نظرات لم أشهد لها مثيل؛ عيون بريقها يكاد ينطفئ؛ ملامح رسم عليها الزمن تفاصيله وعصوره؛ بشرة عبث بها الحرمان لينحت من خلالها تضاريسه اللامتناهية؛ جسد هزيل اختزل من خلاله العمر فصولاً لا عبق فيها ولارائحة للزهور..!! رأيته؛ نظرت إليه؛ تأملته مراراً وتكراراً لدرجة لم أستطيع صرف نظري.. لأستفيق بضربة في رأسي أفقدتني صواب لم أعشه مسبقاً.. حدثته؛ أخذت بيده لأشعر بحدود لا متناهية من الحنين والشوق؛ روح تكاد تعصف بمن حولها من فيض مشاعرها ودموعها التي تتساقط على سنينها التي لم تكملها ولم تعد تدرك ماهيتها. عيون لا لون لها..!! لونها غسلته دموع ليست كباقي الدموع؛ دموع رسمت بغزارتها وخفتها خطوط لا تكاد تلمس بدايتها من النهايات. استفقت ثم غرقت في سبات؛ أستيقظت بعده لينتشلني صوت ليس له مثيل؛ صوت جعل مني صفحة بيضاء يخط على خطوطها حكايته والأحزان؛ صوت داعب خيالاتي واعتصرها بحزن لم أعشه يوماً كما عشته مع هذا الصغير. حزنٌ؛ سألني عمن سبقه من الأحزان ليثبت لي حقيقة أنه ليس كسواه؛ وبأنه حزن رسم فيها "الحاء" رمال ذراته تتناثر وتتطاير لتغرق أرواحنا بذراته الطوال؛ "ز" أخذتني ورمتني بمفترق طريق لم أجد بعده ما يجعلني قادرة على اختيار بدائل الخروج؛ "نون" هي عذوبة مياه لا تستطيع شربها والتمكن منها؛ ولا حيلة لك الموت عطشاً وأنت تتأمل عذوبتها؛ وتتخيل مذاقها في فمك ودونه.. هو ذلك طفل في التاسعة من العمر يتخبط جسده النحيل البرد القارس وتتراقص الملابس عليه كفراش لا تجد رحيقها الذي تبحث عنه. هو ذلك الطفل الذي لم أحدثه بقدر ما حدثتني تفاصيله والملامح؛ عذبني؛ آلمني؛ أبكاني وذبحني.. لم يتسول قبلاً؛ لم يجد نفسه سوى في منزله وبين إخوته ووالديه؛ لم يعد يدرك ما الذي حدث والسيناريوهات التي غيرت فصول حياته. لا يدرك بعد نزوح روحه من أحضان والدته والطفولة وربيعها؛ متلعثم؛ خجول؛ ضحكته لا تستطيع رسمها ريشة أي فنان؛ مهما استطاع خرق جدار الزمن؛ عيونه والنظرات التي ذبحتني وأرهقتني واعتصرت فؤادي ولم تبقِ عليها؛ لتتركه صريعاً؛ وحيداً حزيناً يحتضن آحزانه والأوجاع..!! لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet