توفرت مؤخرا المشتقات النفطية بشكل رسمي وفي جميع المحطات وبصورة غير مسبوقة بالعاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي تسيطر عليها قوات الحوثي وحليفها صالح. أزمة المشتقات النفطية التي عصفت بالمواطن اليمني حد الاختناق في معيشته وعمله وتوقفت على إثرها الكثير من الشركات والمصانع وفقد الكثيرون وظائفهم وتعطلت أعمالهم التي هي مصدر أرزاقهم ومن يعولون، الأمر الذي جعل المواطن اليمني يقع فريسة للسوق السوداء أو (الموت الأسود) كما يسميها البعض التي ظلت ولا زالت تمتص ما تبقى من دماء اليمنيين مستغلة حاجتهم وسعيهم ورائها من أجل استمرار الحياة ولو بأدنى صورها الإنسانية. بدأت تلك الأزمة تشتد وتزداد حدتها مع بدء الحرب التي لا زالت رحاها تدور منذ ثمانية أشهر تقريبا بين الشرعية مسنودة بقوات التحالف العربي وبين قوات الحوثي وصالح. الظهور المفاجئ للمشتقات وتوفرها بهذه الكميات وبالشكل الرسمي بعيدا عن السوق السوداء خطوة إيجابية في اتجاه التخفيف من معاناة الشعب، ولكنها أثار العديد من التساؤلات لدى المواطن، إذ كيف استطاع الحوثيون توفير هذه الكميات من المشتقات بينما لا يزال التحالف العربي يفرض حظرا على سماء البلاد وبرها وبحرها وهو السبب نفسه الذي كانوا يتعللون به طوال الفترة الماضية؟! ويتساءل البعض هل كنا نعيش فعلا أزمة حقيقية بانعدام المشتقات النفطية من المحطات الرسمية وفي المقابل توفرها بكميات كبيرة في السوق السوداء أم أنها ليست سوى أزمات مفتعلة؟! فكيف استطاع تجار السوق السوداء توفير ذلك بينما عجزت السلطات الحاكمة عن توفيره؟ هذا في حال استطعنا الفصل بين التجار والسلطة!! لكن الواقع المشاهد أنه لا فرق بين تجار السوق السوداء وتجار السلطة الجدد فكلاهما قادمان من كهف واحد.. إن افتعال الأزمات فن يجيده المتسلطون لتوطيد أركان حكمهم وقد مارس ذلك الفن قبلهم علي صالح الذي أدار البلاد بافتعال الأزمات وإشعال الحروب لأكثر من ثلاثة عقود في محاولة للفت أنظار الشعب عن حقوقهم في الحياة والعيش الكريم مثلهم مثل غيرهم من شعوب العالم. لا زلت أتذكر عبارة قالها السيسي بعد توليه الحكم في مصر مبررا عجزه عن تقديم مشروع يكفل للمواطن حياة كريمة فوصف الفقر حينها بأنه موروث شعبي لا يمكن القضاء عليه لأنه بذلك سيقضي على موروث مهم في حياة الشعب. وهكذا تصبح لدى الحاكم المستبد موروثات يجب الحفاظ عليها ويرى أنه لابد أن يورثها لأبنائه من بعده. وهاقد ورث الحوثيون افتعال الأزمات من صالح بشكل شرعي بحكم تبني الأخير للأول وهاهم سائرون على نفس المنهاج ويجيدون ممارسة نفس الفن. يقولون في المثل "من شابه أباه فما ظلم"، لكن والدي حفظه الله لديه وجهة نظر أخرى فقد قال مثلا مفاده "ما يطلع مثل أبوه إلا الحمار".. طبعا يقصد أن يطلع مثل أبوه بالصفات السيئة. لقد كثرت الأزمات التي تمس حياة المواطن في أمنه ومعيشته، حروب لا تكاد تتوقف بل تزداد اتساعا، ومشتقات لا نكاد نراها إلا كزائر على عجل، وغاز منزلي محلي يتحكم في تواجده وانعدامه تقطعات مفتعلة وتعصف بأسعاره البورصة المحلية في ظل قرار التعويم.. أما أزمة الكهرباء فحدث ولا حرج.. فلو سلمنا بأن محطة مارب الغازية متوقفة عن العمل أو معطلة أبراجها بسبب أعمال تخريبية؛ فماذا عن محطة (ذهبان) و (حزيز) التي كانت تغطي عجزا كبيرا في العاصمة بما لا يقل عن 12 ساعة يوميا؟! وماذا عن محطة المخا؟! لماذا توقفت هذه المحطات عن العمل برغم توفر (الديزل) في المحطات الرسمية؟ يظل افتعال الأزمات فن يجيد ممارسته المستبدون السابقون وموروثا يتمسك به اللاحقون لأنهم يرون في ذلك الوسيلة المثلى للهروب من استحقاقات المواطن وكذلك إشغالا له في البحث عن لقمة العيش التي بالكاد يجدها ناهيك عن أن يطالب بأي شيء آخر على سبيل الحرية والكرامة. لكن الشعوب الحرة ترى في تلك الممارسات فتيل لإشعال ثوراتها مهما طال صبرها وتحملها.