماتها تحسين المستوى المعيشي لأبناء الشعب عن طريق الحد من الفساد وتوفير بيئة آمنه للإستثمار وخلق فرص جديدة للعمل وإستغلال الثورات الطبيعية للبلاد بشكل يعيد توزيع خيراتها على القطاعات الواسعة من أبناء الشعب , وبتعبير آخر دولة تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة وتحمي السلم الأهلي. البعض من مراكز الممانعة تحطمت والبعض الأخر لا زال يحتضر لكننا لا نأمل مكيدتها لأنها قد تلجاء الى تحطيم المعبد على رؤوس الجميع إن لم تستطع إعادة إنتاج ذاتها كما عملت في الماضي, وهناك لا عبون جدد نأمل أن تكون مخرجات الحوار الوطني المتمثلة في الحكم الرشيد وبناء الدولة المدنية الحديثة والتوزيع العادل للسلطة والثروة هي في صلب مشروعهم وأن تكون مسألة الحفاظ على السلم الأهلي ومناهضة ثقافة العنف والحروب بل ورفضها هي في مقدمة إلتزاماتهم وإهتماماتهم كي لا نعود إلى طاحونة العنف من جديد. أي محاولة للإنفراد بتقرير مصير البلاد أو الحلول محل أجهزة الدولة الهشة والرخوة سيقود الى ما لا يحمد عقباه ,واليمن لن يحكم ويأمن إلا بشراكة كل أبنائه في إدارت مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية وعلمية حديثة. اليمن يحتضنا جميعا ولنا جميعا وبمناسبة عيد الأضحى المبارك نناشد كل أطراف العمل السياسي بأن يتقو الله فيه وفي شعبه وأن يعملوا على تغليب مبداء الحوار السلمي حول كل القضايا الخلافية وأن لا يجرون البلاد الى ما آلة إليه الأوضاع في العراق وسوريا وليبيا وغيرها لأن اليمن يستحق السلام والحفاظ على السلام مسؤولية كل أبنائه. عيدكم مبارك جميعا