نسكن في حارة رائعة لا تغرب الشمس عنها. صباحا تغفو في حضن الشمس المشرقة، ليلا نغمرها فتضئ بحبنا. تحلق الطيور النادرة فوق سمائها ُمشكلة سماء بلون الشفق. حارتنا بلورة ترى بداخلها كل البشرية تتحرك و تسعى. اجرمنا في حقها حين صبرنا و تركناها– و هي البلورة الكريستالية الفريدة في سحرها – تلتف حولها افعى! كان عيب بلورتنا ، اقصد حارتنا الوحيد ، عيب غريب مريب ظهر فيها مؤخرا و هو اننا أي اصحابها ما عدنا نغادر منازلنا! اما لماذا ؟ فلشرح هذا موال طويل يتلخص في كلمة "الصبر". صبرنا على بلاطجة اتوا الينا من حارة اخرى ، فنزل لمواجهتهم بلاطجة مثلهم لكن من حارتنا.لأنهم – أي طرفي النزاع بلاطجة– فقد تظاهروا امامنا بالعراك ، القتال ، الشهادة و سفكوا دماء اطفال ، نساء و رجال لكي يكتمل المشهد امام اعيننا. لكنهم ليلا كانوا يقتسمون الغنائم. اثناء نومي ، نومك ، نومنا جميعا. اقتسموا الغنائم و الكل نائم! يا للنكتة الكوميدية المضحكة. من خوفنا منهم صبرنا عليهم. لزمنا منازلنا ، ما المنازل الا لنلزمها عند انتشار وباء الخوف ، امسى كلا منا مهزلة مهازل ! نراهم من نوافذنا يروحون ، يجيئون ، يبصقون ، يطلقون رصاص ، يخزنون القات ، يتبولون! يفعلوا في حارتنا ما شاء لهم ان يفعلون ، كيف لا و نحن امامهم صابرون؟! بين الحين و الآخر يشتبكون ، نخاف نحن ، نرتعد. نرى رصاص يتصاعد الى السماء يشق طبقة الشفق. نصبر و ندعو الله ان يفرجها ونرفع ايدينا تضرعا للأفق. فجأة يتصالح البلاطجة! نشهق ، نرتجف. يتسكعون في حوارينا بحثا عن أي غنيمة . نضع على ابوابنا المؤصدة دواليب ، شماعات ونسندها بظهورنا خوفا على اهل بيتنا من البنات. هيا نتصارح في غياب اللئام ، اما حولنا صبرنا الملعون الى فئران؟ قد خلقنا الله احرارا لأن الحرية فطرة. لكن فكرنا تفكير الصابرين وتوصلنا الى " الاستعباد" ، لكي نتقي شرورهم و الذل فكرة. اما خلقنا الله شجعان ، الشجاعة فطرة لكنا فكرنا تفكير الصابرين ، فقادنا الى " الجبن" ، تنكيس الجباه ، الجبن فكرة. اما خلقنا الله اقوياء لكن تفكير الصابرين وجهنا الى زاوية الآمنين و الآمنين ضعفاء كلا منهم يغزل و ينسج صبره و الضعف فكرة. الصبر محمود ، نصبر على مرض ، نصبر على اعاقة ، نصبر على فقد عزيز ، نصبر على قضاء الله و قدره! لكن صبرنا على ظالمين ليس صبرا بل ذلا جعلنا نمسك بالصبر كأنما نمسك في قبضتنا جمره! اصبحنا فئران... و اسمعوا مني ، من الأن فصاعدا الكل يهرب اذا رأى هرة! اما البلاطجة فلا يلامون اذا استفادوا منا ، لا عتب عليهم اذا وسخوا مداخل بيوتنا وجعلوا كل الزوايا قذرة. نحن صبرنا عليهم، نراهم يفعلون ما يحلو لهم ، ونترقبهم في اقتسام الغنائم في المساء و السهرة! من قال ان الصبر حلو؟ من قال من صبر و تأنى نال ما تمنى؟ من قال الصبر مفتاح الفرج؟ من قال يا أفاقين يا قتلة؟! سينفذ من بيوتنا الزاد. توقف الموظفين عن الذهاب الى وظائفهم مطالبين برواتبهم فما كان من البلاطجة الا ان سدوا فراغهم بموظفين جدد فأخذوا منهم وظائفهم و روابهم حين ُتسلم !! ترك الطلاب مدارسهم وجامعاتهم لأن لا مال في ايديهم للمواصلات و الكتب فما كان من البلاطجة الا ان حولوا الجامعات و المدارس الى اوكار للسوق السوداء و لأسواق القات. لعن البلاطجة العلم و ابو المتعلمين و وصفوهم ب " الفرغ مابش مع امهم مِهرة" ! فجأة سمعنا انفجارات مدوية. انهم البلاطجة يتعاركون. انبطحنا ارضا كلنا. كلما تعارك البلاطجة ننبطح ارضا. مرة بعد مرة. نرى عند انبطاحنا نمل ،دود على الأرض يسعى. سعيها للرزق عبارة عن جهود مستمرة. اما نحن فلم نضاهي الحشرات الساعية لقوتها ، بل صرنا فئران تفر من حفرة الى حفرة. هدأ اخيرا صوت الانفجارات ، تنفسنا الصعداء. ارتفعت رؤوسنا من فوق الأرض. نظرنا الى بعضنا البعض. تعلو وجوهنا المصفرة قترة. ارتفعنا كلنا من الأرض الا صبي منا رأيت خيط دماء يسيل من ظهره. بموته صار ما حدث مجزرة. قد ارتضينا ان نلزم ديارنا فاتركونا نعيش يا قتلة. سمعت جارتي ترمي زجاج نافذتنا. قمت اجيبها و انا مذهولة باكية. طلبت مني و صغارها يتزاحمون عند نافذتها كسرة خبز او تمرة. اجبتها و انا اولول و ماذا نأكل نحن لو اعطيتك التمرة؟ جلست ارضا ابكي بعلو صوتي. بكيت الصبي المقتول. بكيت الجوع المحدق في الأبواب. بكيت الصبر الملعون الذي انتهجناه ، لعنت ذلنا ما اصبره! قاتل الله من أسرنا في بيوتنا و من هربنا من اوطاننا. قاتل الله من احضر الى سماءنا هدير و قصف طائرة. لا للصبر ، انه حيلة من لا آدمية فيه. لا للصبر ، نعم للقوة ، نعم للمواجهة ، نعم للقرارات الماهرة. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet