له "اكثر من دراسة" و"اكثر من كتاب" مضيفا انه لا يتوقع ان يرضا عن الكتاب "لا السلطة ولا والمعارضة ولا القبيلة ولا الدولة ولا الأحزاب ولا العصابات. لكن عزائي هو انني أبحث عن المواطنة المتساوية للجميع..للجنوبيين والشماليين وللرجال والنساء وللسادة والقبائل وللسلفيين واليساريين" ويمثل الكتاب أول محاولة نظامية لدراسة تناقضات النظام السياسي اليمني عن طريق تشريح البنية الدستورية والمؤسسية للنظام السياسي باستخدام مبضع "المواطنة." ويسر "التغيير" ان ينشر حصريا الفصل الثاني من الدراسة وعنوانه " السياق الاجتماعي للمواطنة" والذي يبدأ في صفحة 37 وينتهي في صفحة 51 وذلك بعد حذف الإشارات المرجعية لأسباب فنية. الفصل الثاني: السياق الاجتماعي للمواطنة أتصف المجتمع اليمني تاريخيا بعدة خصائص أهمها التعدد الاجتماعي، تحدد المكانة الاجتماعية للفرد من خلال علاقته بالموارد، والأحادية السياسية. وقد شهدت كل خاصية من هذه الخصائص تحولات على مر السنين. ولكن هذه الخصائص ما تزال تمثل التركة التاريخية التي لم يستطع المجتمع اليمني إضعافها بشكل كاف. ولا يمكن فهم وضع المواطنة في الجمهورية اليمنية دون إلقاء بعض الضوء على القوى المشكلة لهذا الوضع والمتمثلة بشكل أساسي في العوامل السابقة. أولا- التعدد الاجتماعي أتصف المجتمع التقليدي في اليمن بالتعددية القبلية، العرقية، الدينية والمذهبية، والطبقية، والجنسية. وقد شهدت هذه التعددية الاجتماعية بعض التحولات ولكنها ما زالت حاضرة في بعض جوانبها اليوم مضافا إليها بعض التعدديات الجديدة كالتعدد المناطقي والتعدد السياسي والثقافي. 1. التعدد القبلي مثلت القبيلة وحدة البناء الاجتماعي في اليمن والدول العربية الأخرى. وانقسمت اليمن تاريخيا إلى العديد من القبائل. وتذهب التقديرات إلى ان القبائل تشكل حوالي 85% من سكان الجمهورية اليمنية وان هناك حوالي 160 قبيلة يسكن معظمها المرتفعات الجبلية. ويوجد في اليمن اليوم ثلاث تحالفات قبلية رئيسية هي حاشد وبكيل ومذحج. ثم يأتي بعد ذلك عدد كبير من القبائل يزيد على 150 قبيلة. ويؤثر التعدد القبلي على المواطنة بطرق مباشرة وغير مباشرة. فالتعدد القبلي يعني تعدد الو لاءات داخل المجتمع ووجود جماعات أولية تحظى بولاء أفرادها المطلق وعلى حساب المجتمع السياسي الذي يكون الدولة. وبلغة المواطنة فان عضوية الفرد في القبيلة، والتي تقوم على رابطة الدم، تفوق في قوتها وأهميتها عضويته في الدولة والتي تقوم على الروابط القانونية. وتمثل علاقة الفرد بالقبيلة "الفلتر" الذي تمر عبره علاقته بالدولة والمجتمع. ويحقق الفرد عن طريق الرابطة القبلية ما لا يستطيع تحقيقه عن طريق "المواطنة." وهذا يعني ان المواطنة في اليمن ليست "واحدة" ولا تقوم على أساس من المساواة الدستورية والقانونية. ولكنها تعتمد وبشكل أساسي على انتماء الفرد إلى قبيلة. ويتوقف الإشباع الذي يحققه الفرد على حجم قبيلته وقوتها. 2. التعدد العرقي بالنسبة للانقسام العرقي فان ابرز فئة عرقية هم السادة، ويسمون أيضا الهاشمون أو آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام أو الأشراف، من جهة، والقبائل من جهة أخرى. وقد تميزت فئة السادة التي ترجع نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتزاوج فيما بينها فقط وعدم الزواج من الأعراق الأخرى. وفي الوقت الذي كان يمكن فيه للسيد ان يتزوج من فئة اجتماعية أدنى وهي القبائل فانه لم يكن ممكنا للأنثى من السادة الزواج بقبيلي. 