كتب/ د.عبدالرزاق مسعد سلام ها هي حرب صعدة السادسة بين أطراف النزاع الوطني ممثلين بقوات الحكومة اليمنية بآلاتها العسكرية الحديثة الضارية وبين قوات الحوثيين اليمنيين في صعدة.. والحقيقة المطلقة في هذه الحرب أنها حرب أكثر تدميراً وأكثر بشاعة وقتلا وتشريدا وتنكيلا للمواطنين هناك وهي أكثر الحروب استخداما للتقنية العسكرية وأكثر الحروب الأهلية تدميرا في تاريخ الحروب الأهلية اليمنية.. حيث لا يفوق ذلك الاستخدام العسكري إلا ما حدث في حرب 1994م على جنوباليمن وقد وصفها أحد القادة الوطنيين الغيورين على الوطن "بأنها حرب ضروس وقتال ضروس ودام وأنها الحرب الضارية التي خلفت الآلاف من القتلى والجرحى والنازحين الذين هم في الأصل جميعا يمنيون". 1-حرب صعدة السادسة ما أشبه الليلة بالبارحة إن هذه الحرب وما قبلها من حروب تعيد إلى الأذهان الحرب البشعة الأهلية التي أعقبت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة بين الجمهوريين والملكيين منذ عام 1962م حتى عام 1970م، وها هو النشيد الوطني اليمني الداعي لوقف الحرب الأهلية اليمنية، حرب الفرقاء الجمهوريين والملكيين والجمهوريين والجمهوريين حينها والذي كانت تردده إذاعة صنعاء "يوم يأكل الطير من لحمي ولحمك يا أخي" أخذ يرن في آذاننا من جديد.. إن هذه الحرب وكل الحروب الداخلية التي شهدتها اليمن قبل وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية قد تحولت من حروب ثورية وطنية وعادلة إلى حروب لإلغاء الآخر وحرمانه من حقوقه وحياته العادلة.. ولا يخفى على التاريخ ولا على أحد أن حرب سبعين يوما المذهبية والعصبية كانت لإلغاء الآخر بالقوة في شمال الوطن من بعد الحرب العالمية الأولى بين الإمامة الزيدية والقبائل اليمنية وما بين القبائل اليمنية فيما بينها، في المنطقة الوسطى وفي بعض مناطق تعز وتهامة.. واستمرت الحروب الأهلية في شمال الوطن باسم الملكيين والجمهوريين حتى حصار السبعين يوما لمدينة صنعاء وإعلان المصالحة التاريخية بين الملكيين والجمهوريين في عام 1970م وهي نقطة مضيئة في تاريخ تلك الحروب. وعرفنا بأن هناك حروبا إلغائية شهدها الجنوب منذ سبعينيات القرن الماضي بين نظام الحكم في الثلاثين من نوفمبر 1967م خلال الأعوام 68-69-78-1986م وحتى قيام الوحدة اليمنية المباركة والتي مثلت اللحظة السلمية المضيئة الوحيدة في ربوع الجزيرة العربية والبلاد العربية والإسلامية جمعاء.. كما أن التاريخ يسجل لنا حروبا أهلية بين الشمال والجنوب بدءا من القرن السابع عشر وما بعده على شكل متقطع نيابة عن الاستعمار التركي والاستعمار البريطاني ولأسباب الأطماع المادية للإمامة والقبائل وحتى انتصار ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر وما بعدهما.. وحرب 1994م بعد قيام الوحدة اليمنية. لقد كانت حروب الإمامة تتم تحت مؤثرات الفكر الديني والملكي المطلق بالغزوات الاستعمارية في أوروبا وفي الوطن العربي في ظل غياب مطلق للدبلوماسية والمرتكزات السياسية للعالم وكما اعتبرت الإمامة الشمال حقا شخصيا اعتبرت الجمهورية العربية اليمنيةالجنوب حقا شخصيا للإمام أرضا وشعبا.. وهذا العامل غير العادل كان سببا رئيسا أعاق وحدة الشمال مع الجنوب لزمن طويل.. ولقد لعب الموروث الإمامي الثقافي والتقليدي والسياسي في عقلية نظام الحكم في الجمهورية العربية اليمنية المستمر في حكمه لليمن اليوم فاعتبر وحدة 22 مايو المجيدة بين الشمال والجنوب سلميا وطوعيا "مستبطناً" ثم معلنا بأن الجنوب هو ملك لنظام الحكم الحالي.. وتجلى ذلك في حربه الكاملة الشاملة المدمرة لأهل الجنوب وقواهم والناهبة