هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    عناصر الانتقالي تقتحم مخبزا خيريا وتختطف موظفا في العاصمة الموقتة عدن    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مداخلة الدكتور عبد الرزاق مسعد سلام .. بعنوان: «الضرورة التاريخية والوطنية لاستلهام دروس وعبر الحروب الأهلية والشطرية اليمنية»
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 12 - 2007

يعد الدكتور/عبدالرزاق مسعد سلام واحد من بين قلة قليلة من بين الاكاديميين المؤهلين في اليمن والباحثين الذين يمتلكون قدرات وامكانيات في البحث العلمي المنهجي وتتميز بحوثه ودراساته دائماً بسهولة الطرح والصياغة ومصداقية التناول وهو من المشهود لهم بالكتابة الصحفية الجرئية والشجاعة التي كثيراً ما كان ينشرها في الصحف التي تصدر في الشطر الجنوبي من اليمن قبل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م والتي كانت كتابات اغضبت العديد الشخصيات السياسية الرفيعة منهم من كانوا في المكتب السياسي للجبهة القومية وبعد ذلك الحزب الاشتراكي اليمني وهو يعتبر احد المؤرخين الحقيقيين الشاهدين على الاحداث التي شهدها الشطر الجنوبي وكان قريباً منها لكن شهاداته التاريخية يعتبرها عدد من ساسة الجنوب ومهندسي الصراعات السياسية التي كانت تتحول إلى مواجهات عسكرية يعتبروها شهادات مجروحة والسبب انها تلامس الحقيقة.
الدكتور/عبدالرزاق مسعد سلام كان احد المشاركين الفاعلين في ندوة توثيق تاريخ الثورة اليمنية في جزءها الخامس التي اختتمت مؤخراً في محافظة عدن وقدم مداخلة مهمة بعنوان «الضرورة التاريخية الوطنية لاستلهام دروس وعبر الحروب الأهلية والشطرية اليمنية» جمع فيها الأحداث التاريخية للحروب الأهلية في اليمن منذ القرن التاسع عشر الميلادي ولأهمية المداخلة ننشرها كاملة.
توطئة:
في عام 2001م وجه فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بالاهتمام بكتابة تاريخ الثورات اليمنية بأمانة وبتجرد، مؤكداً على ضرورة توخي الصدق والأمانة الوطنية والتاريخية دون الدخول في ترهات النزعات الذاتية والطائفية والشطرية الضيقة التي تشوه التاريخ الوطني الصادق لليمنيين.
وبعد مرور ست سنوات تقريباً على تلك الدعوة فإننا كنا ولا زلنا نأمل من كل الباحثين والكتاب والمؤرخين تمثل تلك التوجيهات والتأكيد عند كتابة تاريخ اليمنيين بضرورة الاعتراف بأدوار الآخرين بالايجاب وبالسلب من رواد وطلائع المجتمع من علماء دين ووطنيين ومثقفين وصحافيين وأدباء ومبدعين والهامات الوطنية الاجتماعية والأدوار الوطنية للعائلات والقبائل والمشائخ أفرداً وجماعات والذين كانوا السباقين الى الدفاع عن الحق والحرية والعدالة وقاوموا الظلم وقادوا عملية التنوير، والذين قادوا الحركات الوطنية مع أهلهم وبمجتمعاتهم في المدينة والقرية ضد المستعمر الاجنبي والظلم والقهر المحليين منذُ أوائل القرن التاسع عشر حتى القرن العشرين وتحقيق الوحدة اليمنية والذين دفعوا أرواحهم وممتلكاتهم وما لحق بهم وبعائلاتهم وقراهم ومدنهم ومجتمعاتهم ثمناً لقناعاتهم الوطنية والمعرفية والدينية في الزمان والمكان والوعي والمستوى الذاتي.. ومن هؤلاء من زلزل أقدام الظلم الاستعماري الأجنبي التركي والانجليزي والإمامي ما قبل ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر وما بعدهما. وهناك من قاد وساهم في عملية التنوير والتعليم الديني والتعليم الجديد والذي تحددت ملامحه العصرية بعد انتصار الثورتين المجيدتين سبتمبر وأكتوبر وإن كان ذلك قد تميز بالظهور في مدينة عدن في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. وهناك مدناً ومناطق وقرى قامت بأدوار وطنية بشكل مبكر منذُ بداية العصر الاستعماري في عدن (كريتر) وحضرموت (المكلا) وشهدت مناطق مثل العوالق والضالع ودثينة هبات وطنية في الخمسينات ولا ينسى الانسان أياً كانت منطلقاته أو جحودة دور الاخوان المسلمين المبكر في شمال الوطن ودور الثوريين العظام في حركتي 1948م و 1955م ودور الاحرار والدستوريين الكبير في ذلك.. ومثل قادتهم أنوار الوطن وتميزوا بالعقلانية والنبوغ، وهناك مدناً ومناطق وقرى قامت يتقدمها روادها من الوطنيين ورجال تنوير عظام قاموا جميعاً بأدوار مؤثرة وطنية.. فكانت صنعاء التاريخ والثورة وكانت قرى ومدن جبال ردفان والضالع ودثينة... الخ، وتربعت عدن وروادها المعاصرين من أدباء وكتاب ورؤساء تحرير صحف ووطنيين عظماء وتأسست فيها المدنية والوطنية بكل وسائلها السياسية والوطنية والثقافية والاعلامية وشكلت مركزاً للنور وللأدب والاعلام والسياسة في ربوع شبه الجزيرة العربية. لقد تظامنت تلك المدن والقرى والمنورين والوطنيين والاحزاب السياسية والصحف الوطنية ورؤساء تحريرها وكتابها والنقابات المهنية والعمالية وتعاونت بشكل متنوع وبأشكال مختلفة وبوسائل مختلفة بهدف واحد ألا وهو قهر الظلام والظلال والاستعباد والاستعمار مع بقية أبناء الشعب كلٍ بحسب قدرته وحجمه وامكانياته ومنهم حملة مشاعل التنوير والتعليم ونواتها الأولى وكان هناك الثوريين المحررين ممن قاموا وقادوا وشاركوا وظحوا بأرواحهم لتنتصر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المنطلقة شرارتها من مدينة صنعاء التاريخية البطلة لتقضي على أكثر النظم الانسانية ظلماً وعبودية وتخلفاً ولتنتصر أيضاً ثورة الرابع عشر من أكتوبر المنطلقة شرارتها من على جبال ردفان العظيمة بثوارها المرتبطة بجبال الضالع وبأهلها وبثوارها وبحواضنها مدن تعز وصنعاء وقعطبة والبيضاء.... الخ ويلحق بهم ثوار دثينة وعدن وكل مدن وقرى وسكان الجنوب.. هذه الثورة اهتزت لها أقدام الامبراطورية البريطانية ووضعت حداً لها واخفقت شمسها الى يومنا هذا بالرغم من محاولاتها اليوم البائسة في العراق وافغانستان. وقد مثل تحقيق الاستقلال الوطني المجيد رداً تاريخياً مجيداً لليمنيين على هزيمة 5 حزيران "يونيو" على سوريا ومصر والأردن والفلسطينيين. إن كتابة تاريخ الثورات اليمنية والمجتمع اليمني أصبح ضرورة تاريخية بعيداً عن الهوى الذاتي والتعصبي المدمر وبعيداً عن الالغاء والتطرفات احقاقاً للحق وتحكيماً للعقل والعلم والحكمة والمنطق على طريق تعزيز وتعميق وشائج الوحدة الوطنية والوفاق بين القوى الوطنية والشعبية اليمنية بمختلف أطرافها السياسية والوطنية والجغرافية والشطرية حتى نضمن الاستمرار في السير الى الامام واللحاق بركب الحضارة الانسانية اليمنية بالحضارة البشرية المتنوعة الثقافات والعادات والمشارب والأديان والأفكار. إن الاعتراف الوطني فيما بين الناس بعضهم ببعض بدءاً بالقادة الثوريين الوطنيين وبقادة الثورتين اليمنيتين سبتمبر وأكتوبر فرادى وجماعات وتنظيمات وقادة التوحيد العظماء على اختلاف ألوانهم وأشكالهم سلباً وايجاباً وهو الأهم في تاريخ الثورات.
2- حروب وطنية وعصيانات وثورات:
كان لليمنيين تاريخ من الثورات والعصيانات المختلفة والمتنوعة ومنها السلمية خلال الحكم التركي الأول والثاني الاستعبادي لشمال اليمن او أيام الحكم الإمامي المستبد والاحتلال الاستعماري البريطاني لجنوب اليمن.. ففي الثورات الأولى في شمال الوطن حققت القبائل اليمنية انتصاراً حاسماً على الامبراطورية العثمانية التركية ليحصل شمال اليمن على استقلاله بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بقيادة الإمامة الزيدية ولا يجوز لأياً كان من الناس حاكماً او مفكراً او سياسياً التنكر لهذا الدور الوطني المشهود. وما يؤخذ على الأئمة بأنهم تحولوا من محررين الى مستعبدين فبعد أن تسلم الإمام يحيى السلطة بعد خروج الاتراك استقلت اليمن (نأن ولكنه استقلال كان أسوأ وأحط من الاستعمار التركي فقد كان في عهد الترك شيء من النظام العسكري والمالي فمسخ هذين النظامين العتيقين وأقر حطامهما للعمل به في إدارة دولته المستقلة ولم يفكر في تجديد أي شيء مهما كان بسيطاً ونسي القسم الذي قال فيه بأنه ما قام ولا ثار من أجل جمع ذهب أو فضة.. وصار يجمع المال من الرعية الفقراء والتعساء وينتزع اللقمة من أفواههم بكل جشع ووحشية بعد أن دمرت قراهم وقتل الآلاف من رجالهم ضد الاتراك.. وخبأ الأموال من الذهب والفضة وريالات ماريانزيزا في حفر في مخابئ قصره الخاص، مثلما دفن وأخفى الحبوب والقمح من الزكوات في المدافن حتى تعطب او تسوس في وقت كان الشعب يعاني من ويلات الجوع وبعد ان خلفه أبنه الامام احمد عمل على تبديد تلك الأموال.(1)".
وقد كان الامام يحيى بعد دخوله صنعاء عام 1919م وبعد رحيل الاتراك عنها هو الاستيلاء على المنطقة الوسطى من اليمن حيث اشتهرت بخيراتها وخصوبة ارضها، وكان له ما أراد مستخدماً كل وسائل القمع والوحشية ضد مقاومة القبائل في الاحبوش والحجرية والمقاطرة ...الخ وقد وجب علينا الاشارة بأن الفترة بين 1919م- 1932م كم حكم الامام يحيى بحروبه المستمرة ضد القبائل اليمنية في كل الجهات اليمنية وذلك من أجل اخضاعها لحكمه" (2). تخربت اليمن بعد حضاراتها من جراء الحروب والمنازعات على السلطة ولم تحاول أي دولة او دويلة بشي، ولو بسيط من الاصلاح حتى الأئمة يدعم ما كان لهم من نفوذ روحي على الشعب وطاعة لم يفكروا إلا بتدعيم أنفسهم بالمحافظة على سلطتهم (4) وذلك ما اعتبره الأئمة حروباً للتوحيد!!. ويكفي ان نستشهد بما جاء في كتاب اليمن الحديث للكاتب عبدالمنعم شمس بهذا الاستشهاد القائل "ففي شمال الوطن حتى عام 1961م لم يكن هناك سوى خمس مدارس ابتدائية يقتصر منهجها على تعليم القرآن والتفسير والفقه وجدول الضرب وكان 99% من الشعب يرزح تحت كابوس ظلامية الأمية" (5).
ان من يراجع تاريخ الأئمة منذ وجودهم على سدة السلطة عام 900م وحتى فترة حكم اسرة حميد الدين 1919م- 1962م تبرز أمامه حقيقة ناصعة هي أن شعبنا قد حرم من أبسط وسائل الحياة العصرية الشاملة "6") ما عدا ذلك التطور التعليمي المحدود الذي شهدته العسكرية الإمامية لتطوير جيوشها والكليات العسكرية التي اقامتها.
لقد تميزت السياسة الخارجية للأئمة سواءً في عهد الامام يحيى او في عهد إبنه الإمام احمد بالسياسة المنغلقة الخارجية في علاقاتها مع الدول الأجنبية وتميزت بالحنكة والدهاء ولكن هذه السياسة كانت تضع نصب تفكيرها الخوف من التطور الذي هو في الاصل يعاني من عبودية الامامة ويقاومها في نفس الوقت، حتى الاتفاقيات الخارجية كان الأئمة يتجهون الى بعض الدول الكبرى في علاقاتهم عندما يستشعرون الخطر من بعض الدول الاستعمارية وخصوصاً بريطانيا التي كانت تطمح لاحتلال الشمال وضمه الى جنوب اليمن وهذا بالضبط ما حصل عند توقيع اتفاقية اليمن مع الاتحاد السوفياتي عام 1928م وهي أول اتفاقية وأول معاهدة للود والصداقة والتجارة الموقعة في ديسمبر 1928م في صنعاء وعرفت باتفاقية صنعاء تجددت باتفاقية تجارية في 8 مارس 1956م وعدد من الاتفاقيات المتضمنة مساعدة اليمن لبناء عدد من المصانع والمعامل وانشاء الطرقات بين اليمن وجمهورية المانيا الديمقراطية وجمهورية الصين الشعبية.. إن جميع تلك الاتفاقيات اتفاقيات ذكية خدمة بقاء النظام الإمامي التقليدي وقد إستفاد اليمن الى حد بسيط من بعض الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وكان أهم الاتفاقات هو اتفاق قيام اتحاد الجمهورية العربية المتحدة واليمن في مارس 1958م وكذلك وضع ميثاق الجامعة العربية والذي خدم اليمنيين لفك الحصار والاعتداءات الانجليزية والسعودية عليهم"7". إن الامام يحيى ومن بعده ابنه الامام احمد اعتبروا المعاهدات والاتفاقيات سياسة تكتيكية لمواجهة البلدان الطامعة في شمال اليمن او أي غزو غربي.
في مقاومة الاستبداد والكهنوت الإمامي وفي سياساته الداخلية والخارجية من أجل القضاء على التخلف قامت العديد من العصيانات والثورات والهبات الشعبية في الشمال ومن ابرز العصيانات ثورة الزرانيق في عام 1926م وكانت ثورة عنيفة وشرسة دوخت جيوش الامامة كما ان من ابرز الثورات المسجلة في التاريخ هي ثورة 1948م وثورة 1955م وكان موضوع هذه الثورات وهدفها تحرير الشعب اليمني من العزلة والاستبداد الإمامي وان لم يكتب لهما النجاح إلا انهما ثورتين قام بهما الاحرار الدستوريون اليمنيون وقد مهدتا لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واستفاد الضباط والاحرار من دروس وعبر هاتين الثورتين.
ثورة 26 سبتمبر:
إن من أبرز الثورات اليمنية التي نجحت في التاريخ الحديث والمعاصر هي ثورة السادس والعشرين من سبتمبر من عام 1962م والتي كان لها وضعها الثوري وموضوعها وذاتها وزعامتها، وكان موضوعها الأول تحرير الشعب اليمني في الشمال من الاستبداد الإمامي الثيوقراطي ومن دولة الظلم والتخلف المريع وبقايا الادارة العتيقة التركية المملوكية وقوانينها السائدة.. وكان ذاتها هو الشعب اليمني وقيادة الضباط الاحرار ورئيس ونائب رئيس وحكومة أول دولة وطنية تمثل الشعب اليمني لأول مرة في التاريخ الحديث وكان سندها في التاريخ العربي الحديث ثورة 23 يوليو المصرية من عام 1952م بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وكان سندها الانساني الاخر دول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي. وقد انتصر ت هذه الثورة بفعل عواملها الداخلية أولاً وبفعل الدعم المصري ودعم دول الاشتراكية وبفعل التوازن الدولي بين الشرق والغرب.
ذلك التوازن في العامل الخارجي قدم بشكل قوي هذا الزمن وهذا الشعب الذي قام بثورته في السادس والعشرين من سبتمبر.
ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م:
كل تلك العوامل الخارجية وبتأثير مباشر من ثورة سبتمبر الخالدة تفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة في عام 1963م من على قمم جبال ردفان بقيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل التي اتقنت كل أشكال وأساليب الاستراتيجية والتكتيكية والعسكرية ورسمت للأهداف والمهام لتحرير الجنوب اليمني من السيطرة الاستعمارية البريطانية.
لقد كان لثورة الرابع عشر من أكتوبر موضوعها وذاتها وكان موضوعها تحرير الجنوب اليمني من الاستعمار والرأسمالي الغربي البريطاني الاجنبي وما ارتبط به من أدوات ومشاريع استعمارية وكان لها ذلك ولكن ذاتها الشعب في الجنوب اليمني وصحافته وعماله ونقاباته وفلاحوه وتقدمت هذا الشعب الطليعة النيرة المحركة للثورة الجبهة القومية وجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل وشخصيات وطنية واجتماعية مستقلة معروفة.
خلال ثلاث سنوات من قيام الثورة وحتى عام 1966 كانت جبال وقرى ومدن ردفان والضالع تخوض حربا لا هوادة فيها مع المستعمر الانجليزي والجيش العربي "الليوي" مدعومة من جبهة عدن ودثينة.. خلال تلك السنوات الثلاث تعرضت ردفان والضالع لهجمات وحرب يومية من قبل الجيوش البريطانية المتنوعة السلاح بطائراتها النفاثة الهوكرهنز وبمدفعيتها العملاقة وبطائراتها الهيلوكبتر، هذه الثلاث السنوات أقنعت أولئك الذين كانوا يرفضون الكفاح المسلح ويفضلون النضال السلمي بأفضلية خيار الجبهة القومية ليتدافعوا بعد ذلك منذو أواخر 1965م وأوئل 66م و 1967م لتمثله.. مع تأثر التجربة بالعوامل الخارجية والداخلية السلبية والتي كادت تعرقل نجاح الثورة ومنها الحرب الاهلية في مرحلتيها الاولى والثانية.
حيث حاولت جبهة التحرير بتشكيلاتها الاستفراد والاستيلاء على ثمار ونتائج الثورة وبالمثل ردت الجبهة القومية التي استطاعت السيطرة المطلقة فيما بعد وبدعم من انصارها المواليين لها شعبياً والموالين لها في "جيش الليوي" واسقطت الولايات والمناطق الواحدة تلو الاخرى.. وخاضت مفاوضات متكافئة مع ممثلي الدولة الاستعمارية العظمى، الدولة التي لا تغيب عنها الشمس.
لقد تكاملت ثورتا الرابع عشر من أكتوبر والسادس والعشرين من سبتمبر فحمت ثورة الجنوب ثورة الشمال من ظهرها من الجماعات المدعومة من الانجليز واحتضنت ثورة صنعاء وأوت الثوار وزودتهم بالعتاد والسلاح والغذاء ومنحتهم صنعاء وتعز والبيضاء وقعطبة ذلك الحضن الدافئ الوطني الكريم فكانتا ثورتي حبيبتين وموحدتين ومتنوعتين مختلفتين في الخصائص والجوهر موحدتين وكان لذلك أثره في تحقيق الاستقلال الوطني لجنوب الوطن في الثلاثين من نوفمبر من عام 1967م وكان لذلك الأثر والاساس لتوقيع اتفاقية الثلاثين من نوفمبر عام 1989م في عدن بين الزعيمين فخامة رئيس الجمهورية الرئيس علي عبدالله صالح وأخيه علي سالم البيض وقيام وحدة الثاني والعشرين من مايو من عام 1990م.
دروس وعبر الحروب الاهلية والشطرية اليمنية:
الحروب الاهلية:
منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في عام 1962م وقيام ثورة الرابع والعشرين من أكتوبر 1963م شهدت اليمن شماله وجنوبه حروباً أهلية حتى بعد توحيده في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.
لقد كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م في شمال الوطن ثورة شعبية ووطنية رفعت شعارات ستة وطنية ونهضوية عادلة وهدفت في مضمونها مبادئها واهدافها السيادية للوطن وتطوره ولتحقيق مصالح الشعب.
لقد كان لفكرة القضاء على الإمامة وانصارها ومؤيدوها اللذين كانوا يمثلون جزء كبير من عامة الشعب واقرباء وانساب ومؤيدي الاسرة الإمامية روحياً ومادياً.. كان لتلك الفكرة الريديكالية المتطرفة انعكاساتها على استمرار الحروب والعنف حتى عام 1970م مروراً بتوقيع اتفاقية الصلح في خمر عام 1965م واتفاقية عمران 1966م بين الجمهوريين والملكيين وما تلا ذلك من حوارات واستقطابات لقبائل حاشد وبكيل من قبل نظام الجمهورية العربية اليمنية وبالرغم من انهزام الملكيين في حصار صنعاء وانهزامهم نهائيا حتى نهاية عام 1970م إلا ان قسم كبير منهم أعيد دمجه في مؤسسات الدولة ووظائفها المتعددة.. والجدير ذكره فان النظام المالي والاداري الإمامي والمعتمد على الفكرة التركية المملوكية ساريا حتى يومنا هذا مع تغيرات في القوانين والقرارت القديمة لم ترى النور في الحياة الادارية والمالية للبلاد وكانت اليمن شمالاً قد عانت من حرب أهلية بين انصار الملكية وانصار الجمهورية لم تنتهي إلا عام 1970م وراح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب ودمرت العديد من القرى والمنازل والمنشآت ودعم بها الملكيين دعما عربيا سخيا واشترك في هذه الحرب المدمرة المئات من المرتزقة الغربيين واللاتينيين الاجانب وحظي الجمهوريين بدعم سخي من دولة اليمن الجنوبية الفتية شمل الرجال والعتاد...الخ.
لقد كانت خسائر هذه الحرب هائلة على اليمن ومدمرة ومما يؤسف له انه مع أواخر 1964م زادت الحرب مآسيها عندما انقسم معسكر الجمهوريين على أساس طائفي!.
لقد قامت في شمال الوطن حركات يساريه حتى عام 1977م في محاولة خلق ميزان العدالة وللحد من المسلك القديم لألغاء وأستيعاب الأخر وشطبه من الحياة لكنها وقعت في نفس الوقت بالمحذور وممارسة فكرة الألغاء للآخرعندما حاولت قسر الظروف والواقع الصعب للحياة بما في ذلك تأصل الحياة العصبية والقبلية والعادات والتقاليد المفروضه موظوعياً بقوة العاده في المجتمع ولم توائم أوتطابق بين مصالح الطبقات الأجتماعية والفئات القبلية والعصبية المذهبية في المصلحة السياسية والمصالح العامة الآخرى.
وقامت حروب متفرقة هنا وهناك كان أكبرها اتساعاً هي حرب المنطقة الوسطى والتي انتهت في عام 80- 1982م بفضل حنكة قيادتي الشطرين إضافة الى حربي 72- 1979م بين شطري اليمن.
وفي الجنوب اليمني قامت ثورة وطنية تحررية شعبية مسلحة وسياسية عملاقة متنوعة في الرابع عشر من أكتوبر من عام 1963م . وكانت الثورة بقيادة الجبهة القومية أول ماأقدمت علية تصفية اكبر تنظيم مسلح وطني هو جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل بعد ان شهدة الجبهتين حربين أهليتين 1967. وقد أرادت جبهة التحرير من هذه الحرب تصفية الجبهة القومية والأستيلاء على الجنوب ولكن نظراً لأعتماد الجبهة القومية التكتيك السليم والشعبية المطلقة داخل فئات الشعب في الجنوب حصل العكس عندما نجحت الجبهة القومية في الأجهار على جبهة التحرير بكل مؤسساتها السياسية والعسكرية ولكن وللأمانة فأن الجبهة القومية ومن بعد الحزب الأشتراكي قام بأستيعاب المئات من عناصر الجبهة وحصلوا الكثييرين على المناصب العامه والوظيفة العامة والتعليم والتأهيل الخ.
لقد أتسمت التجربة الثورية الوطنية في الجنوب بالطموح المثالي للجبهة القومية على الرغم من تجربة قيادتها وعناصرها السياسية والتعليمية الجديدة وصغر سن عدد من قيادتها إلا من البعض القليل منهم فقد كانوا يعتقدون بأنهم الأحق والأطهر بتحقيق مصالح الفقراء والمستظعفين ذات السيادة المطلقة الغير خاضعة للمساومة .. نآهيك عن تجذر شعارات الأشتراكية في عقول عدد من قيادتها والمجاهده فيما بعد بها.
ولقد حقق هؤلاء الكثير من الأشياء والسياسات المثاليه للشعب . على حساب دمائهم واشلائهم فقد خاضوا حروباً داخلية داخلهم دموية في أعوام 68-69-78-1986م وكانت هذه الحرب هي الأبشع (ولاأبشع منها الا حرب 1994م).
وكانت تلك الحروب الشطرين في أعوام 72- 79م بين الشمال والجنوب قد تمت تحت تأثير النزعات الشطرية والألغاء بين الأشقاء وبفعل تأثير العوامل الخارجية الغربية والشرقية والثوازن الدولي بين الرأسمالية والأشتراكية.
في ظل قوانيين كانت سائده حينذاك هذه القوانين قوانين الشمولية العربية والرأسمالية والأشتراكية قوانين الصراع المتنوع السياسي والاجتماعي الداخلي الممهورة بالنزعات الذاتية والقروية والمناطقية والشطرية في زمن كانت فية المعرفة العلمية والدينية ضعيفة بمستوى ضعف ووعي البنى التحتيه والقومية داخل الشمال وداخل الجنوب بين القادة السياسيين وفي أوساط المجتمع اليمني الذي لم ينفصل كليةً عن حياته البدائية والوثنية والتقليدية مما ساعد على إشعال الفتن داخلياً في كل الشطر وبين الشمال والجنوب ودولتيهما اللتين كانتا تدعما كل منهم معارضي الآخر لأسقاطه للأسف
وتمت تلك الفتن بفعل التدخل المباشر والغير مباشر للعامل الخارجي العربي والأسلامي والأجنبي بين قطبين العالم الرأسمالي الأمريكي والشرقي الأشتراكي السوفياتي كما أشرنا اللذان أتقنا خططهما لأقتسام اليمينين أرضاً وشعبناً وظمننا ولائهم تحت شعارات أيديولوجية أبلغها محاربة الشيوعيين في الجنوب والقضاء على الرأسمالية في الشمال !! وهذه الشعارات الأيديولوجية أثبتت الحياة والتاريخ عدم صحتها فلاهؤلاء بالشيوعيين ولاهؤلاء كانوا بالرأسماليين ولكن ماهو ثابت إن كل من على هرم السلطة في الشمال كان يأمل بالقضاء على الأخر وألغاءه وهكذا بالنسبة لأولئك اللذين كانوا على هرم السلطة في الجنوب كانوا يطمحون إلى اللقاء النظامي في الشمال .
لقد حكمت النظامين منذ عهد الثورتين سبتمبر وأكتوبر وحتى ماقبلها سياسة الغاء الآخر بالقوة ومارس تلك السياسة أجنحة السلطة داخل كل شطر من اليمن بحكم السمة العامة لقانون الألغاء المسيطر عالمياً ومحلياً وسيطرة مدرسة سياسية فرق تسد الأستعمارية والتي أصبحت مدرسة لكل فرقاء العمل السياسي والأجتماعي ورجال الدين والمشائخ الكبار... وحدة 22مايو1990م بفضل القيادة الحكيمة للشطرين قامت الوحدة اليمنية المجيدة في 22 مايو 1990م بموجب إتفاقيه عدن التاريخية الموقعه من جانب زعيمي اليمن فخامة رئيس الجمهورية زعيم الأمة علي عبدالله صالح وأخيه علي سالم البيض المنفي اليوم قسراً خارج اليمن الموحد.
لقد كانت الوحدة اليمنية المفهوم الرفيع الجديد مادياً وعلمياً ومعنوياً الذي يلغي قوانينها ودستورها كل قوانيين الجهل والألقاء والحروب والتخوين والتكفير ويضر تشريعات الوحدة المدونة والغير مدونة والأعراف والعادات والتقاليد النبيلة للمجتمع حجر الزاوية التي يلغي بها كل ماضي تناصري أو نكرات للآخر ولحقة بإيجابياتة وسلبياته ولهذا قيل دائماً إن الوحدة يجب ان تجب ماقبلها وإعتبار ذلك من عبر الزمان. إن هذا المفهوم الواسع لوحدة الأمة على قاعدة الحق والعدل والمساواة وإلغاء كل إشكال الألغاء .
وقد سميت تلك الوحدة اليمنية والديمقراطية وبالوحدة الجليلة بين الشمال والجنوب إلا أنها فتحت بحرب ضروس لازالت اثارها حتى اليوم قائمة وجروحها لم تندمل بأشعار العقل اليمني الراجح ليصلح شأن الأمة وليعيد ميزان العدل ويفتح أمامها ابواب الفجر الوضاءة.
ولعلنا نزداد أملاً بتلك المعالجات الأتية لمستفيدي الحرب من أبناء الشعب في الجنوب من قبل فخامة رئيس الجمهورية وخصوصاً أولئك المحالون للتقاعد القسري من القوات المسلحة وأجهزة الأمن ومن الاجهزة الحكومية الأخرى وأملنا أعظم كباحثين في أن يتم مناقشة وتوسيع مفاهيم ومعاني مبادرة فخامة رئيس الجمهورية حول التعديلات الدستورية وقيام نظام سياسي يمني جديد ووحدة يمنية جديدة تعالج كل نواقص التوقيع عليها وتعالج الأمور في نصابها الأخوي العادل بين الشمال والجنوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.