3. التعدد الديني والمذهبي يعتنق اليمنيون جميعهم اليوم تقريبا الدين الإسلامي مع وجود أقليات صغيرة جدا من اليهود والمسيحيين. ويتكون المجتمع من أقلية زيدية (شيعية) تقدر بحوالي 25% من السكان. أما الشوافع فتقدر نسبتهم بحوالي 75% من الشوافع. وقد اعتمد الكاتب في تقدير هذه النسب على توزيع السكان على المحافظات بحسب نتائج تعداد سكان عام 2004. 4. التعدد الطبقي/الفئوي اتصف المجتمع التقليدي في اليمن بالتعدد الطبقي/الفئوي وهو شكل من أشكال التعدد لا يقوم على العامل الاقتصادي/العلاقة بعوامل الإنتاج ولكن، وهو الأهم، على علاقة النسب والسلالة. وبرغم عدم الاتفاق بين الباحثين على ترتيب الطبقات الاجتماعية الإ أنهم يتفقون على وضع السادة أو الأشراف أو الهاشمين على قمة السلم الاجتماعي...وقد تم وضع السادة على قمة السلم الاجتماعي بسبب انتمائهم السلالي والعلم الديني الذي حظيوا به والامتيازات المختلفة التي تمتعوا بها بسبب احتكارهم للسلطة حيث كان الإمام يختار، وفقا لمعتقدات المذهب الزيدي، من بين السادة. كما يتفقون أيضا على وضع الأخدام كطبقة أدنى. ويعيش الأخدام كفئة مهمشة، لا يرجع نسبها إلى أي من القبائل، في بيوت من الصفيح وتعمل في النظافة وغير ذلك من المهن التي لا تمارسها الفئات الأخرى. وتحتل الفئات المهمشة مثل الأخدام والعبيد والفئات التي تعمل في قطاع الخدمات في المجتمع التقليدي مثل الحلاقة، الجزارة، والتسلية المرتبة الأدنى. ويتمحور الاختلاف حول وضع المشايخ والقضاة والتجار والفلاحين وأصحاب المهن. فالبعض يضع مشايخ القبائل في المرتبة الثانية، والبعض الآخر يضعهم في الثالثة في حين يتم وضع القضاة في المرتبة الثانية. أما الطبقة الثالثة في المجتمع التقليدي فقد تمثلت بشكل أساسي في الفلاحين أو أبناء القبائل. وفي الوقت الذي قدر فيه حجم طبقة السادة ب5% من السكان فان طبقة الفئات المهمشة قدرت بنحو 10%، وقدر حجم طبقة الفلاحين ملاك الأراضي بحوالي 80%. وتميز النظام الاجتماعي التقليدي بقواعد صارمة تحدد سلوك أفراد كل فئة وحقوقهم وواجباتهم والمهن التي يعملون فيها. وحيث ان المكانة الاجتماعية تتحدد بشكل أساسي من خلال النسب فقد عملت كل فئة على حصر الزواج وخصوصا بالنسبة للإناث على أفراد الفئة الاجتماعية ذاتها. وقد تغير الوضع في المجتمع اليمني في العقود الخمسة الأخيرة حيث برز شيوخ القبائل، كبار السياسيين من غير المشايخ، وكبار الضباط كأعلى طبقة اجتماعية. ومع ان السادة ظلوا وحتى بعد قيام ثورة ال26 من سبتمبر في شمال اليمن وتبني الاشتراكية في جنوبه فئة اجتماعية مؤثرة الا ان تصفية دورهم السياسي قد انعكس وبالتدريج على مكانتهم الاجتماعية. ورغم الحراك الاجتماعي الذي شهدته البلاد الا ان التقسيم الاجتماعي الفئوي مازال يؤثر سلبا على قيام المواطنة المتساوية. وما زال الزواج مثلا بين أفراد الفئات الاجتماعية المختلفة "نادر الحدوث." 5. التعدد الجنسي يكتسب التعدد الجنسي الذي يعرف هنا بأنه يتكون من الرجال والنساء أهميته بفضل تنامي الوعي بان النساء في مختلف الفئات والتكوينات الاجتماعية يمثلن فئة اجتماعية منتقصة الحقوق. 6. التعدد المناطقي تتعدد اليمن مناطقيا على خطوط كثيرة. فهناك سكان الجبال وسكان السواحل. وهناك اليمن الأعلى واليمن الأسفل. ولعل التعدد المناطقي المرتكز على انقسام الجمهورية اليمنية إلى شمال وجنوب على خطوط الدولتين السابقتين على قيام الوحدة هو إحدى الأبعاد التي يمكن ان تساهم في تفسير الوضع الحالي للمواطنة في الجمهورية اليمنية وخصوصا وان هذا الانقسام يحمل أبعادا ثقافية تتصل بشكل أساسي بالتجربة التاريخية للجنوب . وإذا كانت ثنائية القبيلة الدولة قد مثلت عائقا لقيام الدولة المدنية الحديثة في الشمال فان الإضعاف الذي تعرضت له القبائل في الجنوب سواء عن طريق ظهور النظام الإقطاعي الذي سمحت بظهوره ظروف الوفرة الاقتصادية أو تحت الاستعمار البريطاني (1839-1967) أو خلال فترة الحكم الاشتراكي (1969-1990) قد ساعد على ظهور شكل أكثر تطورا للدولة في الجنوب. 7. التعدد الحزبي تساعد الأحزاب السياسية في أي مجتمع على التخفيف من اثر التعددية الاجتماعية وبحيث تنقل عملية التعدد الاجتماعي من شكله الأولي القائم على الروابط القبلية، المذهبية، والمناطقية إلى الشكل الحديث القائم على تعدد المصالح والأفكار. ويمكن التمييز في اليمن بين نوعين من الأحزاب. هناك حزبان كبيران هما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح. ويمكن النظر إليهما على أنهما تحالفان اجتماعيان موسعان يساعدان في خلق التعددية الحديثة ويخففان من الآثار السلبية للتعدديات التقليدية. ثانيا- سيادة التنظيم القبلي تعرف القبيلة كتنظيم اجتماعي على أنها مجموعة من الأفراد الذين يشتركون في رابطة النسب. وعادة ما يسكن أفراد القبيلة معا في ارض محددة. ويتولى شيخ القبيلة قيادتها وإدارة شئونها وحل المشاكل فيما بين أفرادها وفيما بينهم وبين القبائل الأخرى. كما يتولى حشد أبناء القبيلة لدعم احد أبنائها في مواجهة القبائل الأخرى. وقد ظل التنظيم القبلي ولقرون عديدة حاضر بقوة في التاريخ اليمني. وهناك من يذهب إلى ان السلطة في الدولة اليمنية القديمة لم تكن الإ "سلطة القبيلة" وان سلطة الدولة لم تكن سوى "سلطة أقوى القبائل." وفي الوقت الذي اتصفت فيه القبائل اليمنية بأنها قبائل مستقرة فيما عدا نسبة صغيرة، فان حجم الدور السياسي الذي لعبته وتلعبه القبيلة كتنظيم اجتماعي قد اختلف بحسب قوة القبيلة ودرجة تماسكها وتحالفاتها. واختلفت قوة القبيلة وقدرتها على الحفاظ على تماسكها من منطقة جغرافية إلى أخرى وذلك بحسب الظروف الاقتصادية السائدة في المنطقة. ففي المناطق التي تعاني من ندرة الموارد يشتد الصراع القبلي حولها وهو ما يجعل تلك القبائل تعمل على الحفاظ على كيانها وتماسكها في مواجهة القبائل الأخرى. وقد لجأت القبائل اليمنية عبر التاريخ وفي محاولة منها للتغلب على الصراع المستمر وآثاره المدمرة عليها، إلى تشكيل التحالفات الكونفدرالية. وتتكون كل كونفدرالية من مجموعة من القبائل المستقلة عن بعضها البعض الا في الأمور التي يتم التحالف حولها. وأشهر الكونفدراليات القائمة في الوقت الحاضر هي حاشد وبكيل ومذحج.. وبالرغم من ان الكونفدراليات الثلاث قد حدت من الصراعات التقليدية بين القبائل الإ أنها في المقابل قد خلقت نوعا جديدا من الصراع يدور حول قيادة الكونفدراليات القبلية. وعملت القبائل التي تمكنت من الوصول إلى القيادة في أي من التحالفات الثلاثة على الإبقاء على القبائل المشاركة في التحالف في حالة صراع حتى تتمكن من زيادة قوتها. ولم يكن ممكنا، في بيئة ظلت القبيلة تلعب فيها الدور السياسي الأهم، أن تتشكل الدولة الوطنية بمعزل عن القبيلة. بل ان الدولة ذاتها بدت تاريخيا وما تزال حتى اليوم وخصوصا في الجزء الشمالي من البلاد اقرب ما تكون إلى التحالف القبلي منها إلى الدولة الوطنية التي تقوم على المواطنة المتساوية وسيادة القانون. وقد عمل الإمام يحي حميد الدين والذي حكم اليمن خلال الفترة من 1918 وحتى عام 1948، في سعيه لنيل الاستقلال من الأتراك العثمانيين، على توحيد التجمعات القبلية الثلاثة خلفه. ثم اتبع بعد ذلك سياسة ذات شقين في إدارة شئون القبائل: الاعتماد على القوة العسكرية للقبائل في مواجهة الخارجين على حكمه، من جهة؛ والإبقاء على القبائل في حالة صراع مع بعضها البعض حتى لا تتحد ضده من جهة أخرى. واتبع الأمام احمد والذي تولى الإمامة بعد اغتيال والده في عام 1948 ثم استمر في السلطة حتى عام 1962، نفس السياسات التي اتبعها أبوه. وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 في شمال اليمن وجد قادة النظام الجمهوري من الضباط أنفسهم بحاجة إلى استمالة بعض القبائل للدفاع عن الجمهورية في مواجهة القبائل الموالية للإمام والتي تقاتل في صفوف الملكية. وعندما انتهت الحرب الأهلية، التي دامت لحوالي ست سنوات من عام 1962 وحتى عام 1968، كانت معظم القبائل اليمنية قد أصبحت أكثر قوة وتسلحا. وتلاشى الخط الذي كان يميز بين المؤسسة القبلية والدولة. ووجد الرؤساء الجمهوريون أنفسهم مضطرين، وفي سبيل البقاء في السلطة، إلى إتباع نفس السياسات التي تعامل بها الإمام مع القبائل. فقد عملوا على تقديم تنازلات للقبائل على الصعيد السياسي حيث تجنبوا محاولة بسط نفوذ الدولة والتغلغل في المناطق القبلية. كما عملوا، وفي سبيل الحصول على دعم القبائل، على تعيين كبار أبناء القبائل في المواقع القيادية وتخصيص الإعتمادات المالية للقبائل والمرتبات الشهرية وبما يخل من وجهة نظر الكثيرين بمبدأ المواطنة المتساوية. ومن هنا جاءت مطالبة الدكتورة رءوفة حسن أستاذ الإعلام في جامعة صنعاء عند مناقشتها لمسودة هذه الدراسة بإلغاء مصلحة شئون القبائل التي تتولى رعاية شئون القبائل وعلى اعتبار ان الهيئة تمثل تمييزا في المواطنة. وعمل القادة الجمهوريون في نفس الوقت على إذكاء الصراع بين القبائل المختلفة أو بين العشائر المختلفة داخل نفس القبيلة بهدف منع ظهور منافسين لهم من بين شيوخ تلك القبائل. وتم توظيف القبائل كقوة عسكرية يمكن حشدها لقمع أي تمرد ضدهم. وحد الدور السياسي للقبيلة وثقافتها من سلطة الدولة ومن قدرتها على بسط نفوذها على كامل تراب البلاد والتغلغل في المجتمع. واحتفظت القبائل بحقها في استخدام القوة سواء في مواجهة بعضها البعض أو في مقاومة بسط الدولة لنفوذها وسلطتها على مناطقهم أو في القيام بالاختطافات بهدف الضغط على الدولة للحصول على امتيازات معينة. كما ان القبائل ظلت تقيم علاقات مع الخارج وتتلقى مساعدات من الدول الأخرى دون الحاجة إلى إذن من الدولة. واختلفت قوة التنظيم القبلي ودوره السياسي من منطقة إلى أخرى كما سبق الإشارة. ففي الجنوب مثلا ساهمت الظروف الاقتصادية الأكثر مواتاة في الانتقال بالمجتمع من مرحلة التنظيم القبلي إلى مرحلة التنظيم شبه الإقطاعي. وساهم الاستعمار البريطاني ومن بعده النظام الاشتراكي في إضعاف الروابط القبلية وخصوصا في مدينة عدن وما حولها. ورغم كل ذلك فان الدولة سواء في الشمال او الجنوب أو في اليمن الموحد لم تصبح قوية إلى الحد الذي تصبح فيه موضعا للولاء المطلق وبحيث يغطي ذلك الولاء على الو لاءات الأولية. وقد أدى توحيد اليمن إلى تطورات بعضها ايجابي والبعض الآخر