من مرارة الحياة إلى مكدرات العيش الذي توالت عليه أتربة غبار أجياد الواصلين إلى حكم بلد تنكرت فيه كل معارف لغات العالم وجمدت جميع متصرفات الأفعال ولزمت العلة حروف الهجاء الصحيحة حتى ساد على الناس حالة من اليأس لا نظير لها في الأمم ولا مثيل لها في الزمن , فحدثت هجرة للوطن من مكانة التقديس في القلوب إلى حالة من التفرج في النفوس , فصار من سلم رأسه ووجد كفايته لا يبحث عن شيء وراء ذلك من تفاعل ومشاركة واهتمام بالناس وكأنهم لا يعيشون معه ولا يتقاسم معهم الوطن الواحد الذي أنفق البشر أوقاتهم في تعميق محبته وزيادة الولاء له , وهذه السلبية الكارثية غرسها من كان المسئول عن محاربتها وزرع ضدها , لقد كانت الأحزاب والجماعات والقوى تدعي خيرا وتمارس شرا, تنتمي لليمن وتحتفي بالمنن , ترسم ورود وعودات كاذبة وزهور أمنيات فارهة , وفي الواقع كل له غرضه الشخصي على حساب المجموع وشهوته النفسية على متطلبات الشعوب , الحزب له غرضه وأشخاصه حتى أن ثورات اليمن كلها جاءت من أجل توزيع المشاركة في السلطة وتوظيف بعض إتباعهم الذين تسلقوا بهم إلى هناك, صرت أكره كلمات عشقتها من يوم سمعتها مثل حرية وعدالة وكرامة ومواطنة , من كان ينبغي به أن يزرعها ويسقيها ويحميها هو من زرع كرهها وبغضها بسوء فعله وقبح صنعه , هذه واحدة من جوالب التمعر والتنكر للوطن حتى هجرته القلوب وكرهته النفوس ومجت الأسماع لفظه الذي كان يبكي مَن سمع حروفه ونطقها , البعض قد ينكر كلامي ويتهمه بل وينسبه وإذا تتبعت أقدامه وجدته ممن شارك في تعميق الشكوى وترسيخ البلوى من الوطن , من ينكر تلاشي احترام الوطن الذي سلب من القلوب بسبب جماعات وأحزاب اللذات التي لبست أشكالا من ثياب التنكر فمن وطنية وحرية وعدالة إلى شعارات إسلامية على عبارات أممية حتى صار من ينطق بها يعرف أنه كذاب , وهذا لا يبرأ منه أحد لا وطني ولا إسلامي ولا اشتراكي وزاد الطين بلة من يقتل ويجرم إما باسم آل بيت النبوة وإما باسم تحكيم الشريعة , ووقع المواطن المسكين بين شعارات التقدم التي أطلقها اليسار وباعها وبين وعودات اليمين التي رفعها واستغلها ؛ فصار إن كره الأولى رجعيا وإن أنكر الثانية كافرا , وهكذا تستمر مأساة وطن بدأ أهله يكرهون حرفه ورسمه , لوجود أشباح شريرة لا تموت من دعاء ولا تستحي من بكاء وتمعن كل لحظة في جعل أحجارها جبلا لا تتحرك إلا بالقيامة التي يستحيل إطلاقها من بطون وحناجر لا تتخذ قرار حياتها إلا بعد مشاورة من يخونها وهو سبب بكائها على سلب الوطن حتى من احترام في النفوس وتقدير في القلوب , وتبقى سذاجة القلوب الرحيمة هي الباب الذي دخل ويدخل منه هؤلاء المجرمون إلى ساحات تصنع كره الوطن, وللحديث بقية....... .