على نحو متزامن مع مؤتمر صحفي عقده مساء الأربعاء في نيويورك مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، وأعلن فيه قبول الحوثيين وحليفهم صالح بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، أطل المخلوع صالح من صنعاء بنبرة تتناقض تماماً مع ما أفاد به المبعوث الدولي وتوعد باستمراره في التمرد على السلطة الشرعية في بلاده. حتى هذه اللحظة لم يصدر عن المبعوث الدولي أي تصريح ينتقد فيه ما جاء على لسان الرئيس اليمني المخلوع، ولهذا تفسيرات عدة قد يكون من بينها أنه لا يرى في تصريحات صالح شيئاً يستحق الاهتمام، لأنه أنجز الاتفاق مع الطرف المؤثر وهم الحوثيون، الذين ربما كانوا أكثر اتساقاً مع موقفهم الاستسلامي على الحدود مع المملكة ورغبوا بالفعل في الحصول فرصة البقاء مع دور سياسي حتى ولو كلفهم ذلك تقليم وانتزاع بعض المخالب، وأعني به السلاح الثقيل، والانسحاب من صنعاء والمدن. الحوثيون هم الهدف من الحرب الدائرة في اليمن، واستئصالهم يعد هدف استراتيجي، كمكون حركي ميلشياوي مسلح، ومرتبط جذرياً بالأجندة الإيرانية، لأن بقاءهم بذات المواصفات والإمكانيات والقدرات لا يعني سوى ترحيل للمشكلة إلى جولة عنف قادمة. أما ما يتعلق بالمخلوع صالح، فإن مستقبله السياسي بات بحكم المنتهي تماماً واستئصاله لن يكلف كثيراً ولهذا اتخذ لنفسه عبر هذا الخطاب، خطاً قد يكون منفصلاً عن الحوثيين، وقد يكون متسقاً مع مواقفهم المضمرة التي يخشون الإفصاح عنها في هذه المرحلة من الإذعان. لكن الثابت أن المخلوع صالح اختار المواجهة مع الجميع، وأعلن بشكل صريح وواضح أنه غير معني بالاستسلام الذي ذهب له الحوثيون بل بالسلام على حد تعبيره. ثمة من يفسر هذه النبرة المتوترة من جانب صالح بأنها محاولة لتجييش الأنصار الذين باتوا أكثر إدراكاً لخطورة المقامرة التي قادمهم إليها الحوثيون وصالح، ويريد أن يضمن حشداً يقام في صنعاء يوم السادس والعشرين من مارس الجاري، تزامناً مع حلول الذكرى الأولى لبدء عاصفة الحزم، التي يسميها صالح وحليفه الحوثي “عدواناً”. والهدف السياسي من حشد كهذا هو التعويض عن الفشل الذي جنته سياسة الانقلابيين طيلة الفترة الماضية على الصعيدين السياسي والعسكري، والتي جعلتهم قاب قوسين أو أدنى من فقدان سلطة الأمر الواقع التي أسسوها في صنعاء بالحديد والنار وعبر عملية عنف قوضت أسس الاستقرار السياسي والاجتماعي وجعلت مستقبل اليمن مشرعاً على أسوأ الاحتمالات. تحدث صالح بنبرة عالية متوترة وسكت حليفه الأساسي في الانقلاب، وواجهة هذا الانقلاب، زعيم الميلشيا عبد الملك الحوثي، والجميع يعلم أنه أكثر حاجة للتصعيد في لحظة مصيرية كهذه والتذكير بمفردات “العزة” و”الكرامة”، ولكنه لم يفعل، وترك الأمر للمخلوع صالح، الذي يبدو أنه لم يعد يراهن على شيء سوى على لحظة يتجمع فيها أنصاره ليرضوا لديه غروراً منكسراً وطموحاً محطماً وآمالاً ذابلة بإمكانية البقاء في موقع التأثير على واجهة المشهد اليمني. يقترب التحالف العربي من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في اليمن، وإن كان ذلك يمضي بخطوات متأنية نوعاً ما، خصوصاً في بعض الجبهات، لكن التداعيات السياسية التي حصلت خلال هذا الأسبوع تؤشر إلى أن الاستراتيجية العسكرية للتحالف، تحقق أهدافها بنجاح، وأن الأمر يتعلق بعملية تفكيك وخلخلة للجبهات حيث يتم الضرب بقوة في بعضه والتدخل التكتيكي في بعضها الآخر. قال ولد الشيخ إن الانقلابيين قبلوا بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وقال المخلوع صالح إنه سيمضي في خط الحرب والمواجهة، ولا شك أن أحدهما يلامس الحقيقية والآخر يراوغ لدوافع سياسية. والحقيقية الراسخة هي أن الانقلابيين فقدوا الكثير من الأوراق، بما في ذلك قدرتهم على الانتحار في الجبهات، وهي عملية لا تحتاج إلى أسلحة نوعية بقدر ما تحتاج إلى مقامرة غير محسوبة.. إنها النهاية البائسة والمتوقعة لكل عمل يفتقد إلى قاعدة أخلاقية وأهداف شريفة، كالانقلاب الذي نفذه المخلوع صالح والحوثي على الإجماع الوطني والعملية السياسية في اليمن. *أخبار اليمنية لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet