طيلة العقود الثلاثة الماضية سعت الدولة ممثله في رأس النظام إلى شيطنة محافظة مأرب، وتقديمها بصورة هي الأكثر سوء للمستهلك الداخلي والخارجي، وأكثر أن صوروا أهلها بأنهم لفيف من القتله وقطاع طرق ، وفي أحسن الأحوال قلة من المخربين، وحاضنة مهمة للقاعدة. تعود بي ذاكرة الأيام إلى مناسبة أخوية تم فيها عرض زيارة ضيافة للسفير المغربي إلى مآرب، لتمتين أواصر الأخوة بنوع من نكهة التراث المآربي التقليدي، فكان أن تلقى زخة من الرعب، والتخويف من قبل وزارة الخارجية اليمنية، كون مآرب منطقة غير آمنة و تنصح بعدم زيارتها، لولا أن السفير المغربي ربط على قلبه، وقرر في نفسه خوض المجازفة، التي اكتشف بعدها أنها ليست سوى تخويفات وشائعات فارغة المحتوى، وأن مآرب وأهلها أصالة يمنية بعبق الشهامة والكرم، بل وأكثر نصح الكثير من السفراء، ودعاهم لزيارة المحافظة المفترى عليها. هي حملة تشويه ممنهجة، ومنظمة، تولت تنفيذها دائرة الحقد العفاشية، لتنال من جمال المحافظة، وأصالة تاريخها طمعا في ترابها المغري اقتصاديا وحضاريا، جاءة هذه الحملة الإعلامية متوازية ومؤامرات إذكاء وتغذية الخلافات بين أبناء مأرب، لتطويل أمد الصراع بين القبائل المآربية، وإحياء الثارات بصورة أهلكت المحافظة، وأرهقت أهلها الطيبين. نفذت سلطة الكوارث مخططاتها الدنيئة بوسائل قذرة من خلال إمداد القبائل المتحاربة بالسلاح من معسكرات الجيش طمعا في استمرار كوراث الحروب القبلية. كل تلك الأساليب الرخيصة من قبل سلطة عفاش الحاكمة، كانت تساهم فيها بعض النفوس الضعيفة من أبناء مأرب، وذلك يرجع للجهل والأمية التي كرستها الدولة وعدم الوعي بالمصلحة العامة. وما أن هبت رياح الربيع العربي حتى قلبت كل الموازين والحسابات، التي كانت تراهن عليها سلطة القتل والفساد، أملا منها في نقل الصراع والاقتال بين الداعمين لثورة الشباب، والداعمين لنظام صالح إلى محافظة مأرب حتي يكون أبنا المحافظة هم وقود الحرب. الا أن الوعي الذي وصل اليه أبناء مأرب كان صادما لنظام صالح، وحتي للقوى المعارضة له، لأنها كشفت صورة مأرب الوطنية الناصعة والحقيقية، وكذبت تلك الصورة التي اجتهد النظام في رسمها وتشكيلها في وعي الوطن عن مأرب وأهلها. فكانت هيا المحافظة الأكثر أمنا وتفهما للمصلحة الوطنية في أحداث ثورة 2011 حتي أنه تحولت إلى ملجأ للنازحين إليها من صنعاء وبعض المناطق الاخرى، طلبا للأمان وللخدمات الاساسية التي كانت متوفرة فيها وانعدمت حتى في العاصمة صنعاء ومعظم مدن اليمن، في تلك الفترة التي كانت تعاني من انقطاعات للتيار الكهربائي، وانعدام للمشتقات النفطية وغيرها من الخدمات الاساسية. وحتي في خضم زحف مليشيات الحوثي وصالح على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء وبقيه المحافظات، كانت مأرب الصخرة التي تحطمت عليها كل أحلامهم وآمالهم في السيطرة عليها، وأذهلهم صمودها أهلها الأسطوري رغم كبر ودناءة المؤامرة، وضخامة الحشود التي تم تعبئتها لإسقاطها. اليوم، وأمس، أعطت مأرب - التاريخ والحضارة ، مأرب البداوة الأصيلة، والنخوة العربية، التي فقدت عند البعض- دروسا لقيادات الأحزاب والقوى السياسية والمثقفين .. الخ في الوطنية، والتضحيات، والحفاظ على الكرامة والعرض ضد كل من خان وطنة وأهلة وشعبة وسلم الدولة لمليشيات مرتزقة قاتلة. المخاوف عليها ما زلات قائمة، والمؤامرات أكبر بكثير مما نتصور. الخوف هو من الاستمرار في نفس السياسية السابقة سيئة السمعة منذ ثلاثة عقود، والنظر فقط اليها كرافد لخزينة الدولة بالموارد المالية، وتنسى كل التضحيات، ويتم تغذية الصراع القديم الجديد بين القبائل. أمام أهل مأرب اليوم تحديات كثيرة أولها : هو عمل صلح عام وشامل بين كل القبائل وميثاق شرف لحل كل الثارات العالقة حل نهائي وتصفية كل الدماء. وعدم العودة للاحتكام إلى السلاح في النزاعات بل الالتزام بالقوانين، وتغليب لغة العقل والحوار. وعلى كل قبيلة ان تقدم كل فرد يرتكب جريمة جنائية أو عمل منافي للأعراف والتقاليد وخصوصا المخربين إلى القضاء حتي تعتبر مسوليه شخصية وهو وحدة يتحمل تبعات أخطائه. ثانيها: تضافر الجهود لدعم مشاريع التنمية والتنمية المستدامة، والبني التحتية للمحافظة وخصوصا قطاع التعليم والصحة. ثالثها: اعتماد المسؤولية الإدارية في المحافظة على الكوادر المؤهلة من أبناء مأرب، عكس ما كان معتمد من قبل حيث كانت تعتمد على دعم القبيلة بغض النظر على مؤهلات المسؤول او خبرته.