باستثناء من استطاع فرضهم حزب الإصلاح الإسلامي أو النائب علي محسن، أو من جاؤوا عن طريق رجل اليمن الفطن الراحل عبدالكريم الإرياني، فإنه لا مكان لأي شمالي في الشرعية بل لا مكان لأي جنوبي إلا نادرا، إن كان هذا الجنوبي خارج نطاق زمرة أبين وشبوة من بقايا النظام السابق الذين نزحوا مع عبدربه منصور هادي إلى صنعاء عقب مجازر الصبح الدامي في عدن في 13 يناير 1986. طبعا هناك استثناءات محدودة لا تستطيع الشرعية تجاوزها وتتمثل في عدد محدود جدا من الشخصيات المعروفة ذات الكفاءة إما من قيادات المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم سابقا في اليمن قبل انفراط تحالفه مع الحوثيين وبعد انفراط ذلك التحالف. أو من الشخصيات المستقلة التي فرضت وجودها بما قدمته من تضحيات جسيمة وبما تتمتع به من احترام وتأثير ليس في مناطقها فحسب بل على مستوى اليمن وعلى مستوى صناع القرار في الدول الشقيقة. ومن الأمثلة على دهاء الرئيس هادي في حبك المؤامرات الصغيرة ودهاء دائرته الضيقة في رسم الخطط التكتيكية ذات الضرر الاستراتيجي فقد استغلت الشرعية وجود منصب دبلوماسي شاغر في دولة لا تعترف بشرعية هادي للتخلص من أي شخصية شمالية أو جنوبية لا يستطيعون تجاوزها في قراراتهم لاختياره سفيرا في تلك الدولة وهم يدركون أن الدولة المعنية سترفض قبوله ولن تستكمل إجراءات تعيينه. الدولة المقصودة هي اثيوبيا الصديقة التي تتفادى حكومتها اتخاذ موقف من الأزمة اليمنية وتفضل عدم استقبال أي سفير يمثل أي طرف من أطراف الصراع إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن وعند ذلك سيتم إرسال سفير إليها يمثل حكومة يمنية حقيقية لا حكومة شكلها الانقلاب ولا حكومة ورقية يرفضها الشعب اليمني وينبذها حتى في المناطق الخاضعة لها. ورغم أن الرفض الاثيوبي لا علاقة له بشخص من يتم اختياره إلا أن الشرعية اعجبتها اللعبة واستمرت في ممارستها موهمة كل من يتم رفضه أن الرفض كان لشخصه وليس للشرعية. ومن المخجل أن الشرعية استمرت في ترشيح شخصية بعد أخرى كأن جلال هادي يمسك بلعبة أتاري في يده ويريد تجريب اللعبة أكثر من مرة وهو يعلم أن النتيجة واحدة. الخلاصة أن مثل هذه الألاعيب الطفولية لا تنم عن ذكاء وانما عن خبث شرير، لا يفيد الشرعية في شيء بل يفقدها ثقة أنصارها بها يوما بعد آخر. كما أن هذه الألاعيب وغيرها جعلت شرعية الشرعية تتآكل وربما أنها في طريقها للتلاشي تماما، والدليل على ذلك أن رئيس الشرعية لم يجد له أي مكان يقيم فيه في الأراضي اليمنية "المحررة". على الشرعية أن تتوقف عن إصدار قرارات التعيين الهمجية وأن تبدأ في تطبيق مخرجات الحوار الوطني. تلك المخرجات تتضمن آلية واضحة للتعيينات تضمن تكافؤ الفرص والتنافس الشريف بين كل اليمنيين. الآلية المنصوص عليها في مخرجات الحوار بل وفي مسودة الدستور الجديد هي أقرب ما تكون للطريقة المتبعة في الولاياتالمتحدة من حيث إعطاء الرئيس حق الاختيار على أن يتولى مجلس الشيوخ المصادقة على قرار التعيين أو رفضه. بهذه الطريقة يضطر الرئيس اضطرارا إلى ترشيح الأفضل والأكثر تأهيلا لكي يضمن مرور القرار في مجلس الشيوخ. قد يقول البعض أن مسودة الدستور لم يتم إقراراها ليتم تطبيق هذه الأسلوب والرد على ذلك أن مخرجات الحوار الوطني تم إقرارها بالتوافق بين مختلف القوى السياسية في الساحة اليمنية وأصبحت هذه المخرجات من المرجعيات الأساسية التي كان يتوجب على الشرعية أكثر من غيرها الحرص على تطبيقها. وصحيح أنه لا يوجد مجلس شيوخ منتخب في اليمن في الوقت الحالي ولكن مجلس الشورى يمكن أن يتولى مهمة إقرار التعيينات أو رفضها بما لديه من أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وحب اليمن. بل إن معظم أعضاء مجلس الشورى تم اختيارهم في عضويته إبعادا لهم من مفاصل القرار التنفيذي إما لنزاهة عرفوا بها أو لخوف قيادات الشرعية من نزاهتهم المحتملة، وبالتالي فإن أي قرار رئاسي يصادقون عليه سيكون محل ثقة. وسوف تفكر الجهات التنفيذية ألف مرة قبل اختيار أي شخص بناء على قرارة أو محسوبية أو مجاملة، خصوصا أن مداولات الإقرار واستجواب المرشحين تكون علنية.