لأرضهم وثروتهم وإلغائهم المعنوي والمادي إلى حين..! في حرب عبودية تمت على أعتاب نهاية القرن العشرين ودخول القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة. لقد تمت الحروب الداخلية في اليمن في ظل وجود قوى استعمارية وتحالفات غربية وعربية وإسلامية تقاسما الشمال والجنوب.. وتحالفا معا في كل الحروب الصغيرة الداخلية ضد المعارضين المدافعين عن حقوقهم في الوجود والعيش الكريم وفي التاريخ الحديث في الحروب الخارجية مثل ما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية.. وانقسم اليمنيون ما بعد قيام ثورتيهما المجيدتين حلفاء للقوى الدولية الرأسمالية الغربية والاشتراكية السوفياتية وخاضا حروبهما نيابة عنهما داخليا وأشهر تلك الحروب هي حروب 1972م وحروب 1979م باشتراك المعارضين للنظامين تحت شعارات أثبتت الأيام والتاريخ بطلانها اليوم. لقد لعب العامل الخارجي للقوى الإقليمية والدولية العظمى دورا كبيرا منذ التاريخ القديم والوسيط والحديث واليوم في خلق الفتن في عموم البلاد العربية وهو المهندس الأول لسياسة "فرق تسد" والتي أصبحت فيما بعد ثقافة للحكام والنظم العربية بشكل عام ونظم الحكم في اليمن بشكل خاص وهو الأسلوب الأكثر استخداما في اليمن حتى اليوم والأمثلة الحديثة ماثلة للعيان اليوم في حرب صعدة والإصرار على بقاء الصراعات الداخلية في الجنوب والذي يناضل أهله لخلق حالة من التسامح والتصالح التاريخية الإنسانية الجليلة. لقد كانت القوى العظمى تحركها منافعها المادية والحوافز الاستراتيجية لموقع البلدان العربية الهام ولثرواتها وخاماتها وأسواقها والتي ازدادت بعد ظهور أسلوب الإنتاج الرأسمالي في نهاية القرن السادس عشر والذي تطورت حاجاته إلى الذهب والفضة والمعادن والخامات وفيما بعد وحتى اليوم الحاجة الرأسمالية العظمى اللحوحة للحصول على النفط (الذهب الأسود) والذي سيظل مع الحاجة إلى الأسواق سببا رئيسيا إلى حين.. يعيد التوترات الداخلية والخارجية والحروب الصغرى الداخلية والإقليمية والكبرى العالمية.. ورغم كل ذلك إلا أن نضالات اليمنيين توحدت فآزروا بعضهم بعضا وساندوا أنفسهم للخلاص من الإمامة الظالمة في الشمال والاستعمار الغربي الإنجليزي الرأسمالي في الجنوب إلا أنهم سرعان ما وقفوا في حبال التأثير الغربي الرأسمالي والاشتراكي السوفياتي ضد بعضهم وذلك بتحفيز ودعم معارضين للآخر بالمال والسلاح والإعلام ومعهم وبهم تفجرت هنا وهناك الحروب الأهلية والشطرية.. وسيطرت النزعة المطلقة لتسابق النظامين لإسقاط بعضهما بالتحالف مع العامل الخارجي والإقليمي أصحاب المصلحة في جعل اليمن في مؤخرة الشعوب واستمر اليمنيون لفترة طويلة يقاتلون بعضهم بعضا نيابة عن القوى الدولية والإقليمية الحليفة تحت شعارات موسومة الخوف من عودة الإمامة ومن أجل تحقيق الوحدة اليمنية على أساس سلمي وطوعي بين الشمال والجنوب وبإيثار نبيل وجليل من الممثل السياسي للجنوب وأبناء الجنوب وعلى أساس من المصالح المشتركة والمنافع المشتركة والشراكة الشاملة الشعبية والسياسية هذه الوحدة كان مقررا لها أن تلغي قوانينها ودستورها كل قوانين الجهل والإلغاء والحروب والتخوين والتكفير ويجب أن تمثل بتشريعاتها ودستورها وبقوانينها المدونة والأعراف والعادات والتقاليد الجديدة للمجتمع والحق حجر الزاوية التي يلغى بها كل ماض تناحري أو نكران للآخر وحقه في الثروة والوظيفة العامة والمناصب العامة..الخ. وبالشراكة الشاملة. ولكن ما حصل هو أن القيادة الشمالية أعدت العدة لحرب رسمية وشعبية مستقوية بالقوة العسكرية.. وبالعددية السكانية وباستعدادتها من الإمكانيات الهائلة التي ربحتها من سنوات الحرب الباردة وقامت بحربها المجنونة المدمرة لكل شيء وفي نتيجة لتلك الحرب تم الاستيلاء على الأرض والثروة والوظائف العامة والمناصب العامة.. حتى أبسط الأشياء، هذه الحرب وضعت اليمن امام وضع ممزق نفسيا وروحيا وماديا وأخلاقيا مستمر حتى يومنا هذا...الخ. اعتبر النظام بأنه انتصر على الجنوبيين ولست بصدد تعداد المآسي وإلى ما آلت إليه نتائج الحرب المستمرة على مرأى ومسمع من اليمنيين والعرب والمجتمعات الدولية والإقليمية. ولكن بفضل الله وبفضل الحركات الشعبية السلمية المباركة أثبت أبناء الجنوب بأنهم شعب حي وأنه وبهذا الطريق السلمي مصمم على إعادة حقه مهما كلف الثمن.. ولا ينفع ما تقوم به السلطة الحالية من ترهيب وترغيب وقتل وقمع وحشي وهمجي ولا تنفع معه الترقيعات الآنية.. إلا بإزالة واقتلاع آثار حرب 1994م وإلغاء كل أشكال الوحدة السابقة منها الاندماجية ومنها وحدة حرب 1994م وعلى السلطة اختصارا للزمن ومن أجل وضع حد للدمار والقتل.. أن تشرع هي والمعارضة للبحث عن شكل آخر لوحدة أكثر عدلا وأكثر ديمقراطية ووطنية تحفظ للشمال حقه وللجنوب حقه وحتى لا يفوت الأوان. إن السلطة للأسف الشديد تعتقد بأن زمن ما قبل أربعين سنة يشبه هذا الزمن وهي لا زالت تقود بوعي وثقافة وبأشكال وبأساليب ما قبل أربعين سنة ونيف.. وهي تقود البلاد بعقلية المالك الأوحد لها.. وهذا خطأ فادح سيكون ثمنه غاليا.. إن لم تتجل الحكمة اليمنية في خطوات تاريخية عظيمة للسلطة بقيادة فخامة رئيس الجمهورية وكذا المعارضة في الداخل على طريق الحوار المستمر وبدون استثناء للقوى المؤثرة في الداخل والخارج. 2-ما من شك بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة التي قضت على الإمامة كانت حدثا تاريخيا هامة وضع أهدافه الأولى لتطور المجتمع اليمني إلى الأمام وإلى الأفضل.. لكن فكرة القضاء النهائي على أنصار ومؤيدي الإمامة والذين كانوا يمثلون جزءاً كبيراً من عامة الشعب وأقرباء وأنساب ومؤيدي الأسرة الإمامية روحيا وماديا.. كان لتلك الفكرة الريديكالية المتطرفة انعكاسها على استمرار الحروب والعنف حتى عام 1970م مرورا بتوقيع اتفاقية الصلح في خمر 65م واتفاقية عمران 1966م بين الجمهوريين والملكيين.. وما تلا ذلك من حوارات واستقطابات لقبائل حاشد وبكيل من قبل نظام الحكم وبرغم انهزام الملكيين في حصار صنعاء مع نهاية عام 1970م إلا أنه أعيد دمج الكثير منهم في مؤسسات الدولة وأجهزتها ماديا وثقافيا.. ومع ذلك فإن كثيرا من الجماعات الشعبية والدينية والثقافية لأنصار الإمامة يشعرون بالظلم والضيم وهم متواجدون ليس في صعدة فحسب بل في أهم محافظات الوطن وأنه آن الأوان للدخول معهم بمصالحة وطنية جديدة تزرع في قلوبهم الأمان والاطمئنان تضمن مشاركتهم في السلطة وتضمن حقهم في ممارسات طقوسهم الثقافية والروحية.. وإن ذلك لا يضر الوطن بشيء بل يعزز وحدته الوطنية وإنه آن الأوان -في ضوء الحرب العبثية الدائرة منذ عام 2004م واليوم نشهد فصلها الدموي الوحشي- إجراء مصالحة تاريخية ثابتة فيما بين الجنوبيين فيما بينهم ومثلها بين أبناء الشمال ومن ثم إطلاق حوار إيجابي وبنتائج ملموسة بين أبناء الشمال فيما بينهم وما بين أبناء الجنوب فيما بينهم وما بين الشمال والجنوب هذا الحوار يكون بدون استثناء وخطط إجرائية بقيادة فخامة الرئيس والمعارضة .. ونأمل في هذا الشهر الكريم إيقاف الحرب في صعدة وأن يتوقف الإعلام عن الحروب الكلامية الممزقة للوطن والشعب.. فهذا الخيار هو الخيار الأسلم والأوحد لحل قضايا اليمن والذي سبق أن دعت إليه صحيفة "الوسط" خلال عام 2007م.