تتقاسم الرياض وأبوظبي النفوذ العسكريّ في جنوباليمن، وتسعيان من خلال مشاورات جدّة إلى تأصيل هذا النفوذ سياسيّاً بعد التوقيع عليه من قبل الأطراف السياسيّة اليمنيّة. غالباً لا شيء يأتي بالسياسة مباشرة، لا بدّ من حرب تلو أخرى، حتّى يتعب الطرفان هذا وذاك، ويؤمنا بأنّ طاولة الحوار هي الملاذ الأخير والسبيل الأنسب للحلّ، لكنّ المفارقة في الصراع الدائر في جنوباليمن بين الحكومة المعترف بها دوليّاً والمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، أنّ الإمارات العربيّة المتّحدة والسعوديّة كانتا طرفين، في صورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب، والآن هما راعيتان للحوار. وتأتي هذه المحادثات بعد تقاسم النفوذ بين الرياض وأبوظبي في جنوباليمن عبر فرضه عسكريّاً من خلال وكلائهما المحلّيّين، لتعقبها المرحلة الثانية بشرعنة هذا النفوذ من خلال الطاولة السياسيّة التي تجمع الفرقاء اليمنيّين في مدينة جدّة السعوديّة، والتي تبدو ملامحها أنّها ستفضي إلى منح السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة شرعيّة سياسيّة إضافيّة تؤصّل النفوذ العسكريّ للدولتين، حيث تدعم السعودية شكليّاً الحكومة الشرعيّة، فيما تدعم الإمارات العربيّة المتّحدة في صورة واضحة المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ. وكانت الحكومة الشرعيّة قد رفضت الحوار مع المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ إلّا بشرط انسحابه من المعسكرات والمؤسّسات كافّة التي سيطر عليها في 10 آب/أغسطس الماضي، مطالبة، بأن يكون "الحوار مع الإمارات بصفتها المسؤولة المباشرة عن انحراف بوصلة التحالف في اليمن"، لكنّها استجابت أخيراً، وأعلنت عن ترحيبها بالحوار. بدوره، كان المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ قد رحّب بالبيان السعوديّ-الإمارتيّ المشترك وأبدى استعداده لحضور مؤتمر جدّة، من دون شروط مسبقة. وشدّد بيان الرياض وأبوظبي على "التوقّف في شكل كامل عن القيام بأيّ تحرّكات، أو نشاطات عسكريّة، أو أيّ ممارسات، أو انتهاكات ضدّ المكوّنات الأخرى أو الممتلكات العامّة والخاصّة"، داعياً إلى "العمل بجدّيّة مع اللجنة المشتركة التي شكّلت من السعوديّة والإمارات والأطراف التي نشبت بينها الفتنة، لمراقبة وقف الأعمال والنشاطات العسكريّة وأيّ نشاطات أخرى تقلق السكينة العامّة، وتثبيتها، ووقف التصعيد الإعلاميّ". أفاد الناطق الرسميّ باسم المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ نزار هيثم في حديثه إلى "المونيتور" أنّ "المباحثات الجارية في جدّة مستمرّة وإيجابيّة"، موضحاً أنّ "أبرز مطالب المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ تتمثّل في إدارة الجنوب وتجسيد الشراكة الحقيقيّة مع التحالف السعوديّ-الإماراتيّ، إلى أن تنتهي أهداف عاصفة الحزم". وأكّد هيثم أنّ "موقف المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ ثابت بضرورة المشاركة في العمليّة التفاوضيّة الأمميّة كطرف رئيسيّ يمثّل قضيّة شعب الجنوب وحاملها السياسيّ". وخلص إلى أنّ "المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ يسعى من خلال مشاورات جدّة إلى إيجاد حلول مستدامة، في سبيل أن يعمّ السلام وتتحقّق تطلّعات جماهيره باستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة"، لافتاً إلى أنّ "المشاورات الحاليّة تسير من دون وجود أيّ ضغوط سعوديّة-إماراتيّة عليه". إلى ذلك، يلفّ سير هذه المشاورات غموض كبير، خصوصاً لعدم إعلان الحكومة الشرعيّة عن أسماء المعنيّين في التشاور من قبلها، فضلاً عن عدم الإدلاء بأيّ تصريحات مسؤولة إلى وسائل الإعلام توضح ما يدور بالضبط في أروقة السياسة، بعكس المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ الذي يبدو أنّه يتحرّك بأريحيّة أكبر، وبإسناد واضح ومباشر من دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. وفي مساعي "المونيتور" لمعرفة رأي الحكومة المعترف بها دوليّاً عن سير المشاورات في جدّة ومستجدّاتها، تلقّى اعتذارات عدّة، سواء من مكتب وزير الإعلام وبعض الوكلاء في الوزارة أم حتّى من بعض المعنيّين في الحكومة. إلّا أنّ مصادر خاصّة في مكتب الرئاسة اليمنيّة فضّلت عدم الكشف عن هويّتها لأسباب سياسيّة وأمنيّة قالت ل"المونيتور" إنّه "لا يوجد حوار مباشر بين الحكومة والمجلس الانتقاليّ الجنوبيّ"، لافتة إلى أنّ "الحوار يجري حاليّاً بين الحكومة ومسؤولين في المملكة العربيّة السعوديّة، بهدف التوصّل إلى صيغة عريضة تنطلق منها المشاورات المباشرة". وأضافت المصادر أنّه "لا يوجد حتّى الآن أيّ تقدّم في المشاورات، نظراً إلى السقف المرتفع لمطالب المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، فيما الحكومة ترفض تقديم تنازلات كبيرة"، متوقّعة في الوقت ذاته أن "تفشل المشاورات". ومن بين أبرز المطالب التي تقدّم بها المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، بحسب المصادر الخاصّة، "ممارسته السلطة الكاملة في المناطق الخاضعة إلى سيطرته، فضلاً عن مشاركته في الحكومة في المناطق التي تقع ضمن سيطرتها". ويسيطر المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ على العاصمة الموقّتة عدن ومحافظتي لحج والضالع وجزء من محافظة أبين، فيما تسيطر الحكومة على المحافظاتالجنوبيّة-الشرقيّة، انطلاقاً من منطقة شقرة في محافظة أبين، مروراً بشبوة ووادي حضرموت، وصولاً إلى مدينة المهرة المحاذية لسلطنة عمان. يتّضح من خلال ذلك أنّ الرياض وأبوظبي تتقاسمان النفوذ العسكريّ في جنوباليمن، الأولى من خلال الحكومة الشرعيّة والثانية عبر المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، وتسعيان من خلال مشاورات جدّة إلى تأصيل هذا النفوذ سياسيّاً، بعد التوقيع عليه من قبل الأطراف السياسيّة اليمنيّة. في خضمّ ذلك، أضافت المصادر في مكتب رئاسة الجمهوريّة أنّ "هناك ضغوطاً سعوديّة قويّة تمارس ضدّ حكومة عبد ربّه منصور هادي المتواجدة في الرياض، وفي حين تخضع القيادة السياسيّة إلى هذه الضغوط، ترفضها أغلب القيادات الميدانيّة وخصوصاً العسكريّة، وتمانع تقديم المزيد من التنازلات". وتتحاور الرياض بحسب المصادر "في صورة مباشرة مع الرئيس هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، ومدير مكتب الرئاسة عبدالله العليمي، ورئيس مجلس النوّاب سلطان البركاني، ورئيس حزب التجمّع اليمنيّ للإصلاح محمّد اليدومي، وأمين عامّ حزب الإصلاح عبد الوهاب الآنسي". من خلال ما تقدّم، يتّضح أنّ مطالب المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ مرتفعة، بحيث تقف الحكومة الشرعيّة عاجزة عن تلبيتها، لأنّها ترى أنّها ستفقد ما تبقّى لها من شرعيّة بعد خسارتها العاصمة الرسميّة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، والآن خسارتها العاصمة الموقّتة عدن، وعليه هناك سيناريوهان لنتائج هذه المشاورات، الأوّل أن يتمّ التوافق على قيام المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ رسميّاً بممارسة السلطة في المناطق الخاضعة إلى سيطرته، وتنتقل الحكومة وفقاً لذلك إلى شبوة وسيئون والمهرة ووادي حضرموت، الثاني والذي هو أقرب إلى الواقعيّة السياسيّة الحاليّة، أن يتمّ إشراك المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ بالحكومة على حساب نصيب حزب الإصلاح، وذلك بمناصب سياديّة قد تصل إلى موقع نائب رئيس الجمهوريّة، كذلك تسلّمه حقائب وزاريّة مهمّة أبرزها وزارة الداخليّة، فضلاً عن إدارته للسلطة المحلّيّة في المحافظات الخاضعة إلى سيطرته. مونيتور