أعاد تراجع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن نقل صلاحياته الكاملة لنائبه تمهيداً لتشكيل لجنة لإعادة صياغة الدستور الحالي وتهيئة البلاد لانتخابات رئاسية مبكرة، الأزمة السياسية القائمة في اليمن إلى المربع الأول، لتضع البلاد في مواجهة سيناريوهات التسوية غير السلمية التي قد تتراوح بين تصعيد المعارضة والمعتصمين المطالبين بتنحي الرئيس لمواقفهم باتجاه الزحف على القصر الرئاسي ومحاصرة مؤسسات الدولة السيادية كوسيلة لإجبار صالح على التنازل عن السلطة، أو استباق الأخير وحزبه الحاكم لمثل هذا التصعيد المتوقع بتصعيد أخطر باتجاه تكريس سريان حالة الطوارئ في البلاد واتخاذ إجراءات قمعية تستهدف على حد السواء المعتصمين بساحة التغيير وقيادات أحزاب اللقاء المشترك المعارض . مصادر حكومية يمنية مسؤولة لم تستبعد في تصريحات ل “الخليج” أن تشهد الأيام القليلة القادمة نزولاً لافتاً ومكثفاً لقوات ووحدات عسكرية من الجيش كإجراء يستهدف التصدي لأي خروقات لقرار سريان حالة الطوارئ المقر من البرلمان، الأمر الذي سيمثل في حال حدوثه تصعيداً نوعياً في مفردات الأزمة المحتقنة في البلاد قد تدفع إلى صدامات بين الوحدات العسكرية التابعة للواء علي محسن الأحمر المكلفة حماية المعتصمين، ووحدات مماثلة من القوات الخاصة والحرس الجمهوري والأمن المركزي الموالية للرئيس، في سيناريو كارثي سيمثل سابقة هي الأولى والأخطر من نوعها التي تشهدها العاصمة صنعاء . تلويح الرئيس اليمني باستخدام ورقة الجيش كوسيلة لحماية الشرعية الدستورية مثل إنذاراً ضمنياً لأحزاب المعارضة الرئيسة في البلاد وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يتهمه الحزب الحاكم بالوقوف وراء تصعيد موجة الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية باستخدام أنصاره المنخرطين في صفوف المعتصمين ومنابر الخطاب الديني في ساحات الاعتصام والمساجد للتحريض ضد الرئيس والنظام القائم، بأن الجيش و”عصا الدولة” ستكون في انتظار الحشود الزاحفة على القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية السيادية والتصدي الحازم لأية محاولات تستهدف ما وصفه ب “لي الذراع” من خلال وضع النظام بأجهزته وأدواته الأمنية في مواجهة “الصدور العارية” للشباب المعتصمين . الساعات الماضية التي أعقبت افتتاح الرئيس علي عبدالله صالح لدورة استثنائية لحزب المؤتمر الحاكم استهلت أعمالها باعتماد قرار فصل القيادات الحزبية التي استقالت من المؤتمر احتجاجاً على مجزرة الجمعة بصنعاء، شهدت تحركات لافتة للمدرعات والدبابات وقوات أمنية وعسكرية باتجاه إعادة التموضع في أماكن متفرقة بمداخل الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مقر القصر الجمهوري بمنطقة التحرير بوسط العاصمة ومقر دار الرئاسة ومجمع العرضي العسكري الذي يضم المكتب الرئاسي الجديد للرئيس صالح الذي يوجد فيه منذ بداية التصعيد للأزمة القائمة في البلاد عقب نهار الجمعة الدامي . واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور أحمد عبدالرحمن المقرمي أن التطورات المتسارعة في مشهد الأزمة المحتدمة وغير المسبوقة في البلاد، بخاصة عقب رفض الرئيس صالح التنحي عن السلطة قبل انتهاء فترة ولايته الرئاسية الأخيرة في عام ،2013 تعزز من المخاوف الموضوعية على وشك الدخول في حقبة من العنف نتيجة تمترس أطراف الأزمة المتمثلة في المعارضة والشباب المعتصمين بساحات التغيير من جهة، والرئيس صالح من جهة أخرى عند مواقفهم حيال القبول بخيار تسوية متوازنة لا يفرض إرادة طرف على طرف آخر . ويقول الدكتور المقرمي إن “الأحداث والتطورات تتسارع باتجاه خيار التسوية غير السلمية للأزمة القائمة في البلاد، الرئيس تراجع عن موافقته بالتنحي خلال أيام، والمعارضة والمعتصمون لم يقدموا بالمقابل أي تنازلات تخفض سقف المطالب لتجاوز التصعيد باتجاه العنف . وفي اعتقادي ستكون الأيام القليلة القادمة الأكثر صعوبة، فقد نشهد صدامات بين العسكر المنشقين والموالين للرئيس وبين القبائل المؤيدة لثورة الشباب والمؤيدة للنظام الحاكم لأن النظام سيدافع عما يعتبره شرعية دستورية تتعرض لمحاولة انقلاب، والمعارضة ستلجأ في الغالب إلى استثمار أوراقها الجديدة المتمثلة بالمعتصمين الشباب والمنشقين من قادة الجيش لمواجهة تصعيد الرئيس برفض التنحي” . من جهة ثانية شهدت ساحة التغيير بصنعاء وعدد من المدن الأخرى خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً لافتاً لحدة الانفعال الشعبي الذي عبرت عنه أنماط مغايرة وغير مألوفة من مظاهر التعبير عن الاحتجاج السلمي كرفع الأحذية مقرونة باللافتات كتبت عليها عبارات موجهة للرئيس من قبيل “هكذا يكون الخروج المشرف من السلطة” و”إلى علي صالح، هذه مبادرتنا الأخيرة” إلى جانب ترديد شعارات لا تخلو من العنف اللفظي في تصعيد قد تعود بعض أسبابه إلى تداعيات مفردات الخطاب السياسي الذي اتسمت به تصريحات الرئيس الأخيرة التي وصف في إحداها المعتصمين بساحة التغيير بأنهم “خليط من الحوثيين وتجار المخدرات” . ائتلاف ثورة الشباب يطالب بتدخل إقليمي ودولي في اليمن ندد ائتلاف ثورة الشباب بتجمد مساعي الوساطة بشأن تسليم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة، خاصة بعد أن أكد أنه لن يقدم مزيداً من التنازلات، وموقف حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم أنه متمسك بولاية الرئيس صالح حتى نهاية فترة ولايته الممتدة حتى عام 2013 . وقد دعا ائتلاف ثورة الشباب والطلاب الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤوليتهم تجاه ما يقوم به النظام من جرائم إبادة جماعية بحق أبناء الشعب اليمني، كما طالبوا في بيان لهم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف صريح يطالب برحيل الرئيس اليمني . وحذر ائتلاف ثورة الشباب والطلاب صالحاً من الاستمرار في تماديه على الشعب كما حدث في مقابلته الأخيرة مع قناة “العربية” وخطابه أمام اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم أول أمس . وأشار ائتلاف ثورة الشباب والطلاب في بيان إلى أن صالح “ظهر من خلال المقابلة حريصاً على حصر الخلاف بينه وبين أحزاب المعارضة واللواء علي محسن صالح الأحمر، متجاهلاً ثورة الشعب الذي خرج من أجل إسقاط النظام وبناء دولة مدنية حديثة تقضي على التخلف الذي قال هو نفسه إن الشعب يعيش فيه متناسياً أنه هو من صنع هذا التخلف خلال فترة حكمه” . إصابة متظاهرين في عدنوحضرموت أصيب ثلاثة شبان من أبناء مديرية البريقة بمحافظة عدن بالرصاص الحي،مساء اول امس الاحد، أثناء تفريق قوات الأمن لمظاهرة طالب المشاركون فيها بالتوظيف وإسقاط النظام . وأشارت مصادر محلية بمديرية البريقة إلى أن قوات الأمن قامت بتفريق المتظاهرين باستخدام الرصاص الحي، ما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص ورابع برضوض، نقلوا جميعهم لمستشفى شركة مصافي عدن، وأن حالة أحد المصابين خطيرة جراء إصابته بعيار ناري في الرأس . أضافت المصادر أن المشاركين في المظاهرة تجمعوا في ساعات متأخرة من الليل قبل الماضي أمام نادي الشعلة الرياضي، وقاموا بإحراق الإطارات وقطع الطرقات بالأحجار، للمطالبة بالوظائف التي وجه بها نائب الرئيس عبدربه منصور هادي قيادة شركة مصافي عدن، التي أمرها بتوظيف 300 شاب من أبناء مديرية البريقة أثناء زيارته لمحافظة عدن في شهر فبراير/شباط الماضي، إلا أن قيادة الشركة لم تنفذ تلك التوجيهات حتى الآن . وفي مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، أصيب ثلاثة أشخاص أثناء تفريق تظاهرة عقب انتهاء الآلاف من مشاركتهم في تشييع جثمان رامي سالم بارميل أحد ضحايا المواجهات السابقة مع قوات الأمن، إلى مثواه الأخير بمقبرة يعقوب بالمكلا . ودانت أحزاب المعارضة في المكلا إطلاق النار من قبل الأمن ومسلحين بزي مدني على المشاركين في التشييع ما تسبب في إصابة ثلاثة أشخاص بجروح، وما تعرضت له مخيمات المعتصمين بكورنيش المكلا من اعتداءات وأعمال بلطجة وكذا فرع البنك الأهلي من قبل بلاطجة الحزب الحاكم . ودعت أبناء المحافظة بمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية والفكرية إلى “قطع دابر الفتن التي يحاول البعض إضرامها للنيل من حضرموت واستقرارها ووئام ووحدة أبنائها، وطالبت الجميع بإبداء مزيد من التكاتف والتلاحم في ظل الأوضاع المتفجرة الخطيرة التي تعصف بالبلاد، ومحاولات إجهاض الثورة السلمية لشباب وطننا المطالبة بالرحيل الكامل للنظام الحاكم” . تصعيد "القاعدة" لهجماتها في الجنوب لصالح "صالح" فرض التصعيد الطارئ في تحركات وهجمات تنظيم القاعدة وسيطرة مجاميع مسلحة تابعة للتنظيم على مديريتي “جعار وزنجبار” بأبينجنوباليمن بعد إجبار القوات الحكومية على الانسحاب والتقهقر إلى مناطق خلفية، مشهداً جديداً في مفردات الأزمة السياسية القائمة في اليمن باتجاه تعزيز الحيثيات المعلنة من قبل الرئيس علي عبدالله صالح والمقدمة للدول المانحة وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، لتبرير تراجعه الأخير عن التنحي عن السلطة، استناداً إلى أن ذلك سيشجع كيانات متطرفة كتنظيم القاعدة على تعزيز تواجدها في اليمن من خلال السيطرة على مناطق في الجنوب وإعادة تأسيس معسكراته التدريبية تمهيداً لشن هجمات لاحقة داخل اليمن وخارجها . وشهدت مديريتا جعار وزنجبار بابين خلال الساعات القليلة الماضية توافداً لافتاً لمسلحين من عناصر القاعدة لتعزيز سيطرة مجاميع مسلحة من التنظيم على المديريتين، في تطور يعتقد بأنه سيمثل بداية توسع لحضور التنظيم المسلح باتجاه مناطق مجاورة في أبين وشبوة ولحج التي تمثل مناطق تمركز لعناصر القاعدة . واعتبر الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور ياسر عبدالرحمن أن تراجع الرئيس صالح عن التنحي الفوري عن السلطة والقرارات الحاسمة التي اتخذها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم بالتزامن مع هذا التطور، استند إلى قراءة واقعية لما قد يثيره سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق كاملة في اليمن، بعد طرد القوات الأمنية والعسكرية الموجودة فيها، من مخاوف لدى الغرب والولاياتالمتحدة إزاء التداعيات المحتملة لإسقاط نظام الرئيس في فرض معادلة أمنية جديدة تصب لصالح تنظيم القاعدة الذي يمثل تواجده في اليمن تهديداً حقيقياً وملحاً للمصالح الغربية والأمريكية في المنطقة . ويرى الأكاديمي البارز أن “التطورات الأخيرة المتمثلة في سيطرة القاعدة على مناطق كاملة بأبين سيفرض بالضرورة على الغرب والولاياتالمتحدة إعادة النظر في مواقفهم المعلنة إزاء الأزمة القائمة في اليمن، والتي كانت تطالب الرئيس صالح بسرعة التنحي والسعي إلى تحقيق الانتقال السلمي للسلطة . وفي اعتقادي أن تصريحات الرئيس الأخيرة التي هاجم فيها حزب الإصلاح الإسلامي واتهمه بالارتباط بتنظيم القاعدة، وتركيزه على التحذير من مخاطر وصول الإسلاميين إلى السلطة في اليمن في تحويل البلاد إلى حاضنة حقيقية لتنظيم القاعدة، استهدف إثارة مخاوف الغرب والولاياتالمتحدة .