سلبي بالنسبة للقبائل. على الصعيد السلبي، أدى حضور الجنوبيين الذين مثلوا اليسار السياسي بشكل كبير في السلطة كنتيجة لعملية القسمة بالتساوي لمواقع السلطة بين الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب والمؤتمر الذي كان يحكم الشمال إلى إضعاف تأثير المشايخ على السلطة. أما على صعيد التأثير الإيجابي لدولة الوحدة على القبائل فان دمج الدولتين قد أدى إلى جعل المجتمع أكثر تعددية وتشرذما مما كان عليه الوضع في شمال اليمن قبل الوحدة. ووجدت الدولة الجديدة نفسها مشغولة بالكثير من الأمور ليس من بينها بسط النفوذ والتغلغل في المناطق القبلية. وكما حدث في المراحل التاريخية المختلفة فان الصراع بين حزبي المؤتمر الشعبي العام الذي كان يحكم الشمال والحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قد أتاح للقبائل، في مرحلة تحوله الى حرب شاملة في صيف عام 1994 ان تلعب دورا هاما في حسم الحرب لصالح المؤتمر الشعبي العام. واستفادت القبائل كثيرا من التبني الرسمي للديمقراطية والآلية الانتخابية فاكتسبت مزيدا من القوة. وتمكن شيوخ القبائل، وفقا للدكتور عادل الشرجبي، وعن طريق الانتخابات من استغلال وجاهتهم والوصول إلى مواقع السلطة على المستويين المركزي المحلي. وللقبيلة في اليمن عدد من الخصائص تؤثر كل منها اليوم بدرجة أكبر أو اصغر على وضع المواطنة من النواحي النظرية والمؤسسية والتطبيقية وسواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولعل أهم تلك الخصائص هي رابطة الدم، العصبية القبلية، العرف، والمسئولية الجماعية. وتتصف الرابطة القبلية التي تقوم على الدم— افتراض انحدار أبناء القبيلة من نفس الأب— بأنها رابطة تدرجية. وتعمل القبيلة في سعيها للحفاظ على الأصل الواحد على التزاوج الداخلي بين أفرادها، وهو ما يمثل عائقا لعملية الدمج الاجتماعي. كما ان القبيلة تميل إلى الاستقلال ورفض الخضوع لأي سلطة داخلية أو خارجية وهو ما يصعب من عملية بناء الدولة المدنية الحديثة التي تمثل الفضاء الذي تنبت وتنمو فيه المواطنة. ويتناقض الولاء المطلق الذي يمنحه الأفراد لقبائلهم مع الولاء للمجتمع السياسي في الدولة المدنية الحديثة. كما ان العصبية القبلية تؤدي إلى التفاخر بالأحساب والأنساب، وتمثل ركيزة للطبقية والمحسوبية. ويعمل العرف القبلي على إعادة إنتاج نفس المبادئ والقيم التي يقوم عليها التنظيم القبلي. ويؤدي العرف كثقافة وكقواعد قانونية ملزمة وان كانت غير مكتوبة إلى الحفاظ على اختلالات المواطنة. ولم يغير الانتقال الشكلي إلى الدولة من الوضع كثيرا. فالقواعد العرفية التمييزية وجدت طريقها إلى بعض القوانين المكتوبة. ثالثا- الموارد كمحدد للمكانة تلعب الموارد دورا كبيرا في تحديد شكل النظام الاجتماعي والسياسي ومكانة الفرد في المجتمع. وقد تحددت العلاقات الاجتماعية في المجتمع التقليدي في اليمن بموقع الأفراد والجماعات من الموارد الطبيعية عامة، وملكية الأراضي الزراعية خاصة. واحتلت الفئات الاجتماعية التي تملك الأراضي الزراعية مكانة اجتماعية هامة ورئيسية في البناء الاجتماعي للمجتمعات المحلية الريفية، وفي إدارة الموارد الطبيعية، وفي اتخاذ القرارات المتصلة بشؤون المجتمع المحلي كافة. وعلى العكس من ذلك، فان الفئات الاجتماعية التي لا تملك الأراضي الزراعية احتلت "مكانة هامشية في البناء الاجتماعي" ولم "تتمكن من المشاركة في إدارة الموارد الطبيعية، وفي عملية اتخاذ القرار المتصلة بشؤون المجتمع المحلي، ومن الاشتغال في النشاط الإنتاجي الرئيسي في الريف اليمني التقليدي." ونتج عن هذا النوع من العلاقات الاجتماعية "أشكال من الطبقية الاجتماعية واللامساواة الاقتصادية، وفروق في نصيب الأفراد والجماعات من السلطة والثروة والمكانة الاجتماعية." رابعا- الأحادية السياسية أدى التعدد الاجتماعي بأشكاله المختلفة وعبر مراحل تاريخ البلاد إلى الظهور المتكرر للأحادية السياسية. ولم يتغير الوضع بعد قيام الثورتين في الشمال في عام 1962 وفي الجنوب في عام 1963. وانقسم اليمن خلال العقدين الأخيرين من عمر الحرب الباردة (1970-1990) إلى دولتين. سميت الدولة الأولى ب"الجمهورية العربية اليمنية" وتكونت من مجتمع قبلي تقليدي. وتحالفت الدولة الشمالية بشكل عام مع دول الخليج العربي المجاورة لها ومع المعسكر الغربي. وحكم البلاد خلال الفترة 1982-1990 حزب واحد هو المؤتمر الشعبي العام الذي تأسس في عام 1982. وسميت الدولة الثانية بدورها "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية." وعلى عكس الأولى فان الدولة الثانية وبحكم جغرافيتها المنفتحة على البحر، صغر حجم السكان، والتأثيرات المختلفة التي تعرضت لها خلال فترة الاحتلال البريطاني وضعف الدور القبلي قد تبنت العقيدة الاشتراكية وتحالفت مع المعسكر الشرقي. ومع ان الدولتين شهدتا وبشكل غير منتظم وفي أوقات متفرقة انتخابات محلية أو نيابية الإ أنهما كانتا ومع اختلاف في الدرجة محكومتين بأنظمة شمولية تقوم على أحادية حزبية، سياسية، إيديولوجية، وثقافية. ولم تسمح الأنظمة السياسية الحاكمة، مع وجود بعض التمايز، بالتعددية الحزبية أو السياسية أو الإعلامية أو الثقافية. واعتمدت الدولتان في تمويل موازنتيهما على الموارد الخارجية بشكل أساسي. بالنسبة للجمهورية العربية اليمنية، فقد اعتمدت على المساعدات والمعونات والقروض المقدمة لها من دول الخليج العربي وعلى نحو خاص المملكة العربية السعودية، ومن الدول الأوروبية، والولايات المتحدةالأمريكية، وعلى عائدات المغتربين اليمنيين في دول الخليج. أما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فقد اعتمدت على المعونات السوفيتية وعائدات المغتربين من أبنائها في دول الخليج. وقد ساهم الاقتصاد المعتمد على المصادر الخارجية في قيام الأحادية السياسية ثم في استمراريتها. وتبنت الدولتان الشطريتان وعلى نحو متمايز مفاهيم جزئية للمواطنة. فالدولة الشمالية سمحت بقدر معين من المواطنة المدنية مثل السماح بحريات التعبير والعمل والسفر والنشاط الاقتصادي مثلا. أما الدولة الجنوبية فحققت قدر معين من المواطنة الاجتماعية مثل ضمان حقوق التعليم والصحة والعمل والحماية من الفقر والفاقة وغيرها. أما على الصعيد السياسي، فانه ورغم الانتخابات غير المنتظمة هنا وهناك ورغم بعض النصوص الدستورية والقانونية وبعض الممارسات، فان النظامين قاما في الواقع العملي على إنكار المواطنة السياسية المتساوية. ففي الجنوب تم التمييز مثلا ضد السلاطين وعلماء الدين والقوى التقليدية وشيوخ القبائل وغير الحزبيين وذلك لصالح الطبقة العاملة التي أصبحت، وفقا للشعار، هي القائدة للتحول. وفي الشمال تم التمييز ضد النساء والهاشميين والقوى الحديثة وغيرها وذلك لصالح ما أسمته الدكتوراه رءوفة حسن، أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء، ب"الشيخين" وهما شيخ القبيلة وشيخ الدين.